مينا فريد يكتب: بخصوص تلك الأغنية التي استخدمتها لطرد الأشباح

(1)

عندما كنت في السابعة من عمري – أي منذ ثلاثون عاماً- ، كنت اخشى الطلوع على السلم وحدي صامتاً ، كنت أحاول الغناء بصوت مرتفع أغنية واحدة فقط وبصورة مكررة لاطمئن نفسي .. "مينا .. لا يوجد أي شئ هناك".

بالطبع لن يخرج لي شبح من مكان خفي ولن أجد سارق ملثم في انتظاري، هي مجرد سلالم عادية لا تمثل أي خطورة وكل من في العمارة التي أسكن بها هم أهلي وعائلتي.. فلماذا أغني ولماذا هذه الأغنية تحديداً ؟ غالباً فعل الغناء كان بالنسية لي مجرد وسيلة إلهاء لمخي عن التفكيرو الخوف.

كان غنائي مزعجاً -وهو شئ ليس بيدي- ولكنه كان مثار سخرية دائمة من الجميع، حتى في التجمعات العائلية كنت دوماً مادة للتنمر، حتى جلس معي أبي في يوم عيد ميلادي السابع وأثبتلي بالمنطق وبطريقته المرحة التي أحبها أن الغناء لن يغيّر أي شئ.. حتى لوكان هناك شبح أو سارق فهوغالباً سيكون شريراً بما يكفي لإيذائي سواء كنت أغنّي أو صامت. كانت أغرب طريقة لإقناعي بألا أغني بدلاً من طمأنتي لعدم وجود خطورة أصلاً.

(2)

كنت أرتب مشاعري المتوترة في طريقي للمنزل وأذكّر نفسي بأن السلم هو مكان عادي لا وجود لأي خطورة به، وقررت في يوم ما بعد محاولات عدة ألا أغني هذه الأغنية المملة. جرّبت الطلوع ببساطة بدون خوف وبدون أن أجري مسرعاً كعادتي فوجدت أنه لا شئ، حسناً.. كنت واهماً لسبب ما لا أعرفه.

كان شباك غرفتي واسعاً بما يكفي لأرى القمر، لا أذكر لو كان مكتملاً ليلتها أم لا ولكني أذكر نوره المتسرب من الأشجار المحيطة بالمنزل وتأملي له قبل النوم.

هل كان نور القمر أم نور الكشاف الأبيض العملاق على سور الفيلا المجاورة؟ لا أعلم ولكني لا زلت أذكر النور.

في هذه الليلة أحسست بأني أشجع إنسان في الكون، وتمنيت لو قابلت شبحاً حقيقياً لأريه شجاعتي، كان إحساسي بالفخر غريب، حتى نومي في هذه الليلة الصيفية الحارة كان هادئا.

وضعت ظهري باتجاه الحائط -هذه مشكلة أخرى- لا أحب أن يكون خلف ظهري فراغ، فنمت على جانبي الأيمن .اعتدتها ولازلت محتفظ بهذه الوضعية للنوم حتى بدون حائط في احدى جانبي سريري.

عندما استيقظت، تمنيت لو استطعت أن أحكي لكل من أعرفه أني لا أخاف الطلوع على السلم بدون غناء و لكني وجدته سيكون أمراً سخيفاً.

هذه ليست المشكلة ، لقد اكتشفت أني أحب الغناء على السلم.. لكني قررت تغيير الأغنية!

(3)

في مراهقتي لم يقتنع أحد بفكرة أن الغناء على السلم أحياناً – حتى بعد نهاية خوفي بسنوات - كان بسبب حبي لطبقة صوتي في السلم و خصوصاً مابين الدورين.. الأول والثاني، كانت هناك مشربية تسبب تغيير الصوت بشكل ما خفي ، لدرجة اقتناعي لأوقات باستطاعتي مع بعض التدريبات أن أكون مطرباً محترفاً.

فكرة بلهاء، دفنتها مع سماعي لتسجيلي لصوتي على "ووكمان" في نفس مكان المشربية الملهمة وحمدت الله على سماعي له وحدي، لقد كنت محقاً سابقاً، هذا الصوت يصلح بالطبع لطرد الأشباح.

مع الوقت امتنعت عن الغناء بصوت مرتفع إلا مع من أحب.

ما أذكره، أنه بعد ساعات من وفاة أبي - بعد خمسة عشر عاماً من تغلبي على خوف السلم – لم أبك قط، كنت متماسكاً بشكل غريب. كان يجب أن أنزل لشراء كارت شحن، اشتريته وعدت للمنزل وأنا أعرف أن الجميع في الأعلى في حالة انهيار، قبل أول درجة تصعدها قدمي احسست برغبة عارمة في غناء نفس الأغنية كما اعتدت سابقاً عند الشعور بالخوف.. و لكني لم أغن.

(4)

الحقيقةً ،أنا لم أتوقف عن الغناء أبداً. أحب الغناء والموسيقى بكل أنواعهما، أحب أن أبحث عما وراء الأغنية، أحب من يرسل لي أغانيه المفضلة وأحب إرسال الأغاني التي أحبها، من أحبه أرشح له قائمتي الموسيقية، في الواقع هي ليست قائمة واحدة أبداً، بل مجموعة من القوائم.

قائمتي الموسيقية الأولى هي الأغاني التي قررت في عقلي الباطن أن تكون هي اختياراتي لألبومي الخاص لو كنت مطرباً مشهوراً -رغم أنه ليس حلمي أبداً - هذا الألبوم الذي لم و لن يصدرأبداً ينتمي لي بشكل ما و يمثلني ، وهي قائمة دائمة التجديد – كما تعلم الموسيقى تتطور جداً- ، أما قائمتي الموسيقية الثانية هي الأغاني التي تمثل لي ذكرى لا تنسى ، فأتعامل معها كآلة زمن ترجعني لوقت سماع أغانيها لأول مرة، و أخيراً قائمتي الثالثة وتضم الأغاني التي أعجبت بعنصرما بها ووجدته جيداً جداً ولكن ليس لدرجة أن تكون اختياري لألبومي الخاص ، يوماً ما ربما أعيد توزيعها أو أغيّر مغنيها أو حتى أقوم بتغيير بعض الكلمات بما أحسه.

الجدير بالذكر، أن الأغنية التي طالما كنت أغنيها لتشجيعي لم ولن تدخل أبداً في إحدى هذه القوائم.

(5)

هل انت إنسان فضولي بما يكفي لسؤالي ماذا كنت أغني على السلم لطرد الأشباح ؟

لا يهم ؟

هذا رأيي أيضاً.

فريد

الأول من سبتمبر 2023