السينما والدراما في حياة إبراهيم عبد المجيد

نرمين حلمي

“لم تكن السينما مجرد فيلم شاهدته وعدت إلى البيت، لكنها كانت “مشوارًا” رائعًا مع أصدقاء افتقدتهم في الحياة فيما بعد”..هكذا تحدث “عبد المجيد” في كتابه “أنا والسينما” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية 2018، عن بداية علاقته التي نشأت مع الفن، لاسيما “السينما”، منذ أيام صباه في موطنه الإسكندرية، التي ولد فيها عام 1946، واستكمل موضحًا أنها لم تعد سبيلاً يحتوي تنزهاته مع أصدقائه فحسب، بل تركت أثرًا أعمق من ذلك بكثير، تجلت أولى لمساته حينما وصف قوة تأثيرها فيما يحاوطه، كاتبًا: “السينما كما عرفتها تاريخ وطن وتجليات لروح ذلك الوطن، ومن ثم فكرت أن أكتب”.

الفن السابع وليد ليالي الإسكندرية الثرية بالتفاصيل الملهمة؛ حيث إنها شهدت على أول عرض سينمائي في مصر، وهو فيلم الأخوين لوميير الفرنسيين، الذي يعتبر أول فيلم في تاريخ السينما، كما أسس المخرج محمد بيومي في الإسكندرية أول معهد سينما، كما ظهرت أولى الجرائد السينمائية فيها عام 1908، فضلاً عن أول شركة إنتاج سينمائي، تدعى “سيتسيا sitcia” والتي أسسها “عزيز وكورنيل” مع عدد من الإيطاليين بدعم من بنك روما عام 1917، بحسب ما ذكر “عبد المجيد” في الكتاب ذاته.

“أنا والسينما” يعد بمثابة الباب السري، الذي يطل على العالم الذي أثر بدرجة كبيرة على تكوين عالم “عبد المجيد” الأدبي والفني؛ مخزون بشري وفني كبير استطاع من خلاله أن يستلهم الأفكار التي اَثرت بعض أعماله الروائية والسينمائية والدرامية فيما بعد.

مَن يقرأ الكتاب، يجد نفسه أمام كم هائل من المعلومات الفنية؛ تشمل أسماء أفلام عربية وأجنبية، وأهل الصنعة ذاتها؛ من ممثلين ومخرجين وكتاب، ما بين شاشات وجمهور قاعات دور العرض السينمائي؛ ذات الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة في الخمسينات والستينات، فضلاً عن دور عرض سينمائية اندثرت ولم يعد لها وجود سوى ما شكلته في عقل “عبد المجيد” وقراء أعماله بالتبعية.

تتسلل بين ضفتي الكتاب، وتجد البسمة ترتسم على ثغرك تلقائيًا؛ وأنت تتخيل ملامح الفنانات والفنانين، الذي يتحدث عن لقاءه الأول بهم من خلال أفلامهم، وترى ضحكاتهم للتو في صورهم الموجودة داخل الكتاب. تكتشف رويدًا رويدًا، أن ابن الـ 5 أعوام اَنذاك، نشأ على أعمال أدبية روائية تحولت إلى أفلام سينمائية مختلفة، لم يكن يعلم وقتذاك قصة تحويل العمل الأدبي إلى سينمائي أو درامي حتى اكتشف ذلك في صباه وصار يبحث أكثر في هذا العالم، حتى امتدت في جذوره، و طرح فنه مثل تلك النوادر الفنية، الذى أثرى التاريخ الأدبي والفني المعاصر.

