لنتحدث عن الحياة قليلا.. قصة قصيرة لـ حازم متولي

هما كائنان بشريان لا يفترض تلاقيهما تحت أية مظلة، شروعًا بمظلة الجيرة وبلوغًا لمظلة الحب بكل ما بينهما من ألوان مظلات التلاقي وأشكالها، حتى تلك الساعة العاشرة في صباح السادس والعشرين من أبريل. حازم متولي

كان ينفرد بنفسه على طاولة صغيرة تحف واجهة المقهى البانورامية المطلة على جانب من المعادي جراند مول، منهمك في إعداد مراجعة لدورة حسابات شركة كبرى على شاشة اللابتوب، يدخن بكثافة من شيشة بطعم خلطته الخاصة من اللبان والفانيليا، ويسكب شاي الزردة من براده في استكانته كلما فرغت، يرتدي بدلة أنيقة تخلص من سترتها على ظهر الكرسي المواجه له تاركا حقيبته المفتوحة على جلسة نفس الكرسي، وقد أرخى ربطة عنقه محررا نفسه من زري القميص العلويين، ساعة أنيقة بماركة عريقة ملقاة بجوار اللابتوب، وبجوارها IPhone حديث، power bank، وفي أذنيه سماعات متصلة بالجهاز يسمع خلفيته الصوتية المفضلة، تسجيل صوتي كامل لمسرحية “العيال كبرت”، فيحتفظ مع وقع حوارها المحفور في ذاكرته بابتسامة تخفف عليه وطأة التركيز وتجعله أكثر إنتاجا.
يفاجأ بها تحرك الكرسي المجاور له على طاولته جالسة بعفوية واثقة، ملقية مِخلتها الخيش المصنوعة يدويا وقد استعملت لسنة على الأقل على حقيبته الجوتشي المفتوحة بجوارها، بعد أن تخرج منها تليفونها وعلبة سجائرها وولاعتها، تأتي بفيشة الـ power bank من أمامه وتدسها في تليفونها متزامنة مع مرور النادل فتستوقفه طالبة قهوتها الأمريكية وقطعة cheese cake بدون إضافات، جينز فاتح كالح ممزق بشكل مبالغ فيه، إلا أنه يبدو قد وصل إلى هذا الحد بسبب الاستهلاك وعدم الاعتناء، لا بسبب الاستعراض والغواية، شبشب “كاويتش بصباع” رمادي لا يختلف في استهلاكه عن حال الجينز، الأطراف لا تفتقد للعناية، لكن أظافرها عدوة لفكرة الطلاء أو العزل، تيشيرت أبيض عليه أيقونة السلام الدائرية برسم أسود رفيع أهلكت طباعته مرات الغسيل والكي، وجزء كبير من وشم عقرب أسفل يسار رقبتها يختفي ثلثه السفلي تحت إطار رقبة التيشيرت، تخرج سيجارة وتشعلها نافثة نفسها الأول بسرعة متوجهة لملامحه الساهمة في هذا الغزو يستجمع استيعابه فتبادره.
ـ أنا إسمي سيلين.. وانت؟
هل يفترض أن يجيب! يدقق في ملامحها فيجد منها انتظارا لرده، يبدو أن عليه الرد لا السؤال…
ـ أنا إسمي أكرم..
تمد يدها تصافحه فيتساءل مجددا في صمت، يريد أن يستفهم لا أن يتواءم ويصافح ويقبل ما يحدث “عمياني”، لكنها تمد يدها ليده مصافحة ولابد كجينتل مان أن يستجيب… فيستجيب.
ـ عايز تفهم إيه اللي بيحصل طبعا..
ـ طبعا.. (كان حادا)
ـ شايف الموتوسيكل اللي بره ده؟
التفت خارج المقهى من بانوراما واجهته حيث أشارت فوجد قطعة متحفية لهارلي ديفيدسون تزين الرصيف، بعد أن أشبع عيناه من المشهد للحظات عاد لها بملامح زائغة متسائلة لم يكن في حاجة لكلام يفسرها فأجابته.
ـ في واحد هييجي بعد شويه صغيرين يركبه.. تقريبا بعد نص ساعه بالكتير.. وانا عاوزاه يشوفني قاعده معاك..
ـ وانتي تعرفي منين انك كنتي هتلاقيني هنا؟
ـ أنا baby setter عند ناس قريبين من هنا..
ليس من المنطقي أن يكون هذا المظهر لمربية أطفال منزلية، تلك الحالة البوهيمية ومخارج الانجليزية الدقيقة يصعب أن تكون لامرأة ودودة صبورة حنون متأنية، هذا الجينز المهلهل، وهذا التيشيرت المسكين، هذا الكائن لا يصلح أن يكون مسؤولا عن آخرين عموما.
ـ بـ اعدي من هنا كتير.. وباجي المول كتير.. شفتَك اكتر مره وانا رايحه الشغل.. بس مشفتكش بالليل ولا مره.. وانهارده شفتك.. كنت نازله الشغل وانا باغلي.. وانا معديه بـ Uber لقيتك.. فقررت اطفي الغليان اللي انا فيه.. sorry.. قررت استخدمك يعني عشان تلعب دور الطفايه..
ما هذا الهذيان؟! من هذه المخبولة شديدة الجمال والعفوية واللامعقولية؟! وفيمَ تريد أن تستخدمه تحديدا؟!! هناك روح عبثية تتسكع في فراغ هذا المقهى.
ـ بصي هوه انا مش فاهم ولا أي حاجه مـ اللي انتي بتقوليها من أول ما قعدتي.. بس انا بصراحه مش فاضي عشان اضيع وقت واحاول افهم حاجه مجرد شكلها من بره مستفز جدا..
ـ هوه انت بتشتغل ايه؟
ـ مراجع مالي..
ـ wow.. شكلك صغير أوي..
