محمد حمدي سلطان يكتب: ليليتو.. محاولة جريئة لهدم الأساطير

هل نبحث عن الحقيقة كهدف أسمى فى حد ذاته، ونرغب في الوصول إليها أيًا كانت ماهيتها ؟ أم أننا لا نريد سوى حقيقة تتوافق مع أفكارنا ومعتقداتنا، ونغض الطرف عنها إذا ما وجدناها غير ذلك ؟ بل والأسوء ربما ننكرها ولا نعترف بها ونبذل كل جهدنا في محاولة إثبات صحة ما نراه، وإلباسه ثوب الحق ولو كان زائفًا، في مقابل أن تتحول تلك الحقيقة التى لا تتوافق مع أفكارنا إلى أكذوبة، ننكرها، ونلعنها، ونرفضها، ونغلق عقولنا وأعيننا حتى لا نراها ولو مصادفة !

هذا التساؤل الهام هو ما خرجت به من رواية ” ليليتو ” للشاعر والروائى وليد عبد المنعم. وهى عمل متميز أشبه بفخ صُنع للقارىء بإحكام، ليعيش في أجواء من الغموض والإثارة، عبر ” جوليا ” الفتاة النصف أمريكية والنصف مصرية، والتى تأتى لمصر كفنانة تشكيلية إبنة لدبلوماسى مصري سابق تزوج بأمها الأمريكية، ترتبطها قصة حب بـ ” صبرى ” وهو شاعر شهير من جذور صعيدية.

تبدأ ” جوليا ” في ارتكاب جرائم قتل متسلسلة، مرتبطة دومًا بالرقم 5 فهى تحدث دائمًا في الساعة الخامسة من اليوم الخامس من كل شهر، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لعالم الأساطير القديمة، وتأخذنا الأحداث تباعًا حتى نصل إلى الذروة، في ما قبل النهاية.. تلك اللحظة التى قد يبدأ فيها حتى القارىء المتشكك في حقيقة وقوع ” جوليا ” تحت سيطرة قوي شيطانية بالاقتناع بإمكانية حدوث ذلك، وخصوصًا بعد محاضرة الدكتور العراقي قاسم عيلان المهتم بدراسة الأساطير القديمة والذى بدا حديثه مرتبًا، ومقنعًا، ومُدعمًا بنظريات وتفسيرات من التراث الدينى والشعبي القديم.

تنجح ” جوليا ” بعد ذلك في ارتكاب جريمتها الخامسة والأخيرة، في نفس اللحظة التى يكتشف فيها ” صبرى ” ما كان واضحًا منذ البداية، الحقيقة التى لم يستطع رؤيتها بسبب استسلامه لأفكار ومعتقدات من حوله، ليأتى الفصل الأخير أشبه بصرخة في وجه الجهل والخرافة، يضع كل أبطال الرواية- وهو أولهم- أمام حقيقة مسئوليتهم عن جرائم ” جوليا ” مرآة تكشف سوآت عقولهم المتمسكة بالأوهام، والرافضة للمنطق والعلم والعقل، القارىء أيضًا سيجد نفسه أمام هذه المرآة ليرى حقيقته ويعرف مدى مسئوليته عن كل ما يحيط بنا من جهل، وخرافات، وأفكار، ومعتقدات بالية.

تماسك السرد في الرواية، ووضوح الفكرة، والفخ الذى صنع للقارىء في نهايتها، يقابله أيضا كم مذهل من المعلومات الهامشية، والتى جاءت شديدة الأهمية، وتوضح مدى بحث وتدقيق الكاتب، وحرصه على الإلمام بكل تفاصيل الفكرة التى يقدمها. على المستوى الشخصى هذه أول مرة أعرف أن ارتداء المحامين ” لروب ” أسود، سببه قصة شهيرة لقاضى فرنسى. أما الرقم 5 فتبدو هذه الرواية وكأنها إعادة اكتشاف لكم الأشياء التى ترتبط بهذا الرقم من حولنا. فحتى وقت قريب كنت أظن مثل الكثيرين أن الرقم 7 هو الرقم السحرى والمميز، حتى قرأت ” ليليتو ” واكتشفت أن سحر الأرقام لا ينتهى، وأن الرقم 5 له نصيب أيضا من السحر والغموض والخصوصية.

في النهاية نحن أمام عمل روائى متميز، وجرىء، ومتوازن، وروائى مهم وموهوب ولديه ما يقوله. يمتاز بأنه لا يشبه أحدًا، ويقدم شكلًا ولونًا خاصًا على مستوى الأفكار والكتابة، ويجعلك تنتظر خطوته القادمة وأنت شبه متيقن أنه لن يخيب توقعاتك.