نهائي المونديال.. المباريات في قطر و"الخناقة" في مصر!

إيمان مندور

لو أن هناك ضلعًا جديدًا يمكن إضافته للثالوث المُحرَّم في مجتمعاتنا العربية (الدين – الجنس – السياسة) لكانت كرة القدم بلا منازع. رياضة لا يحكمها شيء سوى العاطفة، رغم أن السواد الأعظم من مشجعيها رجال، والرجل معروف عنه تغليب العقل على العاطفة في أغلب شؤون الحياة، إلا الرياضة يتساوى فيها الجميع، فمحبة وانفعال وغضب وحماس المشجع الثري أو صاحب المنصب العالي لا تزيد أو تقل عن المشجع الفقير صاحب المهنة البسيطة، الجميع يشجع ويفرح ويحزن ويتعصب لفريقه في كل الأوقات.

أثناء المباراة تصبح الدنيا مجرد كرة بين أقدام اللاعبين، فيتحوَّل فوز الفريق لهدية بحجم الدنيا للمشجعين، والأمر ذاته على النقيض في حال الخسارة، فيضحك المنتصر وينام قرير العين من شدة السرور، بينما يحزن وربما يبكي المهزوم فيجافيه النوم. معادلة صعبة لكنها ممتعة في الوقت ذاته، بل تزداد متعتها كلما كان الانتصار صعبًا وغير متوقع.

ولأنه لا توجد متعة بدون ألم، نجد تشجيع كرة القدم لا يخلو من المنغصات التي قد تفسد حياة صاحبها، خاصة إن كان مشهورًا. لذلك لا غرابة في أن تشهد بطولة كأس العالم المقامة حاليًا في قطر العديد من التصرفات والانفعالات الرياضية التلقائية من المشاهير العرب، لا سيما في مصر، فبالرغم من عدم تأهل المنتخب المصري لمونديال قطر 2022، إلا أن الجماهير تتابع البطولة عن كثب كالعادة، وزاد في الأمر هذه المرة تألق المنتخبات العربية المشاركة، فأصبح التشجيع حالة قومية عربية وليس شأنًا رياضيًا فحسب.

غير أن حالة المتابعة المصرية لمونديال قطر تختلف كالعادة عن باقي الدول العربية، ويمكن تلخيصها في ثلاث جوانب بعيدة كل البعد عن التفاصيل الكروية لأداء المنتخبات، وهي كالتالي:

(1)

على امتداد الخط للمقولة الأكثر اقتباسًا للمفكر الألماني كارل ماركس “الدين أفيون الشعوب”، نجد كرة القدم أيضًا تكاد تكون كذلك لدى المصريين في وقتنا الحالي، وربما العرب جميعًا في مثل هذه الأوقات من البطولات الكروية الكبرى، فحالة الوحدة العربية والمحبة العربية والترابط العربي لا تكاد تظهر بهذا الحجم في أي أحداث أخرى، ربما باستثناء القضية الفلسطينية.

وباستخدام صورة الفنان عادل إمام من فيلم “مرجان أحمد مرجان” مرفقة بتعليق “ما بلاش الحاجات اللي بتخلينا نحس بالوحدة العربية دي”، علّق رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر على حالة الفرحة العارمة التي انتابت الجميع عقب الانطلاقة القوية للمنتخبات العربية في المونديال بفوز السعودية على الأرجنتين، وما تبعها من إنجازات تاريخية لمنتخب المغرب.

صورة وتعليق مضحك لكنه معبر عن حالة الانتماء التي تخرج بشكل تلقائي من الشعوب، ومعبر أيضًا عن أهمية تلك الرياضة التي نحتاج منها الأمر ذاته في الشأن المحلي حين يفوز المنتخب القومي في مبارياته. لذلك لا غرابة في تزايد الانتقادات الموجهة لاتحاد الكرة في مصر، بالتزامن مع متابعة مونديال قطر، بسبب الأداء السيء للمنتخب الذي لم يؤهله للبطولة، وبسبب حال الكرة في مصر عموما.

لذلك وإن كانت مجرد لعبة، سواء أحببناها أم لا، إلا إنها تنجح في القيام بدور تفشل الكثير من السياسات في تحقيقه، وتجيد خلق إحساس بالوطنية والانتماء أصبحت الشعوب في أمس الحاجة إليه في ظل التحديات الصعبة التي تواجهها الدول كافة.

(2)

أما الجانب الثاني فيتمثل في عواقب عدم ضبط النفس والدخول في خلافات مع جماهير كرة القدم، فإذا كنت مشهورا اعلم أنه كلما ابتعدت عن النقاشات الجدلية في الدين والجنس والسياسة وكرة القدم كلما زادت فرص نجاتك من التورط في تصريحات ستدفع ثمنها من مهنتك ونجوميتك ومستقبلك أيًا كان مجالك، مثلما حدث خلال الساعات الماضية مع الممثل الشاب يوسف عثمان، لدرجة أنه تصدر تريند موقع تويتر بسبب الهجوم عليه عقب تدوينة انتقد فيها اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو ومشجعيه في المونديال كذلك.