ـ عشان انا مركز أوي.. (بدى عدوانيا)
ـ sorry لو شتت تركيزك.. (كانت شديدة البرود والثقة)
ـ مش مشكله حصل خير.. بس انا محتاج ارجع تركيزي تاني وبسرعه.. معنديش وقت انهارده غير الوقت ده عشان اخلص اللي انا قاعد هنا عشان اعمله..
ـ واضح اني ضايقتك جدا..
في الحقيقة، لم يضايق حضورها أكرم رغم فجاجته، بدأ الأمر بتساؤل يبطنه الفضول، ثم انتهى بتساؤل يبطنه الكبرياء، لكنه في الحالتين متسائل لا رافض.
أتى النادل بطلبها وانصرف، كانت لحظات الخدمة تلك كفيلة بأن توفر له فرصة استحضاره للرد المناسب، ثم ينصرف النادل.
ـ مبقيتش فارقه.. أنا اتضايقت ومبقيتش قادر اكمل خلاص.. لكن مينفعش ابقى قاعد باستقبل كل الاستفزاز ده من غير ما اكون فاهم..
ـ باختصار.. احنا نسوان مخنا ابن كلب قد كده.. (أشارت بأطراف إصبعيها حد الالتصاق).. صاحب الموتوسيكل ده يبقى الـ boyfriend بتاعي.. شفته مرتين من غير ما ياخد باله وهو واخد واحده معينه وراه عـ الموتوسيكل.. وعلى حظ أمي النحس ولا يمكن امه هو.. المرتين كانوا فـ يوم واحد.. امبارح.. مره بعد الظهر وانا نازله اجيب الولاد مـ المدرسه.. ومره بالليل وانا مروحه.. طول الليل هموت عشان الاقي طريقه افش بيها غلي.. ولحد ما عديت من شويه عـ الكافيه وشفتك قاعد.. مكنتش لقيت أي طريقه.. واما شفتك الفكره نورت.. شكلك يضايق أي راجل.. handsome.. classy.. برنس فـ نفسك كده وصارف ومكلف.. كلمت الناس اللي باشتغل عندهم واستأذنت اتأخر.. وهو عنده محل هنا في المول.. بينزل منه دايما في الوقت ده ويرجع تاني بعد ساعتين تلاته.. فقررت اجي اقعد معاك لحد ما ينزل ويشوفنا مع بعض..
ـ وبعدين؟ (بدى متوجسا)
ـ مش عارفه.. هو sure هيتخض.. و sure ممكن يسخن عاللقطه يعني وكده.. بس definitely هنبقى لازم نعمل control قبل ما توَلــَّـع..
ـ وانا مالي ومال العك ده كله يا سيلين انتي؟! (أخيرا سمح لاحتقان استفزازه بالانفجار)
ـ a favor.. just a favor.. (بدت متوسلة ببطانة من الثقة).. ما انا كنت ممكن ادخل اقعد على ترابيزه تانيه واعمل أي scene عشان افتح معاك كلام..
تخرج سيجارة من علبتها وتنتصب وقد أتته مجاورة منحنية عليه بها.
ـ please ممكن تولعلي؟ قديمه أوي.. (تعقب على نفسها وهي تعاود الجلوس).. بس كانت هتجيب معاك.. وكنت هتولعلي وانت مبسوط.. وكنت هتدوَّر على أي نمره تعملها عشان تستغل الفرصه وتثبتني معاك شويه.. حتى لو من باب انك تاخد break مـ الشغل وتشرب فنجان قهو مع مزه عابره.. بس انا بأه جيتلك في الدوغري.. أنا واحده قلبها محروق وعايزاك تساعدها عشان تاخد حقها.. و by the way احنا sure مش هنسيب بعض.. أنا بموت في أمه أصلا.. بس انا عاوزاه يجرب الإحساس اللي حسسهولي من امبارح ومعفرتني لحد دلوقتي.. يعني مش هيحصل أي حاجه بيني وبينك مقابل الواجب اللي انا مستنياه منك يا أستاذ أكرم.. ولو انها مكبراك أوي أستاذ دي.. بس انت شكلك كده مش هتقبل مني غيرها..
هذه البوهيمية تقول ما كان سيحدث فعلا، كان سيشعل لها السيجارة ويحاول استدراجها لمشاركته الطاولة ولو لوقت مستقطع، وكان إذا استجابت له سيشعر بلذة انتصار ما، وبحسب ما تقول، فهو مستهدَف وكانت هي بالحتم ستستجيب لتتمم حيلتها، حينها، ربما كان سيمدد الوقت المستقطع إلى أجل غير مسمى، فهي حتما مثيرة لشغف الاكتشاف، هذا النموذج البري غير وارد في أجندة حياته، علاقاته، أو حتى ذوقه في الستات، وربما كان الدوغري الذي فضلته هو ما أثار حفيظة كرامته، لقد حرمته بذلك الدوغري كل تلك اللذة وذاك الشغف.
ـ ممكن تقوليلي أكرم عادي.. بس انا مش مبسوط مـ اللي بيحصل..
ـ أكيد ولا انا.. متنساش ان انا اللي منظري قدام نفسي زباله بجد.. سواء معاك أو معاه هو شخصيا.. بس احنا ممكن منركزش في الحكايه دي.. نتكلم في أي حاجه تشغلنا عن الفكره..
ـ المشكله دلوقتي مبقيتش في الفكره.. المشكله بقت في النتيجه.. أنا معرفش الراجل اللي انتي عايزاه يشوف المشهد ده نوعه إيه.. ردود أفعاله وانفعالاته حدودها إيه.. نقط ضعفه إيه.. عـ الأقل عشان لو ما عرفناش نقاومه.. نعرف نلاقي طريقه تحجِّمه..
ـ عندك حق.. بس هوه انا نفسي مش عارفه.. احنا متصاحبين بقالنا سنتين.. لكن عمر ما حصل فيهم مشهد زي ده عشان اعرف.. في حاجات كده مهما كنت قريب مـ اللي معاك عمرك ما بتعرفها غير لما تحصل.. ودايما بتبقى بره كل الاحتمالات..
ـ طب انتي بناء على معرفتك ليه ممكن تتوقعي إيه؟
ـ هو مش مسالم زيك كده..
