فيصل شمس يكتب: فاتن أمل حربي.. سقوط أم صعود إبراهيم عيسى؟

فاتن أمل حربي
المنطقة الرمادية هي المنطقة الأكثر هجوما من الناس في زماننا، فهي تمثل للكثيرين اهتزازا للقيم الثابتة وعدم الالتزام بالمبادئ وغموض النوايا، لذلك فالناس في بلدنا يقفون دائما في إحدى الاتجاهين فإما الأبيض أو الأسود، في محاولة صارمة لتحقيق النزاهة.

والواقع أن المنطقة الرمادية هي الأولى بالاتباع، فالإصرار والصلابة والتمترس والتعميم والمواقف التي لا تتغير مهما حدث، هي في الواقع الصفات المتطرفة التي تعكس جمود فكري وتؤدي إلى فقدان التفاهم وربما فقدان العيش المشترك.

في مسلسل “فاتن أمل حربي” يظهر هذا الجمود واضحا فالكاتب لجأ إلى طرح القضية بمنطق الصدمة والصعق الكهربائي، وذلك قد يعني بالنسبة له أن الفقه على خطأ والقضاء على خطأ والشيوخ جهلاء والرجال ذكور متوحشة والنساء كلهن مسالمات، بينما المنطق يقول إن النسبية هي أصل الحياة، كما أن المجتمع قد يحتاج طريقة أكثر هدؤا وسلاسة لتوضيح الفكرة التي قد تضيع ملامحها في ظل المفاجآت المتلاحقة داخل العمل الدرامي.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: مسلسلات رمضان ومستقبل القوة الناعمة المصرية

في جهة أخرى من منتقدي المسلسل تتصاعد تعليقات التكفير وتحريف الدين وتنزيه الشيوخ عن كل خطأ واتهام صانعو المسلسل بالجنون، دون النظر للأفكار الجديدة التي يناقشها والإمكانيات المتاحة لتطوير بعض القوانين لصالح المجتمع.

المنطقة الرمادية والموقف الوسطي يعنيان مناقشة الأمور من حيث الإيجابية والسلبية، فالمسلسل قد يكون صادما وعنيفا لكن لديه نقاطا تستحق المناقشة.

المسلسل وصانعوه بما فيهم الكاتب “إبراهيم عيسى” ربما جانبهم التوفيق أحيانا، لكن نيتهم سليمة ويرغبون في النظر بعمق لمشاكل المرأة المطلقة التي تمثل مأساة اجتماعية صعبة تكتوي بها مئات الآلاف من النساء، وتشهد المحاكم حالات مستمرة من الشد والجذب والمآسي والتعذيب النفسي من أجل الحصول على بعض الحقوق.

لا ننسى أن المسلسل يحاول تحطيم فكرة أن كل من لبس العمامة ليس بالضرورة ملاك، وغير قابل للخطأ، لأن ذلك يحيطه بهالة من القدسية الخادعة وهذا بحد ذاته يتجاهل أن الشيخ إنسان يحب ويكره ويقوم بالصواب ويخطئ.

شخصية الزوج التي أداها “شريف سلامة” هي شخصية واقعية تماما، فهو إنسان متصلب بسبب ضعفه، وتربى على منطق سائد في المجتمع، لم يضعه بنفسه ولذلك فهو لا يعرف غيره، ومجرد طرح فكرة مغايرة يصيبه بالحنق، وقد صورها الكاتب بشكل بارع فلم يظلمه ولم يعتبره وحشا شريرا بلا سبب.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: عمرو دياب يستحق 15 مليون وأكثر

ربما الزوجة هي الشخصية غير الواضحة، فقد حاولت “نيللي كريم” الهروب من الكآبة التي لازمت أدوارها لفترة فأضفت جوا من المرح غير المطلوب على شخصية تغرق وسط مشاكل اجتماعية ونفسية خانقة، لدرجة أن شعورنا بالتعاطف تجاهها قد يختفي أو يقل.

اعتدنا من “إبراهيم عيسى” أن يصدمنا لكن لدرجة استعلائية أحيانا، وهو ما يدفع العديد من الجمهور ليس لانتقاده فقط، بل لعدم سماعه أو مشاهدته من الأصل، وهو بذلك يخسر الجمهور الذي يستهدفه، ويقدم حالة من حالات المواجهة الدراماتيكية مع الواقع التي قد لا تفيد الكثيرين.

في النهاية الذي نشاهده هو عمل درامي يحاول التركيز على حالات إنسانية معينة، في إطار قضية اجتماعية مهملة، فقد المجتمع المشغول بمشاكله وتحدياته الاهتمام بها، ورغم احتمالية الأخطاء أو المبالغة في المسلسل فهذا لا يجب أن يمنعنا من فتح هذا الملف والنظر فيه بعمق والبحث عن حلول عملية تخفف من معاناة النساء الذين يقفون وحدهم لأخذ حقوقهم.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: “المكسيكي” أفضل شخصيات رمضان الدرامية بلا منافس