مذكرات توماس راسل.. المجتمع المصري بعيون حكمدار العاصمة

طاهر عبد الرحمن

عن دار الرواق في القاهرة صدرت الترجمة العربية لمذكرات “توماس راسل”، ضابط الشرطة الإنجليزي، والذي عمل في مصر بدءً من عام 1902 حتى تقاعده عام 1946، وتولى لفترة طويلة منصب حكمدارية شرطة القاهرة، أي الرجل الثاني في السلك الشرطي في مصر.

المذكرات ترجمها، من الأصل الإنجليزي، الكاتب والباحث “مصطفى عبيد”، وهذه – كما ذكر في تقديمه لها – أول مرة تصدر فيها كاملة، حيث نُشرت مقتطفات منها – بحسب باحثين في الأرشيف الصحفي – في مجلة مصرية في الأربعينيات بمجلة الصرخة، وفي الستينيات بمجلة البوليس.

تنقسم المذكرات إلى 23 فصلا، يحكي فيها الضابط الإنجليزي رحلته في المجتمع المصري، ومن الواضح – مع التفاصيل والأسماء والمواقع الكثيرة في الكتاب – أنه استند على يوميات أو خواطر كان يدوّنها في حينها.

النظرة الاستشراقية واضحة جدا، شاب صغير السن، يجد فرصة عن طريق أحد أبناء عمومته أن يكون ضابطا في “الشرق”، في ذروة التمدد الاستعماري لبلاده، بكل ما يحمله ذلك من نفوذ وسطوة وقوة، مع تغليف ذلك كما هو معتاد بالإدعاءات التي ربما يكون مؤمنا بها ومنها قوله: “لقد جئت مع زملائي الإنجليز إلى مصر، لخدمة المصريين  في اتخاذ طريقهم نحو الحكم الذاتي”.

اهتم راسل باشا بالجانب الأمني والاجتماعي في مذكراته، ولم يتعرض لأية أحداث سياسية، ماعدا فصلين (15 و16) حيث ذكر جانبا من أحداث ثورة عام 1919، وفصل واحد (17) لتاريخ ما أسماه “بالجريمة السياسية”، وبالأخص مقتل الچنرال، لي ستاك، سردار الجيش في السودان.

الفصول الأولى – والحديث عن الصحراء والصيد المُطوّل وغير المبرر – مملة بعض الشيء، إلا أن اهتمامه بالحديث عن “العنصر البدوي” وثقافة وقوانين وأعراف الصحراء، مع غرابتها بالنسبة له، كان لحد كبير دقيقا ومُفصلا، وأما تخصيص فصلين كاملين للحديث عن الغجر و”الرفاعية” فأمر فيه مبالغة شديدة، وأما حكاياته عن قصاصي الأثر وحكايات الكلب “هول” الأسطوري فهي ممتعة جدا.

مغامرات كثيرة عاشها الضابط الإنجليزي خلال مهام عمله وتنقله بين المديريات والنجوع والكفور، وكان – بحسب ما ذكره – شغوفا بالعمل والتعرف على الناس وظروف حياتهم ودوافعهم، وفي كل المواقف فإنه “الإنجليزي الطيب”!

بعض ما ذكره يبدو “غريبا” بعض الشيء، مثلا ما يقوله عن رؤيته للمحمل في ميناء الإسكندرية في طريقه إلى بلاد الحجاز، وهذه أول مرة نسمع أو نقرأ عن ذلك، فمن المعروف أن “طريق المحمل” كان يبدأ من السويس، كذلك اهتمامه بالبحث عن قاتل طارده لمدة ستة أشهر حتى المكسيك! لكن علاقته بجَمِله “أبو رصاص” واحدة من أطرف ما جاء بالكتاب.

يؤكد “راسل” باشا في أكثر من موضع أن انشغال الحكومات المصرية المتعاقبة على الصراع الوطني من أجل الاستقلال أنساها القيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية!

المرة الوحيدة التي انتقد فيها سياسات السلطة الإنجليزية كانت في وقت الحرب العالمية الأولى، عندما أجبرت الفلاحين على الخدمة في الجيش، وهو “يأسف” لذلك طبعا، لكنه سريعا ما يلتمس للسلطات العذر حيث ظروف الحرب وآثارها على الجميع.

هناك تجاهل تام للشرطة المصرية وأفرادها وضباطها وقيادتها، فلا ذكر لهم (إلا مرة واحدة وبشكل عابر) فالإنجليز – وعلى رأسهم “راسل” طبعا – كانوا يقومون بكل شيء وأي شيء من أجل “خدمة مصر”، فهو من أنهى أسطورة القواد الأشهر في العشرينيات “إبراهيم الغربي” وحارب تجار التهريب والمخدرات، ليس فقط في مصر بل في النمسا وبلجيكا والصين وتركيا.

أيضا هناك تجاهل واضح للقضايا الكبرى التي هزت المجتمع المصري في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، مثل “ريا وسكينة” و”أدهم الشرقاوي”، ولو حتى بشكل عابر.

المذكرات – في النهاية – ممتعة ومثيرة وطريفة جدا، لكن – للأسف – بشكل عام لا تعطي أية لمحة جادة أو ذات أهمية عن السنوات الأربع والأربعين التي قضاها “توماس راسل” (باشا) في مصر ومسؤولا عن أمن عاصمتها لمدة طويلة.

نرشح لك: 100 كتاب ورواية يرشحها لك المثقفون للقراءة خلال حظر التجول