ـ ومين قالك اني هكون في لحظه زي دي مسالم؟ (كان حادا مستنكرا)
ـ عندك حق تاني.. anyway.. هو ممكن يبقى aggressive بس مظنش انها ممكن توصل للضرب بغباوه.. على قد ما اعرفه يعني.. مش متأكده..
ـ بس ممكن يضرب! (بدى متوجسا في حدته مع هذا التساؤل المتحفز)
ـ ممكن يستهبل.. زقه ولا خبطه جامده بإيده عـ الترابيزه عشان يكركبك.. حاجه كده يعني مش اكتر..
ـ طيب أنا عندي مشكله تانيه أهم من رد فعله.. (حاسما).. أنا مينفعش يحصل معايا المناظر دي فـ مكان عام.. أنا مش بتاع كده.. وهنا بالذات مكاني وانا مش عايز اغيره.. جنب شغلي والشيشه بتاعته صح والولاد الشغيله كلهم عارفيني.. أنا لو حصل معايا المنظر ده مستحيل هقدر احط رجلي هنا تاني..
ـ بتقول “أنا” كتير جدا على فكره.. (كانت عفوية باستفزاز)
ـ أنا حر.. (انفجر)
نفرت عروقه حرجا حين التفتت كل وجوه المكان من رواد وعاملين نحوه في حركة جماعية موحدة وملامح متباينة التساؤلات والاستنكار، ابتسم متعذرا للجميع باستحياء ثقيل، شرب جرعة وافية من كوب الماء، ثم أغمض جفنيه مستدعيا كل طاقة التماسك المتاحة في كيانه، وحين فتح جفنيه، وجد يدها تمد له علبة السجائر تدعوه لواحدة.
ـ أنا مبدخنش سجاير..
ـ يتدخن شيشه.. مش هتفرق كتير.. نفخ يا سيدي طيب متكسفنيش.. (بدت ودودة)
أخذ السيجارة وأشعلتها له ثم لنفسها.
ـ بتحب الـ American coffee؟
هذه المخلوقة بوهيمية حتى في إدارتها للحوار، هو يتحدث عن فضيحة وهي تسأله عن ذوقه في القهوة، نعم يا سيلين، لا مانع لديه مع القهوة الأمريكية، ثم ماذا بعد!
أتى النادل بالقهوة أمام كل منهم، أضاف أكرم لها بعض الحليب ونفحة من السكر، واحتفظت بها سيلين سوداء مُرة.
ـ بحب touch المراره اللي فـ طعمها.. أي سكر بيبوظه..
ـ أنا مش عايز مناظر يا سيلين.. (كأنه لم يسمعها)
ـ هوه احنا مش هنتكلم غير في الموضوع ده!
كانت عفويتها محفزة للتوبيخ فعلا، لكنها تابعت دون اكتراث بتحفزه.
ـ let’s make a plan.. أول ما هيشوفني من بره.. أنا هـ بَيْبَيْلـُـه.. وانت تبص ناحيته وتبتسم and that’s it..
ـ that’s it إيه مش فاهم..
ـ هو أكيد هيعمل حاجه من اتنين.. وفي الحالتين الحركه بتاعتنا دي هتخليه يضطر يعمل control على نفسه وميتسرعش لحد ما يفهم.. وهيدخل أو لأ.. لو دخل هقابله soft cool زي ما احنا متعودين وهعرفه عليك.. old friend من أيام الـ AUC.. واتقابلنا بالصدفه وانا مستنياه ينزل من المحل عشان اعملهاله مفاجأه..
ـ والاحتمال التاني! (بدى مع هذا التسائل في هدوء نسبي أكثر طمأنينة)
ـ انه يشاورلي عشان اخرجله.. ساعتها هاخد شنطتي واسلم عليك وامشي.. وكده يبقى دورك خلص.. أكيد لما اخرجله مش هتكلم معاه بطريقه تستفزه منك لدرجة انه يقرر يدخلك.. باختصار لو استقبلناه بطريقه تلخبط انفعاله.. هنقدر نتصرف في الحالتين..
ـ هو المفروض يخرج إمتى تقريبا؟
ـ على 12.. عنده محل تاني فـ شارع 9 بيروح يبص عليه ويرجع هنا تاني على 3..
ساعته تشير لـ 11:30، نصف ساعة وفنجان قهوة وتلك البوهيمية الساحرة وسيجارة لم يدخنها منذ سنوات، وها هي قد طرحت حلا يزيل رهبة الفضيحة، يبدو أن عليه استحضار الهدوء قليلا، وحين تنفس صعداء السكينة، تذكر ما صرحت به دون اكتراث وهي تحكي له خطتها، لن تتيح لذلك الحبيب المجهول فرصة للانفصال لأنها تحبه بجنون، ويبدو أنه قبِل أن تستخدمه على هذا النحو بذريعة الجميل غير المردود، هل تعجبه تلك الفكرة فعلا؟
ـ انت بتسرح مع نفسك كتير كده ليه؟
ـ بدور في دماغي هنحرق النص ساعه دي ازاي من غير ما احس اني مخنوق..
ـ مخنوق مني طبعا!
ـ لأ.. حاجه تخصني.. (كان حاسما)
ـ طب إيه الـ effective أكتر عشان متحسش بكده؟ تتكلم ولا تسمع؟
ـ ما انا لو لاقي حاجه اتكلم فيها وتخرجني بره الإحساس ده مكنتش سرحت..
ـ يعني بتحب تتكلم اكتر ما تسمع..
ـ وانا مخنوق آه..
ـ خلاص.. نتكلم في الحياه..
