عاشق محمد فوزي.. قصة من كتاب "سواق توكتوك" لـ مصطفى فتحي

في الحلقة الثالثة والأخيرة من هذه السلسلة ينشر “إعلام دوت كوم“، حصريا فصولا من كتاب “سواق توكتوك” للكاتب والصحفي مصطفى فتحي، رئيس تحرير موقع “كايرو 360″، والصادر عن دار حروف للنشر، وهو كتاب وثائقي يضم مجموعة من الحوارات التي أجراها الكاتب مع عدد من سائقي التوكتوك، مكتوبة بأسلوب أدبي، لتبرز هموم وأحلام أصحاب هذه المهنة وأغرب ما يتعرضون له من مواقف مع الركاب.

نرشح لك: “أنا لا أتحرش لكني أعاكس”.. قصة من كتاب “سواق توكتوك”

الحلقة الثالثة: عاشق محمد فوزي

 

يعشق سائق التوكتوك جلال (36 عامًا) المطرب المصري محمد فوزي (15 أغسطس 1918- 20 أكتوبر 1966)، ولايتوقف عن تشغيل أغانيه داخل مركبته القديمة التي كتب على جانبها الأيسر “الأسطورة”، وهو اسم مسلسل شهير قدمه الممثل محمد رمضان في شهر رمضان عام 2016.

“أنا أعتبر نفسي أسطورة، لقدرتي على السير في شوارع الجيزة القذرة والضيقة منذ بدأت العمل على نفس التوكتوك منذ 6 سنوات مضت”.

يقول جلال، إنه متزوج من عشرة سنوات، ولديه ولدان، وكان يعمل بائعًا في محل ملابس جاهزة شبابية في شارع تجاري شهير بوسط القاهرة، لكن الحياة تغيرت، حيث لم تعد الناس تشتري ملابس جديدة مثلما كانت تفعل في الماضي، فقرر صاحب المحل الاستغناء عنه، فاتخذ قرارًا حينذاك بعدم العمل عند أي شخص وشراء توكتوك ليكون سيد نفسه.

“أجمل ما يوفره لي التوكتوك هو الحرية في العمل، فأنا أعمل فقط حين أريد ذلك، ممكن أن أكون مخنوقًا أو متضايقًا فأركن التوكتوك أمام أي مقهى وأجلس عليها أتناول مشروبًا ثم أعود للتوكتوك بعد أن تتحسن حالتي، لكن أصعب ما يقدمه لي التوكتوك هو التعامل مع الكثير من الناس قليلة الذوق، التي تعاملني بعدم احترام ويمكن أن تهينني فقط لأنني أطالب بحقي”.

“في يوم ركب معي رجل وطلب مني توصيلة لمكان بعيد فاتفقت معه أن المشوار سيكون خصوصي فوافق على ذلك. وبعد أن وصلته إلى وجهته أراد أن يدفع مبلغًا قليلًا، فقلت له إننا اتفقنا أن المشوار مخصوص فأراد أن يبلطج، واستغل أنه في شارعه ووسط أصدقائه الذين تجمعوا وتحرشوا بي وطلبوا مني أن أخذ هذا المبلغ القليل، لكن صممت على أخذ حقي كاملًا ولم أمش يومها سوى بعد حصولي على حقي، الناس تظن أن البلطجة هي الحل، لكني أثق أنه لا يضيع حق وراءه مطالب”.

يحب جلال، المطرب محمد فوزي، منذ سنوات طويلة ويعتبر أنه مطرب وملحن عبقري، يتحدث عنه بكل حب ويقول: “بستمتع بصوته الجميل، وأحفظ كل أغانيه. أما أفلامه القديمة، فأعرفها كلها وأشاهدها مهما تم إعادتها”.

يشعر جلال أن فوزي يشبهه كثيرًا، يحب الحياة، وطيب ورومانسي وهادئ، “الناس مبتصدقش لما بتركب معايا التوكتوك وتسمع أغاني محمد فوزي، بيستغربوا ويقولون لي إنهم أول مرة يركبوا مع سائق توكتوك يحب الأغاني القديمة، فكرتهم عن سائقي التوكتوك أن جميعهم يستمعون لأغاني المهرجانات والأغاني المبتذلة فقط، لكن الحقيقة أن بيننا ناس كثيرة تكره أصلًا تلك الأغاني وتقبل على الأغاني الراقية أكثر”.

نرشح لك: من مدمن للجنس إلى إنسان جديد.. قصة من كتاب “سواق توكتوك”

فيما يحلم أن يعلم ولديه تعليمًا جيدًا، حتى يصبحان موظفين محترمين في مكان كبير بحسب قوله، ويتمنى أن يرى أحدهم طبيبًا والآخر محاسبًا في بنك، بالنسبة له الكابوس الحقيقي أن يصبحان مثله سائقي توكتوك، “لا أريدهما أن يشاهدا ما أراه يوميًا من صعوبات في الشوارع وخناقات مع الزبائن، أريدهما أن يرتاحا ويتعاملا مع ناس محترمة”.

أكثر ما يؤلم جلال هو أن يصاب بمرض ويضطر للجلوس في البيت من دون عمل، وقتها سيعاني من مشاكل مادية، وسيحزن لأن التوكتوك مركون في الجراج، “كثيرًا ما أنزل لعملي حتى وأنا تعبان، جلسة البيت تؤلمني أكثر من التعب، وأدعو الله دائمًا يبعد عني المرض، لأن مرضي يعني مشاكل كبيرة لزوجتي وولدي، كل ما أريده في هذه الحياة أن أكون شخصًا منتجًا لا يحتاج أبدًا لمساعدة من أي شخص”.

أكثر أغنية يحبها لمحمد فوزي هي أغنية “الزهور زي الستات” ويقول إنها صادقة جدا، وفعلًا كل امرأة مختلفة عن الأخرى.

يحب جلال النساء الجميلات ويقول إنه يستمتع بالنظر إلى وجوههن، لكنه لا يتحرش أبدًا بهن كما أقسم لي، “إذا أرادت السيدة أن تتحدث معي فلا أمانع، لكني أبدًا لا أفرض نفسي على النساء اللاتي ركبن معي التوكتوك، أنا أحترم عملي”.

لكن كيف ينظر جلال للنساء الجميلات بينما هن في المقعد الخلفي وهو يقود التوكتوك؟ يضحك خالد ويقول لي: البركة في المرآة يا أستاذ، أمال حضرتك فاكر التوكتوك مليان مرايات ليه؟” حين أخبره أن هذا في حد ذاته تحرش يقول لي: “الله جميل ويحب الجمال”.

تركت جلال لكني حين عدت للبيت وجدت نفسي أشغل جهاز الحاسوب. ومن خلال موقع يوتيوب، أستمع لأغاني محمد فوزي، فأنا أيضًا مثل خالد.. أعشق هذا المطرب وأعتبره من أجمل الأصوات المصرية.. وفي كل مرة أسمع صوت محمد فوزي أتذكر جلال وقصته.