محمود التميمي يكتب: نص الخطاب السري للرئيس أمام البرلمان ‎

بعد انتهاء الجلسة التى شهدت إلقاء الرئيس السيسى كلمته أمام البرلمان المصرى تسلل صحفى شاب إلى قاعة البرلمان الخاوية بعد مغادرة النواب والرئيس – بالمناسبة منع أغلب الصحفيين المعتمدين من التواجد بالقاعة أثناء خطاب الرئيس- أطفأ العمال أنوار القاعة ولم يلتفتوا إلى وجود الصحفى الشاب الذى أخذته سِنة من النوم واستيقظ فإذا القاعة قد استعادت أنوارها وجميع النواب فى مقاعدهم.. بل والرئيس السيسى شخصيًا لا يزال على المنصة يقوم بإلقاء خطابه.. فاعتبر الصحفى الشاب أن هذا ملحق للخطاب.. ربما شعر الرئيس أنه قد فاته بعض الأمور فعاد ليكمل الخطاب.. أنصت الصحفى الشاب باهتمام وشرع يكتب بينما جلجل صوت الرئيس على المنصة:

« الإخوة والأخوات.. إن برلمانكم الموقر قد جاء عبر انتخابات وصفتها فى صدر خطابى بالنزيهة، والحق أنها قد تمت فى مناخ آمن وأجواء شفافة شهد لها العالم كله بذلك.. لكن دافع الوطن والإنصاف يدفعنى الى تذكيركم ونفسى بحقيقة لا يسع أى منا تجاهلها.. إن نسبة المشاركة فى تلك الانتخابات والتى جاوزت ربع الناخبين المسجلين بقليل حيث بلغت ٢٨ فى المائة تدفعنا جميعًا إلى التفكير فضلًا عن إبداء عدم الرضا بكل تأكيد بعد ثورتين نجحت بالشباب فى إجراء تغييرات كبرى فى النظام السياسى المصرى.. إن القراءة النزيهة تجعلنا جميعًا على ثقة بأن شيئًا ما خطأ قد طرأ على مسارنا السياسى بعد إقرار الدستور المصرى بنسبة كبيرة وترحيب شعبى جارف.. إن الاعتراف بذلك إنما يعكس حيوية ذلك المسار وقدرته على تصحيح أخطائه.. فلنعترف أيها الأخوة والأخوات أن الشعور بعدم الرضا موجود.. بل إن بعضًا من حضراتكم محل جدل كبير فى الشارع المصرى من حيث المسلك سواء تحت القبة أو خارجها.. وهذا يجعلنا نفهم معا بعض أسباب ضعف الإقبال فى الانتخابات التى أدت إلى وجودكم هنا تشرعون وتسنون القوانين باسم الشعب.. فلنحاول إذن تدارك كل هذا بفتح صفحة جديدة.. فلنحاول إثبات أن التجربة فى طريقها للنجاح عبر مراجعة الأداء والتمسك بالقيم التى يتوسمها فيكم شعب مصر.. فلنحاول إعطاء الأمل لمن قاطع أو رفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع لأنه لم يجد من يحسن الظن به أو لعدم ثقته فى مآلات العملية برمتها.. بالتأكيد لا أوافقهم فى عدم الثقة تلك.. لكن من الحذر والإنصاف ألا يغفل أى منا فى السلطتين التشريعية والتنفيذية موقف أكثر من ٣٠ مليون مصرى فضلوا عدم الذهاب إلى صناديق الانتخاب.

لقد استمعت إلى دعوات كثيرة قبل الانتخابات، وبعدها تتعرض للدستور الذى استفتى عليه المصريون، وقد طالت تلك الدعوات وثيقة الأمة الأعلى والأسمى بصفات ونعوت لا أحب أن أعيدها على مسامعكم.. فلا هو دستور الطابور الخامس، ولا هو مؤامرة على الرئيس كما حاول البعض إظهار الأمر، وإنما هو دستور الشعب الذى أقسمت على احترامه كرئيس للبلاد «تصفيق حاد».