ـ في نص ساعه! (مستنكرا)
ـ مش كلها يعني.. ننقي اللي يتقال منها فـ نص ساعه.. بص.. في حاجات في حياتنا بتبقى تقيله عشان غلسه.. لا ينفع نتكلم فيها مع حد نعرفه.. ولا نحب نتكلم فيها مع نفسنا.. عشان بنبقى اتكلمنا فيها كده كتير ونفسنا نقولها لحد تاني.. بس مش قادرين.. أو مش عايزين.. أو مَجَتْش مناسبه.. كل واحد فينا يختار حاجه من دول ويتكلم فيها.. بشرط ان التاني يسمعه بجد.. وميقاطعوش لحد ما يخلص.. أنسب حد نتكلم معاه في الحاجات دي هو حد منعرفوش.. خصوصا واحنا متأكدين اننا مش هنقابله تاني.. لنتحدث عن الحياة قليلا، قليلا بقدر ما يخلصنا من دمل قديم في القلب، يخمد أحيانا، وينتفخ أحيانا متباعدة بقيح لا تحتمل شدة ألمه بمجرد اللمس، اقتراح لا بأس به، فالقلب متخم بهذا النوع من الدمامل، وفقؤ واحد منها في حد ذاته إنجاز يستحق المجازفة، لكن الدمامل كثيرون، فأي منهم سينتخبه أكرم ليبدأ الحديث بشأنه.. لربما تجاوز مع فقئه ما يسبب له هذا الشعور الثقيل بالاختناق؟ ورطة في غاية الصعوبة.
ـ سرحت تاني..
ـ الحاجات اللي انتي بتقوليها دي في منها كتير.. وكلها أسخف من بعض..
ـ نحددها شويه؟
ـ زي إيه يعني!
ـ نختار topic.. الحب مثلا.. (بنفس العفوية)
هل كان اختيار هذا العنوان على وجه التحديد عفويا فعلا كما بدى منها؟ أم أنه يحمل دلالة تتقن هذه البوهيمية أن تشير لها دون أن تثير الشكوك؟ فكرة الدلالة مرفوضة من الأساس، فهي لن تنفصل عن ذلك الرجل ولن تتوقف عن حبه بجنون، إذا فالاختيار الأول ربما بدى لها الأنسب لاستمالة حماسته للفكرة، من منا يكره التخلص من دمل خلفته جرثومة أعطبت به حبا قديما؟
ـ عارفه انا طلقت ليه؟
ـ أنا معرفش انك كنت متجوز عشان اعرف انك طلقت..
ـ آه.. أنا اتجوزت 4 سنين وانفصلت من سنه وكام شهر..
ـ ok.. انفصلت ليه؟
ـ عشان كل ما كنت بخونها كانت بتعرف..
ـ كنت بتخونها كتير؟
ـ كل ما اسافر.. وانا باسافر كتير.. حتى لو مسافر بدماغي..
ـ مكنتش بتحبها؟
ـ لأ أنا اللي مش بعرف اقاوم..
أخذه الشرود مجددا، لكنها لم تحفزه للمتابعة حتى وجد في تلاطم باله ما يقال.
ـ أول مره عِرفِت.. اتخانقِت أوي.. خدنا وقت طويل.. مكنتش عارف اعمل ايه عشان اخليها ترجع في قرار الطلاق.. آخر تصور كان ممكن ييجي على بالي ان هديه كويسه تقدر تحل الأزمه.. واما عملت كده كنت متوقع انها هترميها فـ وشي وتتمسك بقرارها أكتر.. بس قلت اجرب مادام النتيجه في الآخر مش هتفرق كتير حتى لو باظت.. كده كده بايظه يعني بس ابقى عملت كل المحاولات المحتمله والغير محتمله.. لكن اللي حصل انها قبلت الهديه.. فضلت مقموصه بعديها كام يوم بس اتصالحنا.. وتاني مره عِرفِت.. حصل نفس الزعل.. بس ما اخدش نفس المده.. بعد أسبوع محاولات جبت هديه أحلى من بتاعت المره اللي قبلها.. خَدِتها.. وقعدت مقموصه يومين واتصالحنا.. المره اللي بعديها جبت الهديه بعد أول محاوله.. واللي بعديها هي اللي حددت الهديه.. لغاية ما فـ يوم شافتني وانا بخونها.. طبت عليا فـ شاليه كنت مأجره في السخنه.. معرفش جابت مكانه منين ولا عرفت ازاي اني هناك ولا فتحت ودخلت ازاي.. بس شافتني مع اللي كانت معايا واحنا نايمين مع بعض على كنبة الأنتريه بتاع الريسيبشن.. دي كانت أول مره تشوفني بعينها.. كل اللي قبل كده كانت حاجات بتعرفها لما تتجسس على تليفوني أو تصطادلي أدله حقيقيه ما اقدرش انكرها.. بس من غير ما تشوفني.. لكن المره دي شافتني.. بالنسبه لي ساعتها مكنتش متخيل ان في أي مقابل في الكون يخليها تسامح.. أي مقابل.. كرهت نفسي واحساسي بالوضاعه وانا قدامها بالمنظر ده.. استنيت تنفجر في وشي.. تضربني وتضرب اللي معايا.. تصرخ.. تجري عـ المطبخ تجيب سكينه.. لكن هي مشيت.. وقفت عند باب الشاليه واتفرجت علينا وهي ساكته… ومشيِت..
شرد من جديد، كأنه عاش نفس الصدمة من منظور آخر، أو ربما أدرك معها اللحظة التي بثت الجرثومة فانتفخ الدمل.
ـ مقدرتش اروّح البيت.. خدت أوضه فـ أوتيل وفضلت 3 ايام بدور على طريقه تخليني اتكلم معاها حتى لو هنوصل في الآخر للانفصال.. بس الاقي طريقه..
ـ وهي متكلمتش؟
ـ أكيد لأ.. أنا لو مكانها يمكن كنت قتلتها..
ـ يمكن!
شرد مجددا لتساؤلها فلامست ملامحه بشارة ابتسامة مُرة.
ـ تقريبا انتي كان عندك حق لما قلتي ان في حاجات الواحد مش ممكن يعرفها فـ نفسه غير لما تحصل.. يمكن مكنتش قتلتها..
ـ يمكن كنت عملت زيها بالظبط..
ـ يمكن فعلا..
