للإرهابي وجوه أخرى.. كيف قدم طارق لطفي مزيج الحب والتطرف في "القاهرة كابول"؟

رباب طلعت القاهرة كابول

الصداقة والحب والحلم، الماضي والحاضر والمستقبل، الحكايات والذكريات في رحاب السيدة زينب، في إحدى عماراتها الشاهدة على نشأة الأصدقاء الأربعة، والرابط الطاهر بينهم الذي دنسته الكراهية، وقطعه الغدر، قصة خيالية تروي واقع أليم، قصة “القاهرة كابول“، التي يرويها عبدالرحيم كمال، وحسام علي، مع نخبة من النجوم، أبرزهم طارق لطفي الذي برع في تقديم شخصية الإرهابي بشكل مختلف عما قدمته الدراما من قبل.

لمس “لطفي” من خلال “رمزي” أو “أبو منصور المصري” جوانب جديدة من شخصية الإرهابي الإنسانية والاجتماعية، بعيدًا عن فكره الإرهابي ومعتقداته ذات الطابع التكفيري المتشدد، والتي نحاول رصدها فيما يلي:

 

الإرهابي.. إنسان

من أكثر ما يتم تجاهله في تجسيد شخصية الإرهابي هو الجانب الإنساني بداخله، لتصوير أنه دون قلب ولا رحمة ولا مشاعر، تصويره بطريقة أقرب لـ”الشيطان”، وبالطبع فإن ذلك وإن صح على البعض ليس على الكل، فمهما زادت حدة التطرف لدى الإرهابي إلا أنه يحمل مشاعر إنسانية طبيعية، وهو ما ظهر في شخصية “رمزي”، في عدة مواقف، أبرزها موقف خوفه وهروبه بعد مشاهدته لجثة صديقه أحمد رزق “شريف” الذي قُتل غدرًا بأمر منه! فهرب خوفًا وهرب من إحساسه بالذنب، وكذلك ضحكاته الصادقة وهو يجالس أصدقائه القدامى على الرغم من تحول أحدهم لعدو له، إلا أن الماضي والذكريات بداخله أجبرته على خلع عباءة الخليفة لساعات قليلة قضاها معهم.

نرشح لك: بشأن “القاهرة كابول”.. رسالة نبيل الحلفاوي للجمهور

الخليفة في الحب والزواج في القاهرة كابول


على عكس المعتاد أيضًا قدم طارق لطفي علاقة الخليفة بزوجاته وأولاده بقدر كبير من الواقعية، دون اللجوء إلى “الأكلشيه” المعتاد بأنه شديد القسوة معهم وعنيف ضدهم، فقد جلس أمام “حفصة” التونسية يضحك على تحكماتها وقبوله بشرطها بألا يتزوج بعدها، وتفهمه لغيرتها، بل والبحث عن طريقة لإرضائها، وفي منزله الآخر وقف أمام “أم عبدالله” خائفًا من غضبها على قتله أخيها، فيحاول الحفاظ على اتزانه وهدوئه لاستمالتها على الرغم من قسوتها وكرهها له.

وكأب فـ”أبو منصور” أب حنون متفاهم، يجلس بود مع أبنائه، يشجع “منصور” على أفكاره التي تشبه والده، ويهدئ من غضب “عبدالله” الحزين على قتل خاله وحزن أمه، كما إنه كأي أب شجع ابنه على كتابة الشعر لكنه علمه كيف يحوله إلى شعر جهادي، وعندما قُتل احتضنه وصرخ بحزن شديد، ولم يأبه لكونه الخليفة أو لكونه مجاهد يجب أن يتسلم بقسوة القلب.


أما الحب، فقد كان أنقى ما يشعر به “رمزي” فعلى الرغم من تشدده إلا أن قلبه تعلق بابنة خاله -حنان مطاوع- وعلى الرغم من زواجه وإنجابه لم يستطع منع نفسه من التحدث إليها هاتفيًا بعدما ذكره أصدقائه بها وبحبهم القديم، كما لم يمنعه تشدده من كتابة شعر رومانسي لها وإهدائه لها.

الرحلة من شعر الحب لشرع الجماعة

 

على الرغم من قلة اهتمام العمل بالأحداث الدرامية في سبيل إبراز الجانب الحواري بين أبطاله، إلى أن المشاهد القليلة التي أشارت إلى أصل الشيخ “رمزي” الذي تحول إلى الخليفة الجهادي “أبو منصور المصري”، فقد كان شابًا خلوقًا متفوقًا مهندسًا وشاعرًا، لا يتلو الشعر الجهادي بالأساس بل كان شعره عن الحب مهدى إلى حبيبته الوحيدة.