بالتأكيد فإن آليات تغيير مواد الدستور معروفة، ومن حق برلمانكم الموقر أن يدلى بدلوه فى هذا الأمر، لكن يؤسفنى تصوير الأمر من البعض، وكأنها حملة لزيادة مدد الرئاسة، وكأنها مغنم أسعى إليه.. أو أن الرئيس يسعى للالتفاف على الصلاحيات التى يمنحها الدستور لباقى السلطات لتوسيع صلاحياته.. وهذا الكلام بالضبط ما يضر ضررًا بالغًا بالرئاسة وبالبرلمان على حد سواء.. فلا أغراض ولا مغانم ولا يوجد فى عقل مؤسسة الرئاسة سوى مصلحة مصر العليا وصالح شعبها.. لذلك أرجو بشكل شخصى عدم الزج باسم الرئيس فى هذا المقام وألا يتخيل بعض النواب المحترمين أنهم أحرص على السلطة التنفيذية من أعضاء تلك السلطة نفسها.

الأخوة والأخوات.. ومثلما كان سرورى كبيرًا بانعقاد جلسات مجلسكم الموقر كان سرورى ببداية عودة الروح للعمل النقابى المصرى عبر مشهد مبهج أظهر حرص آلاف الأطباء على التواجد فى جمعيتهم العمومية للدفاع عن حقوقهم.. لقد راهن البعض على وجود خطأ فى مسارنا السياسى وبالغوا فى التعبير، فقالوا إن المجال العام فى مصر قد صادف تضييقًا ينذر بالموات إلا أن المشهد فى شارع قصر العينى أمام دار الحكمة قد حمل إلى المجتمع كله ومنه رئاسة البلاد بشارات الحيوية والقدرة على ممارسة العمل النقابى بكل حرية وإعلاء الصوت فى بلد يقال إنه أصبح بلد الصوت الواحد.. لكن صوت أطباء مصر جاء ليثبت للجميع سلامة المسار وحيوية المجتمع فتحية منى لأطباء مصر الذين مارسوا حق العمل النقابى، وإن أغضبت قراراتهم البعض إلا أنهم قد مارسوا حقهم بالنهاية فى مناخ حر يحتفى بالأصوات المتعددة، لأننا عبر هذا الطريق وحده سنضمن تصحيح الأخطاء أولًا بأول «تصفيق حاد».

أما فيما يتعلق بتجاوزات بعض المنتسبين الى الشرطة فلا مجال للجدال فى أن أرواح شهداء الشرطة الأبطال فى كل مكان على أرض مصر يلعنون تلك الأيادى التى ضلت الطريق فأساءت إلى ثوب الشرطة بممارسات لا يقرها قانون ولا ترضاها السلطة التنفيذية، وإنى أدعو وزير الداخلية إلى الضرب بيد من حديد على يد كل من تورط فى إهانة أو قهر مواطن مصرى.. فلم نقم بثورتين عظيمتين اتخذ فيها الجيش دور الحامى و المساند لإرادة الشعب لكى يشعر إنسان مصرى واحد بقهر أو ظلم فى وطنه «تصفيق حاد».

أيها الإخوة والأخوات.. دعونى أطلعكم على ملمح فى شخصيتى لم أتحدث عنه من قبل.. حرصت منذ مطلع حياتى على القراءة وعدم الاكتفاء بما أحصله من علوم فى دراستى العسكرية، وقد استخلصت بعد هذا العمر حكمة محددة من كل ما قرأت.. إن التنوع سُنة الله فى كونه، وإن اختلافنا لا يجب أن يتحول إلى خلاف.. وأن التخوين وسيلة العاجز وربما الجاهل.. فلا تخونوا بعضكم أو تنزعوا الوطنية عن شخص أو فكرة لمجرد قناعتكم بأنكم على صواب و أن ما تقولونه هو الوطنية الخالصة.. أعرف أن بعض وسائل الإعلام وبعض المنابر تستخدم تلك اللغة، وتحاول حشد الناس فى اتجاهات بعينها، وكأن الوطنية قد صارت حكرًا على فئة أو فصيل.. وهذا سيجر الضرر علينا جميعًا.. فلا تساعدوا على استمرار تلك الحالة.. قولوا للناس أن عبدالفتاح السيسى رئيس لكل المصريين، ولا يرضيه ما يصيب بعض مواطنيه من تخوين أو ما يتعرضون له من تحريض، فأنا أول المرحبين بالنقد والمعارضة لسياسات وقرارات السلطة التنفيذية وأستفيد منها فى كل وقت.. ولهذا وجهت الحكومة باتخاذ كل القرارات التى من شأنها إعلاء حرية الرأى، كما كلفت وزير الداخلية ببحث كل ما أثير بشأن الاختفاء القسرى أو حالات التعذيب أو الاحتجاز خارج القانون.. هذا بالضبط ما أتعهد به أمامكم.. أن تكون مصر وطنًا بلا تعذيب أو امتهانًا للقانون.. هذا حقكم و هذا واجبى.

