مى سعيد تكتب: حريتنا الضائعة

الخير والشر والخطأ والصواب نسبيين فما نعتبره خطأً قد يراه غيرنا صواباَ وما نراه صواباً قد يعتبره غيرنا خطأَ، ولأن هذا النوع من المرونة الإنسانية هي التي شكلت المجتمعات وبلورت وعيها، لذا فاصطدام مثل هذه المرونة الإنسانية بنصوص التراث الإسلامي الجامدة والأحكام الفقهية المطلقة يردي الحرية قتيلة على باب هذا التراث الذي صار مع مرور الوقت وتكرار الحوادث الناتجة عن ما يحمله في حشاه من أحكام “بعبع” يصيب العالم بالفزع صار عدواً، والمشكلة الحقيقية لا بل المصيبة أنه عدو بلا معالم لا يصطف داخل جيش ولا يحمل سلاحاً بصورة منظمة ولا يرتدى زي عسكري، عدو لا يدافع عن وطن ولا يشغله مفهوم الوطن من الأساس لأنه غير مؤمن بالوطن على أية حال، عدو للعالم دفعة واحدة لا يميز سوى نفسه وفقهه و تراثه وتاريخه و
حكم خلافته الذي توالي على العالم وجرعه خزياً كافياً لآلاف قادمة من السنين، سألني صديق مقيم في ألمانيا ذات مرة كيف يعقل أن تكون الغالبية

المهاجرة من المتشددين أعداء الحرية الذين يستغلون حرية بلد كألمانيا ليتظاهروا ضد تمكينهم وحريتهم وينادوا بقمع أنفسهم وأرسل لي صوراً لبعض اللافتات التي رفعتها النساء والأطفال مثل “حجابى حريتى” و”جسدي .. حجابي .. حريتي” و”الغرب لا يريد حرية المرأة بل يريد جسد المرأة”، والكثير من اللافتات اللافتة للنظر جداً حيث لم يمنعهن أحد في الغرب من ارتداء ما يشاؤوا لكن عندما تصدر القوانين داخل المحاكم والمجالس النيابية

والمستشفيات وغيرها من الأماكن التي يمنع فيها القانون أي مظهر ديني قد يؤثر على المصداقية والحيادية، يخرجوا في مظاهرات كتلك يطالبون بالقمع الذي تركوه وراءهم في بلادهم وتركوا معه نساء ورجال وأطفال آخرين يطالبون برفعه ويطالبون بالحرية ، المشهدين يبدوا ظاهرهما المطالبة بالحرية رغم أن المشهدين لضدين واضحين ، لم تعد الأمور كما كانت في السابق لم تعد النساء كالسيدة ((هدى شعراوي)) التي سافرت لفرنسا فأدركت أن وجه المرأة وجسدها وحريتها ليسوا ُسبة ولا عورة ، فعادت إلى مصر لترفع البرقع وتطلب الحرية وتعلمها لجيل جديد من النساء تشاركن في المظاهرات والثورات ولا تختبئن خلف كيساً من القماش الأسود الذي يطمس هويتهن ومعالمهن التي خلقهن الله عليها “تبارك الله أحسن الخالقين” فما حدث بعد

ذلك كان تسلسلاً منطقيا وطبيعياً للأحداث حيث توافدت إلى مصر وإلى نساء مصر أحدث صيحات الموضة العالمية وامتلئت الشوارع بالفساتين والتييرات وقصات الشعر التي تجعل منه تاج على رأس المراة، واستمر الحلم طوال الفترة الملكية ثم جاء عهد عبد الناصر وظهرت معه إرهاصات العودة إلى البداوة لكن جمال عبد الناصر كان من المقاومين لهذه الردة حتى أنه فى واحد من أشهر فيديوهاته يتهكم على مطالبة مرشد الإخوان للحجاب ويقول “إذا كنت مش قادر تحجب بنتك عاوزني أنا أحجب بنات مصر كلهم “وتنطلق الضحكات حوله و لم يرفع بشأنه قضية إزدراء وقتها، رئيس الجمهورية يسخر ويضحك

من عادة دخيلة على المصريات لا يعرفونها لذا فكونها مسار سخرية هذا أمر شديد البداهة ، لكن تمر السنين ليستغل السلفيين النكسة لتمكين أفكارهم فى المجتمع و يدعون أنها غضب من الله فيزرعوا سمومهم فى عقول الشباب فتنمو تلك السموم و تكبر فتصير لافتة تطالب بالقمع فى بلاد الحرية و لافتة أخرى تتنصل من الإنسانية و تسير عكس تيار الفطرة و بدلاً من أن يكن كل هؤلاء المهاجرات هدى شعراوى جديدة ، يخذلونها بكل اسف ويثبتوا أنهن لسن حفيدات هدى شعراوى انما هن حفيدات ((أبا إسحق الحوينى)) صاحب الفتوى الشهيرة ” وجه المرأة كفرجها”.