ـ تقريبا هو ده اللي خلاك مش عارف تكلمها ازاي.. خدت وقت طويل وانت بتفكر إيه اللي كنت هتعمله لو اتحطيت مكانها.. وكل ما تلاقي رد تحس انه مش شبهك.. فـ تفكر في رد تاني وتالت وعاشر.. ومع كل رد تلاقيه كنت بتتوجع عليها أكتر.. وبتكره نفسك اكتر..
ـ صح.. لدرجة اني في اليوم التالت كنت فعلا وصلت لإني قرفان من نفسي.. قرفان حتى ابص لنفسي في المرايه..
ـ وبعدين؟
ـ اتصلِت هي..
بدى وقع ما قال على ملامحها صادما.
ـ طلبِت نتقابل.. وقالت انها اكتشفت انها بتحبني لدرجة انها مش قادره تطلب الطلاق.. لكن في نفس الوقت مبقيتش حاسه معايا بالأمان.. واني لازم اطمنها..
ـ ازاي؟ (غزاها فضول بنغصة استنكار)
ـ أكتبلها الفيلا الجديده بتاعت التجمع.. وامضيلها شيكات الاقساط اللي فاضله بتواريخ تسديدها.. ومتكلمش معاها فـ موضوع الخِلفه تاني لحد ما تِصْفى من ناحيتي وتِنسى.. (شرد مع ابتسامته المرة).. كان نفسي تصمم عـ الانفصال.. أيا كان رد فعلي لو كنت مكانها.. عمره ما كان هيبقى فيه احتمال اني اطلب أي مقابل عشان اعدي الخيانه بالمشهد البشع اللي هي شافته.. هي مش بس مكانيتش بتسامح قبل كده عشان بتحبني.. دي كانت بتستثمرني فعلا.. ومستعده تديني اللي انا عاوزه منها مهما حصل مني عشان تحافظ عـ الاستثمار ده وتكبره.. احساس انك تبقى عايش مع حد مستعد يعمل تمن لحياته ومشاعره معاك إحساس وسخ أوي.. وسخ وتقيل.. وانا مش سفير ولا وزير عشان اضطر اقبله واكمل معاها لأي مبررات اجتماعيه مهما كانت..
ـ وانفصلتوا..
لكن الألم استقر في دمل بالقلب لم يندمل، برغم كونه يعمل في مجال الحسابات والمراجعات لكبرى الاستثمارات، برغم يقينه بأن لكل قيمة ثمنا، لكنه اكتشف في صدامه الأول مع قيمة مشاعره وما رصدته طليقته ثمنا لها أنها لا تقدر بثمن، وبقدر قيمة تلك المشاعر كان قدر الألم الدفين الذي استقر في القلب منذ ذلك الحين، حتى ألقى به اليوم للمرة الأولى في أذن هذه البوهيمية في هذا اللقاء غير المحسوب.
لمح عقارب ساعته وكانت تشير لعشر دقائق فقط يبقيها الزمن لهذا اللقاء.
ـ متبصش في الساعه.. ممكن أي حاجه تعطله في الشغل.. المهم تحس انك مبقيتش مخنوق من قعدتنا زي الأول..
بدد البوح الاختناق، لديه الرغبة في أن يسمع منها تعقيبا على رواية هذا الألم، ثم تراجع في رغبته كي لا يبدو أنانيا منتفخ الأنا كما لاحظته منذ قليل، أو ربما لشغفه في معرفة قصة ألم عاشتها في حب سابق، بدى له أن هذا الدافع أكثر تلاقيا مع طبعه الأناني، ربما وجد في مصابها المزمع روايته ما يهدهد ضيقه من تلك الحقيقة البغيضة الراسخة في جذر هذا اللقاء، لن تترك الرجل وتحبه بجنون.
ـ يلا.. اتكلمي انتي..
ـ أنا هتكلم في حاجه ملهاش علاقه بأوجاع.. هي حكايه سابت علامه فـ تركيبتي أنا.. سيلين يعني اللي جت الدنيا بشوية حاجات بتاعتها لوحدها.. لكن الحكايه دي كانت الوحيده اللي غيرت حاجه مـ الحاجات دي..
ـ غيرتها للأحسن؟
ـ مش عارفه للأحسن ولا للأوحش.. بس التغيير اللي حصل مش مضايقني.. بالعكس.. خلاني اشوف الدنيا من perspective تاني.. ملوش دعوه باللي انا اعرفه عن نفسي طول عمري لحد ما حصلت الحكايه دي.. راجل Italian كان عنده وقتها 48 سنه.. وانا كنت 23.. قابلته في الفتره اللي كنت بعمل فيها الـ master بتاعي فـ AUC بعد ما اتخرجت منها بـ 3 سنين.. أنا تخصصي كان sociology.. والـ master بتاعي كان في التربيه.. كان طموحي ساعتها اني أعمل project زي international center for social studies.. ويبقى الـ topic بتاع نشاطه متوجه للتربيه.. وجت سفريه مع group صحابي لـ Moldive islands.. 10 ايام بالظبط.. وهناك قابلته.. هو عايش هناك.. عنده محل بيأجر عجل.. وعايش في hut عـ البحر على طول.. عنده كلب شكله شبه الكلاب البلدي بتاعتنا هنا.. بس very smart.. هو بأه مكانش بياكل غير sea food وخضار.. وهو اللي بيصطاد أكله بنفسه.. عنده قارب صغير بمجاديف.. وبينزل كل يوم الساعه 5 الصبح يصطاد أكل اليوم ويرجع الساعه 7.. يفطر في التراس.. ويروح محل العَجَل الساعه 8.. اللي خلاني آخد بالي منه تاني يوم كانت ريحة الأكل وهو بيعمله.. أصل ابن اللذينه زي ميكون معندوش بوتاجاز في الـ hut.. بيعمل كل حاجه عـ الشوايه حتى لو بيقلي أو بيطبخ عادي.. وانا الـ hut بتاعي كان قريب منه موت.. وراجعه في الـ sunset مـ البحر هموت مـ الجوع.. يا إما استنى لحد ما صحابي يتجمعوا عشان نعمل الأكل.. أو اتنيل على عيني وانا ميته تعب واخرج مـ الـ camp عشان ادور على حته آكل فيها.. وانا خارجه مـ الميه كان دخان اللي الأكل اللي بيعمله عـ الشوايه واصل للشط وبيستقبلني وانا طالعه وبقالي 4 ساعات باعمل snorkeling وبفرفر.. وهو زي ما يكون حس باللي انا فيه.. يدوب هفتح بابي وادخل لاقيته بيناديني..
