"عين القط".. أسطورة من حكاوي الصعيد

أحمد أبو درويش

تتميز الرواية بتقديمها لحدوتة صغيرة تتناسب مع ما يطلق عليه في القرى بـ “حكاوي المصاطب”، حيث استطاع الكاتب أن يسجل وقائع شيقة وأحداث مثيرة في كم صغير جدا من الصفحات يغلب عليها الحس الفكاهي المرح، لكنها لا تخلوا أيضا من صخب بادٍ واقتتالات وتمييز عنصري ضد الأقليات.

رواية “عين القط”، هي رواية صادرة عن دار بتانة، للروائي حسن عبدالموجود. في حجمٍ صغيرٍ للغاية، لكن بها تكثيف كبير للأحداث، واستطاع الكاتب أن يفصح عن كثير مما عايشه في قريته مذ كان صبيًا. وسبق أن صدرت الرواية عن دار “ميريت” وحصلت على جائزة ساويرس عام 2005.

 


ترسم الرواية لوحةً جديدة للريف المصري الصعيدي في نهاية القرن الماضي. وتجري أحداثها عبر “عين قط” يستطيع عبر القفز على الأسوار خلال الليل، رؤية ما لا يمكن للناس أن تراه خلف حوائط البيوت. فبهذه الحبكة اللطيفة يكشف لنا الكاتب عن دواخل البيوت الريفية بمهارة شديدة.

ويتحدث عن التقاتل القبلي اللا منقطع مهما تغير الزمن وتطور الريف تطورًا ظاهريا لكن يبقى سفك الدماء بنوازع قبلية أمر مستمر. وتستعرض الرواية جوانب اجتماعية في الريف، من ممارسات للدجل، للعنف ضد الأطفال، للتقاتل القبلي. كما أن القط لا يتورع في كشف ممارسات جنسية كادت تفتك ببعض النسوة في القرية. كما كان شاهدًا على محاولات اضطهاد أحد البيوت المسيحية والتي نجحت بالفعل في طرد تلك العائلة.

“اسمي قط، أصغر توأمي بنصف دقيقة، حالات ولادة التوأم في قريتنا نادرة، الناس في قرى الصعيد يعتقدون أن الأصغر في التوأم تفارقه روحه ليلا وتحل بجسد قط” بهذه الجملة يدخلنا عبد الموجود معه في عالمه الأسطوري، دون تمهيد منذ أول سطر في الرواية، وتستمر الأحداث المتتابعة في كشف كل ما هو مستور داخل القرية في الظلام، عبر عين القط، الذي تصدّقه أمه، بل وتخبّئه في غرفةٍ منفصلة وتحكم إغلاقها حتى لا يوقظه إخوته فتكملة الأسطورة تقول بأن روح الطفل حين تحل في جسد القط لا بد وأن تعود للطفل كم كان نائما وإلا فتفارقه طيلة العمر. لكن الوحيد الذي لا يصدق تلك الأسطورة في البلدة كلها هو أبوه الذي يتعمد ضربه بقوة على قدميه ليمتنع عن الخروج ليلًا وهو ما يغضب الطفل لعدم اعتراف الأب بقدراته غير العادية.

تتداخل المشاهد التي يكتبها عبد الموجود بحس مرح بين الطفل الذي يحل في جسد القط والأم الخائفة على ابنها وأبوه الذي يضربه باستمرار في محاولة تهذيب أخلاقه وجده المنشغل بحماره المتمرد والذي يوقعه دائما في طريق العودة للمنزل وأهل القرية التي يفضح القط أسرارهم بالليل. مزيج من الحكي المتواصل بجمال الألفاظ الصعيدية في بساطة تعمدها عبدالموجود لتناسب حكايته الأسطورية.