الدرويشة.. عن الحلم والألم والحكايات التي لا تنتهي

طاهر عبد الرحمن

في مجموعتها القصصية الجديدة، “الدرويشة”، والصادرة عن دار بتانة، القاهرة 2020، تأخذنا الكاتبة صفاء النجار، عبر متتالية منفصلة ومتصلة من الحكايات والمواقف والتأملات الذاتية، وتعيد النظر فيها، بما يمكن وصفه بأنها محاولة لاستكمال ما بقي منها أو ظل عالقا في الذاكرة دون نهاية، مع أننا كنا نظن أن النهاية باتت معروفة، مع أن الفرضية البديهية تقول بأن لكل نهاية بداية من نوع ما.

ففي أولى قصص المجموعة التي جاءت بعنوان “يوميات السندريلا في القصر” تحاول أن تتخيل بقية القصة الأسطورية الأشهر، ماذا بعد أن اختار الأمير تلك الفتاة اليتيمة المنبوذة ليتزوجها؟ القصة – كما هو معروف – تنتهي عند تلك اللحظة ولم يحاول أحد تخيل ما حدث بعدها.

“سندريلا” في النهاية بشر، اختزالها فقط في كونها فتاة جميلة أُعجب بها الأمير ينتقص من قدرها، صحيح أنها ظُلمت كثيرا بعد زواج أبيها من سيدة أرهقتها كثيرا ونبذتها طول الوقت، إلا أن ذلك جانب واحد من الحقيقة. هي فتاة طيبة جدا لم تكره أحدا، بل كانت تشفق على أختيها، وكانت تخدمهما بحب وإخلاص، وهو ما جعلها تتعاطف مع “الفقراء”، بالمعنى الواسع للفقر، فقر الإمكانيات والحاجة والروح، وترفض البذخ المبالغ فيه الزائد، وتبحث دائما عن العدل، ومن هنا فإن حكايتها لم تنته بمجرد اختيار الأمير لها ووقوعه في غرامها بل تبدأ، وتبدأ معها مأساتها “الحقيقية”، فهذه الفتاة البسيطة الجميلة لم تُخلق لحياة القصور أبدا.

وفي الجزء الثاني من المجموعة تنقلنا الكاتبة لعالم آخر، وإن لم يكن مختلفا إذا أعدنا القراءة بتمهل، هو عالم الأحلام والألم، أحلام تدور في إطار شخصي أو ذاتي بحت، عن العلاقات داخل الأسرة، الجدة والأم والأب والزوج والأخت والأبناء، عالم متداخل ومتشابك، بسيط ومعقد، واضح وغامض.

الأحلام تقول كل شيء، وفي نفس الوقت لا تقول شيئا، نستطيع تفسيرها بما يناسب هوانا ويتفق مع نظرتنا لأنفسنا ومن حولنا، كل موقف له جانب مخفي، وكل علاقة فيها الكثير مما نجهله، والحلم يبرز جانبا أو جوانب محددة منها، لكن لا نستطيع السيطرة عليها، قد يساعدنا البعض – بحسب درجة قربهم منا أو قربنا منهم – في التفسير والتحليل – لكن تبقى دائما لها القدرة على تجديد نفسها وتختلف تأويلاتها باضطراد مستمر بحسب الموقف أو الشخص موضوع الحلم.

الجزء الأخير من هذه المجموعة هو – في رأيي – أجمل الأجزاء وأكثرها حميمية للقارىء (والكاتبة أيضا) حيث نتعرف على أنواع مختلفة من الألم والوجع، ألم الجسد وألم النفس وألم فراق الأحبة، وبالطبع كلنا – بنسب متفاوتة – نواجه ذلك ونعاني منه، لكن قليلون جدا من يملكون القدرة (هل نقول الشجاعة؟) على الكتابة عنه، والكتابة ليست مجرد تفريغ كلمات منمقة أو مؤثرة، بل هي نوع من أنواع التحدي للنفس، ليس فقط في استعادة مشاهد ذلك الألم، وهو أمر غير سهل أو بسيط، ولكن الأهم هو القدرة على اختيار مشاهد بعينها وإعادة قراءتها بشكل جديد، تجسد وتفسر معنى “الألم” مكثفا ومختصرا، دون الحاجة إلى كلمات وفقرات مطولة مملة.