ـ عرف إسمك منين؟ (بدى مرتابا)
ـ لأ ناداني كده يعني haaay مش بإسمي.. وعزم عليا اتعشى معاه.. أصله خواجه.. معاد الغدا عندنا بالنسبه له عشا.. وانا عزمت عليه نفتح قزازة wine كنت جايباها امبارح وانا في الـ shoping.. أول حاجه لما وصلنا يعني.. وأكلنا مع بعض.. وشربنا.. واتكلمنا وشربنا تاني.. وسمعنا مزيكا وشربنا واتكلمنا.. (شردت للمرة الأولى).. اتكلمنا كتير.. لحد ما الشمس طلعت علينا كنا بنتكلم.. أيا كان اللي بنعمله.. بس كنا عمالين نتكلم.. واحد كان عنده فلوس مينفعش اعدها.. استثمارات في شركات multinational.. huge investment around the world.. حاجه هبل يعني.. وقرر في لحظه انه يتخلص من كل ده لصالح المؤسسات الإنسانيه في العالم كله وخصوصا أفريقيا.. طبعا بعد ما ساب لمراته وولاده اللي يكفيهم ويكفي أحفاد أحفادهم.. واحتفظ لنفسه بالمبلغ اللي يخليه يرتب حياته هناك بالشكل ده.. يفتح محل تأجير عجل ويشتري الـ hut والقارب..
ـ مختل يعني.. (قذفها بثقة)
ـ لأ بنيآدم.. (أجابت حاسمة).. ببساطه هو طول عمره كان بيحب العجل.. حتى في المستوطنه اللي كان عايش فيها.. هو كان مسميها فيلا.. بس حسب الصور اللي وراهالي.. مكانش ينفع يبقى إسمها أي حاجه غير مستوطنه.. عائلات عايشه وبتكبر جواها عشان تخدمها.. sorry كنت بتكلم في إيه!
ـ العَجل..
ـ آه.. حتى في المستوطنه دي كان عامل لنفسه ورشة عجل.. كان غاوي يعمله ويغير في موديلاته.. في مره خد باله انه طول عمره بيحب يتفرج عـالـ bikers.. خصوصا لما يصادفهم في طريق سفر.. وكبرت في دماغه يجرب الفكره.. بلغ مدير مكتبه يأجل كل ارتباطاته لمدة شهر.. حط شنطته على ظهره وخد عجله من بتوعه.. ومسك الطريق من Napoli لـ Reggio di Calabria.. you talk about 490 كيلو.. كان أول مره يشوف الدنيا وهو جواها مش من ورا شباك العربيه.. واللي شافه خلاه ياخد القرار ده.. هو فعلا مش عايز من كل اللي هو فيه غير hut على البحر ومحل عجل وقارب بمجاديف.. كل الصراعات اللي هو عايشها مش حقيقيه.. مراته اللي هو متجوزها مش عايز يعيش معاها.. بس مش فارقه معاه أصلا.. فعمل في ثروته اللي قلتلك عليه واختار يعيش كده…..
ثم شردت مع بشارة ابتسامة لذكرى جميلة.
ـ حبيته.. والعشر ايام كانوا بيخلصوا بسرعه أوي.. عرض عليا اأخر السفر ولقيت نفسي بنفذ من غير ما افكر.. عشت معاه 3 شهور.. واكتشفت معاه ان 90% مـ الحاجات اللي احنا بنبقى فاكرين انها أساسيه فـ حياتنا هي في الحقيقه مالهاش لازمه.. ولو اتحرمنا منها لأي سبب مش هناخد كتير عشان نتعود عـ الحياه من غيرها.. inclouded الطريقه اللي بنتعامل بيها مع شكلنا.. هدومنا.. حتى ملامحنا.. في الحقيقه اننا كبينآدمين فعلا.. ممكن نحس ان حياتنا سعيده وكامله لو عشناها بطريقه تخلينا منحسش اننا مضطرين نحارب عشان نحافظ عليها.. سواء بالتنازل أو المكسب.. انك تعيش في ظروف مش بتفرض عليك طلبات كتير تخليك حاسس انك عايش وهي أساسا طلبات ملهاش دعوه بيك ولا بحياتك الحقيقيه.. بالعكس.. مجرد حياتك بالشكل اللي هو كان عايش بيه هيبقى كفايه.. مكان جميل على قدك وانت بتكسب اللي يكفيك عشان تستمتع بنفسك وبتفاصيل حياتك البسيطه.. ولما تحب تاكل متبقاش مضطر تدفع تمن الأكل اللي بتحبه من جيبك.. بس مستعد تدفع قد تمنه 100 مره من وقتك ومجهودك عشان تزرعه.. أو تصحاله مـ الفجر عشان تصطاده وتاكله زي ما البحر يحب يديهولك يوم بيوم..
ـ أنا مش شايف أي مبرر يخلي العلاقه دي تخلص..
ـ لأ في..
ـ إيه؟
ـ كان gay..
ـ وانتي قعدتي معاه 3 شهور بحالهم عشان تعرفي؟! (كان ما قالت غير مستساغا)
ـ لأ هو اللي خبى عليا لما عرف اني مصريه.. هو ok مع البنات معندوش مشكله.. بس هو كان gay وعنده boyfriend كمان.. كان متوقع ان حبنا لبعض هيخليني اقبل الفكره ونعيش مع بعض احنا الـ 3 في سلام.. as he said يعني..
