"الدائرة السوداء".. دائرة مصر المفرغة

هالة منير بدير

“هل تستطيع الرواية المزعومة أن تُفَسِّر لي لماذا أنا خائف من أمن الدولة كل هذا الخوف؟!”..

هكذا تساءل الأستاذ مالك الجندي بطل رواية “الدائرة السوداء” أستاذ الأدب العربي الذي يحاول بكل جهد يمتلكه إتمام دراسة يثبت فيها انقطاع نسب المصريين، بينما يحاول زميل له إقناعه بتجنب المشاكل وتحويل نظريته تلك إلى مجرد رواية، ويتداخل جهده هذا -وهو الرجل المتزوج- مع حالة من العشق الممنوع لفتاة من حركة “كفاية”، ويتقاطع كل هذا مع بطش ضابط أمن دولة نرجسي في أوقات ما قبل ثورة 25 يناير.

تدور رواية “الدائرة السوداء” حول أستاذ جامعي مرموق تائه بين حياة زوجية بائسة له منها ثلاثة أولاد، وبين علاقة حب مع فتاة يتبادل معها رسائل الغرام، في عمر أولاده، والأدهى أنها معارضة للحكم وقد تقع في شباك أمن الدولة في أي لحظة، مما سبب له حالة من الفزع والرعب لما يعلمه عن التهديد بالتنكيل ضد أساتذة الجامعات، لمن يجرؤ منهم على دعم حركات المعارضة..

يُمتعنا الكاتب حمدي عبد الرحيم في روايته الصادرة عن دار الكرمة للنشر بنسيج روائي مترابط متشعب الأدوار، وفي نفس الوقت، كل فصل من فصول الرواية قائم بذاته وكأنه قصة قصيرة تتذوق بدايتها وتهضم نهايتها:-

– سرد الكاتب يجعلك وكأنك تجلس إلى جوار البطل، تُحَدِّق فيه وتنتظر ردوده وانفعاله وتهوره ونواياه المستقبلية، كأنك في موقع تصوير أو عرض لعمل درامي..

– استعراضه لشخصيات الرواية الأساسية والثانوية استعراض مركَّز ولكن بأسلوب لطيف وسريع لماضي كل منهم بالإضافة إلى أبرز أو أهم منحنيات حياته..

– يهتم بالتركيز على الصفات الأساسية لكل بطل بوصف مفصِّلٍ بَيِّن، بداية بملامح الشخصية حتى طريقة اختيار الملابس..

– ماهر في الانتقال بالحوار من الواقع إلى الحوار مع النفس وكأنه عرض تمثيلي، يدفعك لترسم شكل الشخصية في مخيلتك من مجرد وصف رائحة أو نظرة عين..

– أسلوب أدبي سلس ويسير لوصف أدق حركات وسكنات الشخصيات، حتى تتداخل وتتقاطع حيوات الأبطال في سرد تشويقي مفصَّل أو مختزل يغزل بإتقان خيوط الحكاية..

– معاني الحب عرضها في قالبٍ سامٍ بعيد عن شهوة الجسد، ولكن الحديث عن العلاقات الحميمية والغرائز الجنسية جاء بشكل قد يثير حفيظة بعض المحافظين..

– أخذت رسائل الحب التي تبعث بها المعشوقة لعشيقها تركيبةً مختلفةً بعيداً عن الافتتان واللوع والشوق، وإنما حوت قص الإبنة لمدى افتتانها بأبيها وحكايته مع الحياة!

– الانتقال في بيئات مصرية مختلفة كثيرة منها: بحري إسكندرية، منيل القاهرة، حتى وصل إلى باسوس في الريف..

– يتنقَّل القارئ بين مشاعر إنسانية مختلفة: الهيام، الحيرة، الغيرة، الشك، اليأس، الهجر، الجفاء، الذنب، الفخر، الخجل، الفرح، وبالطبع أوهام الثورة والمعارضة والمقاومة واحتقان ما قبل ثورة يناير..

– غلاف الرواية يحمل خاتمي خطبة صنعا من غلاف شوكولاتة أحدهما مزخرف تلبسه الأنثى، والآخر مجرد “دبلة” ملساء للرجل..

– استعار الكاتب اسم روايته من قصيدة “الموت في الفراش” لأمل دنقل وهي :

ضاقت الدائرة السوداء حول الرقبة
صدرنا يلمسه السيف
وفي الظهر الجدار

الرواية: الدائرة السوداء
الكاتب: حمدي عبد الرحيم
دار النشر: الكرمة للنشر
تصميم الغلاف: كريم آدم