بدأت قصة تحول “رمزي” منذ الطفولة بعدما أخبره “غريب” شيخه ومربيه على الفكر الجهادي بأن الذهاب لجنازة أم كلثوم “حرام”، ومن ثم إقناعه بأن مال والده حرام لأنه سائق لإحدى الصحف القومية التي تكسب دخلها من الإعلانات، والإعلانات حرام والفن حرام وكل ما يرتبط بهما حرام! وكبر ذلك الاعتقاد إلى أن كرره في المطار عندما شاهد فتاة صغيرة تستمع لأغنية لكوكب الشرق مع والديها، وتطور أكثر بأنه أخبر صديق طفولته المخرج بأن ما يقدمه من فن أيًا كان توجهه فهوي حرام لذا فقد تحول لعدو رسمي لجماعته ما أباح دمه، بل وتفاخره بقتله الذي لم يكن مخططًا له.

ذلك التحول تشعب أيضًا على كل شخصيته التي كانت بالأصل تميل للرقة وحب الفن -أم كلثوم- والشعر الذي يلقيه على حبيبته -حنان مطاوع- التي لم يستطع مقاومة الابتسامة له عندما نظر إليها بالخطأ بعد محاولات عدة منها لكسر تمسكه بغض النظر عنها لأنها أجنبية عنه.

وفي علاقته بأهله وبها، ظهر الاختلاف أو كتعبير أدق “عملية الغسيل” التي تعرض لها الطفل والشاب “رمزي” من قِبل “غريب” بأنه صار لا يرى إلى أن الجميع مذنبين وليسوا على ملة الإسلام، فوالدته ليست ملتزمة بالزي الشرعي ولا شقيقاته، ووالده يكسب مالًا حرامًا، وبالطبع حبيبته وابنة خالته كذلك، وكل من أصدقائه زنادقة، على الرغم من الإشارة إلى تدين “عم حسن” الذي يقدمه الفنان نبيل الحلفاوي الوسطي، والذي يلجأ إليه الجميع لتصحيح المعتقدات الخاطئة التي يكتسبونها من الخارج، وتدين زوجة صديقه الضابط عادل -خالد الصاوي التي تحفظ القرآن وتضع جهاز التسبيح في إصبعها، إلا أن جميعهم “كفار” كما أخبره “غريب”، وكما يحاول “أسامة” الذي يجسده خالد كمال بأن يخبر “علي” شقيق “عادل” الذي يجسده كريم سرور ليضمه إليهم، لولا أن “علي” يلجأ للحوار العقلاني والشيق مع “عم حسن”.

نرشح لك: طارق لطفي: شخصيتي في “القاهرة كابول” ليست حقيقية

 

الجهاد من أجل الله أم الخلافة؟

 

من أكثر الإشارات وضوحًا عن شخصية الخليفة “أبو منصور المصري” منذ كان طفلًا هو خلطه بين الله والسيف، وكإن الإسلام خاتم الأديان السماوية أنزله الله على عباده بالسيف، شرع القتل باسمه ولم يشرع الرحمة التي اختصها لنفسه وصفًا! ولكن السؤال الحقيقي الذي تجيب عنه الأحداث هو الحقيقة التي لا ينفيها “رمزي” عن نفسه وهو أنه يبحث عن الخلافة، بأن يكون خليفة على المسلمين وغيرهم يدفعون له الجزية! وبشتى الطرق حتى وإن كان على يقين بأنه يغضب الله، فشرعه ليس شرع الله بل شرع طموحه الدموي الأعمى، فقد قتل شقيق زوجته لأنه يرى أنه لا يستحق الخلافة، خوفًا من أن ينافسه عليها، ولكنه يخبر الجميع بأنه قتله تطبيقًا لشرع الله! لأنه خرج عن قرار مجلس شورى الخلافة، ويبيح الإتجار بالحشيش لكسب الأموال التي يمول بها جماعته، في الوقت الذي يهدد صديقه الإعلامي طارق كساب -فتحي عبدالوهاب- بالقتل إذا ما شرب أمامه سيجارة، ولكنه يأذن له بذلك لأنه يعمل معه لصالحه، ويصافح الأجانب الكفرة الفجرة في عقيدته ويعقد معهم اتفاقات لنيل الخلافة والتمويل اللازم لها، ويتوعدهم بالعذاب بعدها وسط جماعته ويبرر ذلك بأن الغاية تبرر الوسيلة، وكل شيء مباح من أجل الخلافة.. الخلافة فقط وليس الله كما يدعي.

تلك النقطة تحديدًا نجح عبدالرحيم كمال في رسمها من خلال الأحداث والحوارات التي جمعت بين “لطفي” وأصدقائه، خاصة طارق كساب، ومساعده الذي يقدم دوره الفنان سامح السيد، حيث لم يركز المؤلف على إظهار الخليفة بالشخصية التقليدية، الذي يبحث عن قطع الأعناق والأيدي من أجل تطبيق الحدود والعنف الشديد ضد كل من يدعي بأنه ضد الدين، بل نجح في إظهار الحقيقة بأن عنفه واستباحته للدم وكل ما حرمه الله من أجل مصلحته فقط، مع مزجه بالملامح الإنسانية الأخرى والتناقضات الكبيرة التي يحميها “رمزي” من خير وشر في آن واحد، خلق “كمال” شخصية إرهابية أقرب إلى الواقع من المعتاد طرحه.