غشتها غيمة همٍّ رسمت على شفتيها ابتسامة حسرة مرة.
ـ حاجه مقرفه الصراحه..
ـ ده موقفك انت.. الموضوع بالنسبه لي كان ملخبط اكتر من كده بكتير..
ـ يعني انتي كنتي تمام مع الوضع المقرف ده!
ـ كان بالنسبه لي مُربك مش مقرف.. أنا رافضه ان حد تاني يشاركني فيه.. وفـ نفس الوقت هو مش مقتنع ان في سبب للغيره.. عشان ببساطه هو مصاحب راجل مش ست.. وعشان يطمني.. حاول يقنعني ان صاحبه عارف كل حاجه بتحصل بيننا ومرحب بيها من أول يوم.. كان بيبعتله mails ويحكيله كل حاجه أول بـ اول..
ـ ده عك جامد على فكره.. (بدى شديد الاشمئزاز)
ـ أنا حسيتها كده برضه.. بس مش في الوضع نفسه.. أنا حسيت ان العك ده حاصل في دماغي.. بقيت مش عارفه انا زعلانه عشان طلع gay.. ولا عشان في حد تاني هيبقى معانا فـ نفس الدايره اللي مينفعش يبقى فيها غير اتنين بس..
ـ لكن في الحالتين كنتي زعلانه..
ـ آه.. في الحالتين مكنتش هقدر اتعايش.. وقررت امشي.. نهينا العلاقه بنفس البساطه اللي بدأنا بيها.. فعلا محدش فينا احنا الاتنين كان عايز يسيب عند التاني أي ذكرى وحشه للفتره اللي عشناها مع بعض واحنا بنحب.. بس سبنا أثر.. عشان ابقى Accurate.. هو ساب أثر.. أثر كبير..
ـ فـ إيه بالظبط؟
ـ كل حاجه.. الـ POV للحياه كلها.. يعني مثلا اللبس.. أنا كنت stand by طول الوقت حتى وانا في البيت..
ـ مش فاهم يعني ايه كنتي stand by..
ـ كل وقت وليه الـ make up بتاعه.. وبيتعمل صح أوي.. nails عشره على عشره.. اللبس لازم wow و brands مش قليله حتى لو لبس بيت.. زي ما اكون جاهزه اتصور 24/7.. أنا كده من وانا صغيره.. that’s me.. لما رجعت من هناك لقيتني مش طايقه ادي الحاجات دي من دماغي أكتر من 10%.. أعيش مرتاحه واحط التركيز ده فـ حاجه تانيه.. والـ 10% دول يادوب قد التركيز في الحكايه لو في سهره ولا اجتماع رسمي لأي سبب.. ودي حاجات بتحصل مره أو مرتين بالكتير في الأسبوع.. بس مش قادره ابطل ابقى care بنفسي.. الـ lotions والباديكير.. لكن ارتحت كتير ودماغي راقت كتييير.. ركزت في الـ master بتاعتي لحد ما خلصت.. بس لقيت نفسي اتسحلت في حكاية الـ baby setter دي.. مركزتش أوي فـ موضوع الـ social studies  زي ما كنت فاكره.. لقيتني هبقى مبسوطه أكتر وانا baby setter.. كل الحاجات بأه اتغيرت وراحت في الحته دي..
ـ بتاخدي فلوس كويسه؟
ـ 2000 دولار..
ـ مش وحش..
ـ بالنسبه لي fare جدا للي انا محتاجاه عشان اعيش مش ناقصني حاجه.. ولو في وقت فاضي يبقى بره المدينه.. بحر فـ أي حته من غير صداع وناس نشاز..
كانت في ماضيها تشبهه تماما في حاضره، فهو كما قالت “صارف ومكلف” أيا كان المكان أو الوقت أو طبيعة الوضع، كل تفصيلة من اكسسواراته ومتعلقاته تكللها علامة تجارية ذات شأن، حتى الملابس الداخلية والشرابات، لكن الفارق في النشأة، فهو لم يكن من أسرة تستطيع تحمل أعباء الجامعة الأمريكية، هو خريج كلية التجارة بجامعة القاهرة، تخصص في المراجعة وكان موهوبا وشديد الذكاء، مما أهله في مراحل متصاعدة بتسارع استثنائي ليكون الآن مدير المراجعة الداخلية لمجموعة استثمارية عملاقة، بدخل شهري لا يقل عن الـ 120 ألف جنيه، بخلاف بدالات المهمات التي ينجزها لشركات المجموعة المنتشرة في الشرق الأوسط وأوروبا وشرق آسيا.
شرد أكرم في تلك البوهيمية كأنما يرى من خلالها ما يتمناه لنفسه، كم هو صعب أن يتخلى المرأ عن كل تلك المكملات، كيف يشعر المرأ بنجاحه دون أن يرى تأثيره على كل تفصيلة تخصه وتحيط به.. من الملابس الداخلية حتى ماركة السيارة وطرازها؟! ما المانع في أن يكون قضاء تلك العطلات التي تتحدث عنها في تايلاند أو بيروت أو قبرص على أقل تقدير؟ كيف يكتفي المرأ بما تقوله سيلين ومن الممكن أن ينال الأفضل؟
داهمهما زئير محرك الهارلي فالتفتى متزامنان نحوه، كان المزعوم المنتظر في تلك اللمحة يرتدي خوذته بعفوية دون أن يعبأ بالالتفات لبانوراما واجهة المقهى التي تكشفهما له بجلاء، كانت حالة لا مبالاته مربكة لأكرم، إلا أنها بدت هزلية لسيلين وهي تراقبه دون أن ينتبه، كان متربصا بإمعان.
بنفس عفويته، تحرك الحبيب المزعوم بالهارلي مغادرا في سلام فاق كل التوقعات، لم يلق نحوهما طرفة عين، وهكذا انتهى كل القلق والترقب، وبقيا متواجهان على الطاولة لا يهدد صفو حكاياتهم أحد.
ـ هو مشافناش!
ـ واضح كده..
ـ أنا آسفه..
