"فرشة عم السيد".. حوار مع بائع مثقف بسور الأزبكية

محمد حسن الصيفي

خلال الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب وأثناء فترة العمل كمحرر ثقافي كان علىّ التواجد يوميًا ولساعات طويلة،  كونت فيها مجموعة صداقات سريعة، كان أهمها على الإطلاق صداقتي ب “السيد محمود” بائع الكُتُب بسور الأزبكية. تكمُن أهمية صداقتي بالسيد كونه أُصوليًا قديمًا غارقًا في الستينات أو ما قبل ذلك مثلي. أعتقد أن النوستالجيا تلتهم قسمات وجه السيد حين يُمسك بكتابٍ قيّم فتلقائيًا أجده مبتسمًا ويشير إلىّ: “بُص يا عم محمد.. شوف”، فأنظر.. لأفتتن وأقع في شِرك الحُب من أول نظرة.. دا بكام يا عم سيد؟ :فيجيب: “أنت راجل صحفي ومثقف وفاهم سيبك من الفصال والكلام دا مش بتاعك أنت.. أنت فاهم قيمة الكتاب اللي بين ايديك”.

يستخدم نفس المطرقة في كل مرة وينجح، مطرقة ناعمة فوق رأس أصلع تهوى الكُتُب القديمة وهذا السور العتيق الذي يبتلع تاريخ مصر في طياته بكل ثبات وصمت، تتهاوى قدراتي على القتال بعد التوصيف الموسيقي “صحفي، مثقف، فاهم” أدفع ما يطلب لأقتنص كتابًا للحكيم أو السباعي، مجموعة لإدريس، أو مجموعة مقالات نادرة لهيكل أو عيسى أو السعدني. وهكذا في كل يوم، غير انني لم أخسر النزال بالكلية مع السيد، إحدى الأيام جئت أزف إليه خبر أن دار الهلال تقدم خصمًا مُغريًا على إصداراتها المختلفة والتي من بينها إصدارات عمنا محمود السعدني وأني ابتعت الكتاب من هناك جديدًا بالسلوفان بثمانية جنيهات بينما تبيعه أنت بعشرة -ملوحًا له بالكتاب الجديد محدثًا صوت مزعج بالسلوفان- عقبت: “خد بالك يا عم السيد بقى!” فأعقب عملية التفاوض الدبلوماسي رفيع المستوى صدى كبير لدى السيد الذي لاذ بالصمت، وحققت يومها أكثر من صفقة شرائية بالأسعار التي أردتها.

نرشح لك – مواطن يكتشف عمله بالأوقاف منذ 9 سنوات دون علمه

في كل الأحوال لقد كان السيد صديقًا جيدًا ومثقفًا ومصريًا بشوشًا متعاونًا مع الجمهور لحدٍ كبير، حتى أنني في بعض الأحيان كُنتُ أساعده في البيع والشراء، وحين يسأله أحد الزبائن عن كتاب أحاول المساعدة، والحقيقة أنني وجدت الونس لديه، أهرب إليه لتبادل الأحاديث والضرب على أوتار النوستالجيا بكل ما نملك من قوة، كان فقط ينقصنا وقتها أن يصفق لنا الجمهور.

في آخر آيام المعرض اخذت منه حوارًا قصيرًا أبدى فيه تعاونًا كبيرًا رغم الزحام الشديد.

– أنا السيد محمود، دبلوم صنايع، حبيت القراءة وبدأت فيها من إعدادي، اشتغلت زي كتير من المصريين في كل حاجة، اشتغلت في الأمن وفي طايفة المعمار، اشتغلت كمان في الميكانيكا.. اشتغلت في كل حاجة فعلا.. اشتغلت في الكتب آخر 3 سنين بس ولقيتها فرصة لإني طبعًا بحبها. من أكتر الكتب اللي استغربت عناوينها وجذبت انتباهي “إني سميتها مريم” وغيره من الكتب اللي بتستخدم اقتباسات من القرآن.. بستغربها شوية، الأغرب على الإطلاق بقى كتاب “فنون في غرفة النوم”.. قطع حديثنا شاب وقف يضحك يريد أن يلتقط صورة معه، فما كان مني إلا أن أتشاجر معه وأبعده عن “الفرشة”.

مينفعش يا عم محمد -يبتسم ثم يعود فيتجهم- مينفعش الكلام دا، مينفعش لا الكتاب ولا موضة تصوير الكتب وتنزيل الصور على السوشيال ميديا”

الأكثر مبيعًا عندي كانت العبقريات لعباس العقاد. وأكتر كتابين سأل عنهم الجمهور “لأنك الله” و”موسم صيد الغزلان”. أما بقى أكتر موقف كوميدي كان شاب جاي هو وصاحبته سألتني عن كتاب فشاورتلها عليه، اخدته وفضل هو يسألني “الكتاب دا كويس.. طب دا حلو؟” من باب فرد العضلات وكنت أقوله “آه حلو”.. اليوم دا اشترى ب 750 جنيه كتب عشان يبان مثقف أدام البنت اللي معاه.

أخيرًا وصف السيد حركة البيع في معرض الكتاب 2018 بالمقبولة التي ترقى للجيدة، شكرت السيد على تعاونه وصداقته الجيدة خلال تلك الأيام والذي أنهى الحوار بقوله “تحت أمرك ياعم محمد”.