ماذا حدث في مدرسة الروابي؟.. نتفليكس تقدم الإجابة

فاطمة خير
ماذا حدث في مدرسة الروابي

بسذاجة لا مبرر لها تصورت من خلال متابعة التايم لاين الخاص بي على فيسبوك، بأن مسلسل باسم “مدرسة الروابي”، يُذاع على الشاشة الأردنية! يبدو أن شخصاً تربى على أن الشاشة الفضية يلتف حولها المشاهدون لمتابعة مسلسل جذاب لا يستوعب بسهولة أن الزمن تجاوز ذلك، وأن الالتفاف للمشاهدة لم يعد حكراً على شاشة التليفزيون!
لفت نظري تعليقات الصديقات في الأردن، للمرة الأولى تقريباً أجد هذا الاهتمام بمسلسل، لكن بدا لي من المتابعة العابرة أن المسلسل يتحدث عن “التنمر” وعن فتيات المدارس، كل ذلك لم يلفت نظري، لكنني لسبب لا أذكره تم ذكر اسم المسلسل، ربما في حديث عابر مع ابني الذي كان يتباهى بأنه يتابع مسلسل جذبه واقترب من نهاية الحلقات في يوم واحد! سألته عن المسلسل فقال “مدرسة الروابي” وهنا انتبهت للاسم، وسألته على أي منصة فقال “نتفليكس”، حينها انتبهت لسذاجتي التي تصورت أن الأردنيين يلتفون حول شاشتهم الفضية لمشاهدة مسلسل يبدو جداً أنه جذاب، وضحكت من نفسي، وسألت ابني عن المسلسل العربي الذي يتابعه على نتفليكس، مسلسل أردني ليس مصري كوميدي كعادة متابعاته، ثم لم أنتظر الإجابة فقد قررت أن أعرف بنفسي فقد قفز فضولي لأقصى درجاته.

نرشح لك: موعد عرض مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” على نتفليكس

مسلسل “مدرسة الروابي” من الأعمال الأصلية لشبكة نتفليكس، عدد حلقاته ست فقط، من إخراج تيما الشوملي، وهي نفسها صاحبة الفكرة والتأليف بالاشتراك مع شيرين كمال، كما شارك في كتابة بعض الحلقات إسلام الشوملي.
ولأنني لست من هواة المسلسلات التي تتحدث عن فئة المراهقين قررت أن أجرب المشاهدة، لكنني بدأت ولم أتوقف حتى انتهيت من الحلقات التي بدأ عرضها منذ عدة أيام لا أكثر، ولم أصدق الأفكار الجريئة التي تضمنتها الحلقات، بيسرٍ وسهولة، صحيح هي ليست جريئة بالنسبة للأعمال الأجنبية، لكن التعرض لها في مسلسل عربي ليس أمراً سهلاً، ومن الممكن توقع النقد الذي قد يواجهه في مجتمع عربي محافظ كالأردن.

من الناحية الفنية فإن هذهِ النوعية من الأعمال هي كالسهل الممتنع، فمسلسلات المراهقين كثيرة في الإنتاج الغربي، قليلة في العربي، ومن السهل اقتباس النموذج الغربي لعرض أحداث تدور في عالم المراهقين ومسرحها مدرسة للطبقة الراقية، لكن من الصعب أن تقدم هذا النموذج في المجتمع العربي دون الوقوع في فخ الاستنساخ الغربي، وأن تواجه الانتقادات التي سيوجهها لك مجتمع يفضل دفن الرؤوس في الرمال؛ “مدرسة الروابي للبنات” فعل ذلك، فبرغم أن المدرسة واضح جداً أنها لفتيات الطبقة الراقية، وليست متاحة لجميع الفتيات، لكن المشكلات هي نفسها التي تواجه هذه الفئة العمرية المهضوم حقها، فلا أحد ينتبه ولا أحد يستمع، خاصةً للبنات، في مجتمع عربي لا يعترف للنساء حتى الآن بكامل آدميتهن، وإذا أضفنا لذلك ظروف العصر الذي نعيشه، من استخدام لوسائل الاتصال بشكل يخترق كل الخصوصيات، ويصنع الفخاخ للمراهقين والأطفال، الذين لا يزالون مدركين لكل الشر الذي يقبع في العالم، كذلك تجاهل الأُسر الاستماع لآراء الأبناء، وتجاهل مشاعرهم، خاصةً البنات، ما يدفع الأبناء لكتمان المشاعر، أو الاستعانة ببعضهم البعض بدلاً من اللجوء لنصيحة الأهل، مجتمع يتم فيه استغلال النفوذ دون إدراك أن الأبناء قد يدفعون الثمن، وأن الأب الذي يسىء استغلال نفوذه دون أن يدري سيدفع الثمن بعد أن أنجب ابنة متنمرة وابن يسيء استخدام القوة، فيكون كلاهما في النهاية ضحية لجريمة شرف، ستكون مديرة المدرسة نفسها التي تستفيد بنفوذ ذلك الأب أحد الأطراف الذين سيدفعون ثمنها، يتحدث المسلسل عن التحرش الجنسي، وعن الهوة الواسعة بين الأهل والأبناء.

المسلسل ذو إيقاع سريع، لهجة أدرنية عصرية وسهلة، موضوعات تصلح لأن يكون مسرحها أي بلد عربي، أغاني عصرية تعكس تمرد الجيل الجديد الذي يتلقى تعليماً مختلفاً عما تلقاه الآباء، المتصل بالعالم ويتفاعل مع الأفكار الجديدة، لكنه يصطدم بطريقة تفكير قديمة تحكم حياته، والنتيجة: خسارة مؤسفة.

مسلسل مدرسة الروابي للبنات، عمل جرئ بكل معنى الكلمة، إنتاج فني عالي مستوى، في الحقيقة هو من الأعمال المميزة ضمن إنتاجات نتفليكس الأصلية والتي لا تتمتع جميعها بجودة عالية، وليست مصادفة أن منتجته هي نفسها مخرجته ومؤلفته تيما الشوملي، بالتعاون مع “فيلمزيون للإنتاج الفني”، هو مسلسل يلفت النظر بقوة لقدرة فائقة على صناعة مسلسلات محترفة وعصرية وتتماشى مع العصر، والأجمل أنها من صناعة النساء، وتتحدث عن النساء، عن البيت الذي يصنع شابة متمردة أو ناقمة أو فاقدة للثقة في نفسها أو متزنة، مسلسل يفضح كثير من المسكوت عنه في مجتمعات تهتم بالمظهر أكثر من الحقيقة، ويبرهن على أن المستوى الاجتماعي المرتفع ليس دليلاً على حياة مستقرة وعادلة للبنات.

لا أعرف إن كان المسلسل سيتم إنتاج أجزاء تالية منه، لكنني متشوقة للمتابعة، وأتمنى أن يحافظ على مستواه الفني المرتفع من حيث الكتابة والإخراج والصورة والصوت، وليس كالأعمال التي تفقد تماسكها بعد الجزء الأول.
شكراً “مدرسة الروابي” وضعت الملح على الجرح. .أو بالمصري “ضربت كرسي في الكلوب”.