الفنان الشاب سخر من بكاء رونالدو بعد هزيمة فريق بلاده، ووصفه بـ”تمثال العجوة”، وسخر من المتعاطفين معه أو من أسماهم “بتوع رونالدو”، ليتحول الأمر لـ”خناقة” على تويتر، وهجوم شديد ضده.

الجزء الأول من “الخناقة” تمثّل في الهجوم عليه، بل وإعادة نشر تغريدات سابقة له منذ سنوات كان يعبر فيها عن حبه الشديد للاعب البرتغالي قبل أن ينقلب عليه الآن. والثاني الدفاع عنه ورفض السباب والشتائم التي وجهت له، أما الثالث فكان من فريق الحياد الذي رأى أن الفنان الشاب نال ما يستحقه حين أساء للاعب مشهور ومشجعيه، وعليه الآن أن يتقبل ارتداد الإساءة له، فالتورط اللحظي في الانفعال لا يفرق بين مشهور ومغمور، أنت الآن تساويت مع الطرف الآخر وأصبحت مشجعًا ضد مشجع، وبالتالي لا قيمة لشهرتك في هذه الأزمة، بل ربما تكون ذات تأثير سلبي على موقفك.

والحديث الآن ليس كرويًا لرصد صحة ما كتبه يوسف عثمان أم لا، بل رصد تأثير تورط المشاهير في انفعالات التشجيع على الملأ دون إدراك عواقب ذلك، ومدى تأثيره على المستقبل المهني. والأمر لا يقتصر على المشاهير فقط، فما تكتبه قبل الشهرة قد يستخدم ضدك بعدها، لذلك حتى وإن لم تكن مشهورًا الآن لا تسمح لنفسك بالتورط في تعليقات قد تضرك بعد سنوات طويلة، لا سيما فيما ذكرناه سابقا بشأن الثالوث المحرم وضلعه الجديد المستقل.. كرة القدم.

(3)
الجانب الثالث تنفرد به مذيعة لديها قدرة جبارة على تحويل دفة الحديث في أي موضوع، سواء كان رياضيا أو سياسيا أو فنيا أو حتى جريمة قتل، إلى الحديث عن طاعة المرأة للرجل، وكأن الكون لا يدور إلا في فلك هذه القضية، ثم تدلي برأيها الذي يكون في صالح الرجل دوما بغرض جذب الانتباه وليس الإنصاف.

ولأن كلٌ يغني على ليلاه، خرجت بالأمس المذيعة التي صرحت سابقا في برنامجها بأن ملامحها جميلة و”مليانة كياتة” أي من كونها “كيوت”، وتركت الحديث عن الرياضة والكرة والمونديال وخلافات المشجعين حول ما يتعرض له كريستيانو رونالدو مؤخرًا، لتتحدث عن علاقة اللاعب بحبيبته وأم أولاده جورجينا رودريجيز، مطالبة إياه بأن “يجبر بخاطر البنت ويتجوزها لأنها شايلاه وصاينة عياله ومحافظة عليهم”!

كما وجهت نصيحة للفتيات “اللي مقطعين نفسهم” على حارس مرمى منتخب المغرب ياسين بونو، بأن يتوقفوا عن رسائل الإعجاب الموجهة له، واصفة إياه بأنه “صحيح وسيم وطول بعرض ما شاء الله”، لكن “سيبوه في حاله لأنه متجوز ومخلف”، بل حمّلت الفتيات المعجبات المسؤولية في حال تراجع مستواه في المباراة القادمة. أي أنه في حال تراجع مستواه تكون الأسباب المنطقية الرياضية لا أهمية لها، بل المعجبات السبب!

مستوى من الانحدار الفكري لجذب الانتباه لم يسبق له مثيل. المذيعة الشابة التي فشلت في جذب انتباه الجمهور بالملابس الجريئة على حساباتها على السوشيال ميديا قبل سنوات، وجدت ضالتها الآن في الدفاع المستميت عن الرجل، والخروج بتصريحات مستفزة عن طبيعة العلاقة بينه وبين والمرأة، وكأنها علاقة بين جارية وسيدها، وليس زوجا وزوجة بينهما مودة ورحمة.

ما تقوله المذيعة الشهيرة ليس خطأ على الدوام، بل أحيانا تقول كلاما سليما 100% عن طاعة المرأة لزوجها، لكنها بقدرة قادر تقدمه بطريقة مقززة فتنفر الناس منه، وكأن الأمر ناتج عن عبودية وليس محبة وميثاق غليظ بين الطرفين.

أي أننا في النهاية نجد بطولة كأس العالم 2022 تتلخص في كونها فرصة لاستعادة إحساس دفين بالانتماء العربي، و”خناقات” بين مشجعين كرة القدم يكون الخاسر فيها هو الأكثر شهرة، ومذيعة تهتم بالعلاقات العاطفية للاعبين ولأي رجل في العالم ما دام الحديث عنه سيجعلها تريند.. ولو بالشتائم!

نرشح لك: تعليق عمرو أديب على خروج البرازيل من المونديال