شوارع وناس وحكايات ومواقف وعادات مشاهدات سينمائية قديمة..وغيرها الكثير، يرويها “عبد المجيد” في “أنا والسينما”، مستشهدًا بعمره الذي قضاه بين عالم السينما والأفيشات، والتي كانت لها تأثير على أعماله المستقبلية؛ فيحكي أنه رأي ذات يوم، أثناء ذهابه إلى السينما، في أيام طفولته، رجلاً يلعب الثلاث ورقات، فاحتفظ به في ذاكرته، حتى مكنه من تشخيص دور في عمله الدرامي الذي عرض عام 2002، كاتبًا: “صورت هذا الرجل فيما بعد حين جننت يومًا، وكتبت مسلسلاً تلفزيونيًا، عنوانه “بين شطين وميه”، أخرجه عمر عبد العزيز، وقام بالبطولة فيه حسين فهمي، وسلوى خطاب، وزيزي مصطفى، وقام بدور لاعب الثلاث ورقات الفنان لطفي لبيب”.

في الحقيقة أن “بين شطين ومية” لم تعد التجربة الأولى لكتابة “عبد المجيد” قصة وسيناريو وحوار عمل فني، فقد تلاها أيضًا كتابته لمسلسل “تحت الريح” عام 2003، كما كتب القصة والسيناريو والحوار، للفيلم الروائي القصير “الأشرعة البيضاء” عام 1998.

كما نشأ “عبد المجيد” وسط أجواء الإسكندرية الهادئة نهارًا والصاخبة ليلاً، كتب لنا ما يحمل أهم سمات تاريخ المدينة الساحرة؛ “لا أحد ينام في الإسكندرية”، روايته التي حازت على جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب لأحسن رواية عن عام 1996، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني عام 2006، للمخرج حسن عيسى، والتي تناولت أحداث تاريخية لمدينة اﻹسكندرية وما حدث فيها أثناء الحرب العالمية الثانية؛ من خلال دراما إجتماعية تشويقية، تصور الشخصيات التي تعاني من جراء الحرب وما حدث في تلك المدينة من صراعات.

لم تكن تلك الرواية هي الوحيدة، التي انتقلت من العالم الأدبي للفني المُصور من أعمال “عبد المجيد”، فقبلها عُرض مسلسل “قناديل البحر” للمخرج أحمد خضر عام 2005، وشارك فيها نخبة كبيرة من النجوم، منهم: آثار الحكيم، ومحمود قابيل، ويوسف فوزي، وعلاء مرسي، وغيرهم. وهي مأخوذة عن رواية بنفس الاسم، نشرت للمرة الأولى عام 1992، ثم أعادت دار الشروق طباعتها عام 2005.

ثم تلاهما فيلم “صياد اليمام” للمخرج إسماعيل مراد، وشارك فيه نخبة متنوعة من النجوم، منهم: أشرف عبد الباقي، وحنان مطاوع، وعلا غانم، وطلعت زكريا، وصلاح عبد الله، وبسمة وغيرهم. عرض عام 2009، والذي اقتبس من رواية “عبد المجيد، والتي صدرت بعنوان “الصياد واليمام” لأول مرة عام 1984، وأعادت طباعتها دار الشروق عام 2006.

أعلن في أكتوبر الماضي لعام 2018، أن “عبد المجيد” سيعود مجددًا لعالم الدراما، بعدما تعاقد على تحويل روايته “فى كل أسبوع.. يوم جمعة” إلى عمل فنى، وهى رواية صدرت عام 2009 عن الدار المصرية اللبنانية..ترى كيف سيعود السكندري من جديد إلى عالم الفن بعد 10 أعوام؟

ابن الإسكندرية لم تطأ قدماه، أرضًا فنية، إلا وترك بصمة لا مثيل لها، حتى وإن تباينت الاَراء على أعماله؛ بحسب الذائقة الفنية المختلفة بين أبناء الوطن الواحد، فلا أحد يستنكر القيمة المعرفية التي يتعلمها، والممتعة التي يشعر بها؛ حينما يقرأ أو يشاهد أي من أعمال “عبد المجيد” الفنية.

إبراهيم عبد المجيد.. ملف خاص

شاهد| أبرز الأحداث التي شغلت الوسط الثقافي خلال عام 2018