ـ على إيه؟
ـ عشان ضيعتلك وقتك عـ الفاضي..
ـ بس دي أحسن حاجه حصلت انهارده..
ـ sorry!
ـ أنا كنت متضايق انك بتستخدميني.. تعاطفت معاكي واضطريت اقبل.. بس كنت متضايق.. أكيد انا كده مبسوط..
ابتسمت وزالت غيمة الحرج عن الملامح.
ـ انت gentel man.. بس انا متضايقه عشان عطلتك عن شغلك وضيعتلك وقتك فـ issue انت مليكش علاقه بيه.. ومن غير داعي كمان..
ـ أدينا اتعرفنا على بعض.. واتكلمنا فـ حاجات فرقت معانا.. وشربنا قهوه.. وانا شربت سيجاره.. دي لوحدها حاجه بقالي سنين معملتهاش.. أنا مش متضايق للدرجه دي.. أنا ok..
ـ طيب انا مضطره أمشي..
بدت المفاجأة كأنها غير متوقعة له بعد تلك الانفراجة التي لم تستغرق دقائق.
ـ أنا استأذنت مـ الشغل لحد معاد طلوع الولاد مـ المدرسة.. المفروض اروح اجيبهم واكمل اليوم.. (ثم التقطت تليفونها من على الـ power bank).. عايزه اتصور معاك.. الـ memory دي عايزالها صوره تفتكرها..
على الرحب والسعة، والتقطت الصورة، حملت ما لها عن الطاولة وألقته في مخلتها، صافحته، وانصرفت.
تذكر أمرا واندفع يلحق بها حين خرجت مستوقفا وهي تشير لتاكسي فيستجيب سائقه.
ـ عايزك تبعتيلي الصوره..
ـ هات تليفونك..
اتصلت بنفسها من تليفونه وأعادته قافزة في التاكسي الذي شق بها الطريق مبتعدا، وقبل أن يصل أكرم لطاولته، أتاه رنين وصول رسالة على “واتس اب”، كانت منها بالصورة.
أشار لعامل الشيشة ليستبدل الحجر.
لم يستعد تركيزه لاستئناف العمل مجددا، لكنه لم يبرح المكان، كأنه قرر أن ينتهي اليوم على هذا الحدث دون منغصات تفسده، تناول غداءه، وتفاعل مع منشورات وتعليقات الفيسبوك حتى مر النهار وهبط الليل دون أن ينتبه.
استعاد الرغبة في مشاهدة الصورة، ثم واتته فكرة ففتحها على برنامج معالجة للصور، أزال نفسه من تلك النسخة وجعلها لسيلين منفردة، ثم انهمك في ضبط ألوانها وحِدّتها وعمل نسخ منها بمؤثرات فنية مختلفة، استغرق حتى أنه لم ينتبه لقدومها في الخارج وملاصقتها للبانوراما تتابع أفاعيله الجميلة في صورتها.
انتهى يوم عملها ومرت في طريق عودتها على المقهى كعادة كل يوم، لكنها وجدت ما لم تتوقع، لم تصادفه ليلا في هذا المكان من قبل، استوقفت سائق الأوبر وترجلت، حاسبته وانصرف، تأملته عبر البانوراما منهمكا مع تليفونه وهي تبحث في بالها عن مبرر لنزولها على هذا النحو، لكنها لم تكن مستاءة مما فعلت، أرادت أن تداهمه بمفاجأة فاختارت أن تأتيه متلصصة من الخارج عبر الزجاج على هذا النحو، لكنه كان غارقا مع ملامحها في الصورة وتلك اللمسات التي يضيفها بالمؤثرات كأنما يعيد اكتشافها مع كل لمسة، ولم تجد سيلين بدا من المواجهة للفت انتباهه.
لم ينتبه لقدومها إلا مع صوت الكرسي المجاور له يتحرك بينما تلقي بمخلتها على حقيبته الجوتشي مجددا وهي تجلس مخرجة منها ما يلزم.
كان الهارلي يستقر مكانه على الرصيف خارج المقهى منذ بضع ساعات، حين عاد في الرابعة، كانت الفرصة النفسية لأكرم أكثر استقرارا وقدرة على تأمله عن كثب، أو بالأحرى… فحصه.
رجل ثلاثيني ناضج، غير رياضي بالمعنى المبالغ في عضلاته، لكنه متناسق البنيان، لا يعتبر وسيما، إلا أن لملامحه خصوصية تبدوا جذابة لبعض النساء كسيلين، يرتدي جينز بماركة محترمة، حذاء سفاري بماركة محترمة، تيشيرت سادة أنيق، ساعة رياضية وبعض الإكسسوارات المحسوبة في الرقبة والمعصم.
ـ أنا كنت ناويه اعدي عليك الصبح وانا رايحه الشغل عشان اقولك عـ الحقيقه.. بس لما لقيتك دلوقتي استغربت.. لكن قلت أحسن.. انهارده احسن من بكره..
ـ مش فاهم..
ـ أنا مش مصاحبه صاحب الموتوسيكل ده ولا حاجه..
ـ أمال اللي حصل مـ الصبح ده كان إيه؟!
ـ أنا كنت بشوفك الصبح وانا رايحه الشغل زي ما قلتلك.. وحسيت اني عايزه اتكلم معاك.. وانا مـ المعادي.. أعرف ناس كتير من اصحاب المحلات اللي جوه.. (مشيرة للمول).. زبونه وكده.. صاحب الموتوسيكل ده عنده كافيه في المول.. أعرفه.. وبحكم اني زبونه قديمه.. عارفه ان عنده كافيه تاني فـ شارع تسعه بيروح يبص عليه في الوقت ده.. فعملت الحكايه دي كلها عشان اقعد معاك من غير ما يبقى شكلي وحش.. بس..
نهاية

حازم متولي

نرشح لك: تفاصيل أول مسلسل مصري مقتبس من رواية لـ أحمد خالد توفيق

شاهد: يوم #مش_عادي في ضيافة الإعلامية سالي عبد السلام