أختم حضرات السادة النواب بملف ذى شجون.. إن ملف الاقتصاد المصرى ربما يكون هو الشغل الشاغل لى وللحكومة فى الفترة الأخيرة.. تعلمون موقف الاحتياطى النقدى، وكم نعانى لزيادته.. تعلمون أن حجم الصادرات المصرية لا يرضى أى محب لهذا الوطن.. و تعلمون أيضًا أن المشروعات التى شرعت بها الدولة لن تؤتى ثمارها فى القريب العاجل، وأن الوقت عامل مهم للوصول إلى ربحية تلك المشروعات.. لكن هذا لا يمنعنا أيضًا من مناقشة جميع المشروعات والقرارات الاقتصادية بعقل مفتوح مع المتخصصين والمخلصين لهذا الوطن من أصحاب الخبرات.. إن الوطن الذى ننتمى له جميعًا مسئوليتنا جميعًا، ولذلك كلفت الحكومة بعقد مؤتمر قومى للاقتصاد المصرى يجمع الخبراء المصريين من داخل مصر وفى المهجر للوقوف على استراتيجية واضحة للاقتصاد الوطنى مع وضع حلول عاجلة تضمن لمصر الوقوف بكرامة كعهدها فى المحافل الدولية والإقليمية، فأنتم تعرفون أن الأوطان الحرة لا يمكن أن تعتمد على مساعدات الأصدقاء و الأشقاء مهما كان نبل مقصدهم.. إن المواطن البسيط هدف كل جهد نقوم به، وفى مصر أثرياء يعرفون أن للدولة والمجتمع حق عليهم، كما أن على الدولة واجب نحو رجال الصناعة و الاستثمار تسهيلًا و دعمًا و مساندة.. لذلك وجهت بعدم استحداث أى أعباء على المواطن البسيط سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن تقتصر سياسة الدولة على تحصيل حق الشعب من الفئة التى لن تهتز اقتصاديًا إذا ما وقعت تحت طائلة قرارات اقتصادية مرتقبة سيعرضها عليكم السيد رئيس الحكومة قريبًا فى بيانه أمامكم.

السادة النواب لقد استمعت إلى هتاف أحد الأخوة فى تلك القاعة يذكرنى بسد النهضة.. وكما قلت من قبل ماضيعتكوش قبل كده علشان أضيعكم تانى.. إن المعلومات فى هذا الإطار كثيرة.. ولكنها حساسة وبعضها لا يمكن مناقشته فى إطار عام.. لكن الالتزام الذى قطعه عبدالفتاح السيسى على نفسه يوم افتتاح مشروع الفرافرة لا يزال قائمًا.. ماضيعتكوش قبل كده علشان أضيعكم فى الملف ده وفريق كبير من المتخصصين يعكف عليه وأتابعهم بشكل شخصى.. «تصفيق حاد».

إن التحديات كبار وإن الموارد لا تقارن بما نحن مقبلون عليه من تحديات.. لكن ثقتى بشعب مصر و معدنه الأصيل.. ثقتى بثروة مصر الحقيقية شبابها الفتى.. تجعلنى أستصغر تلك التحديات وأستعظم الآمال وأشعر بالثقة فى الانتصار.. اسمحوا لى أن أختم هذه المرة بغير الهتاف الذى تعودتم عليه منى فى كل خطاب.. بإضافة بعض الكلمات ربما تعمق معنى الهتاف، وتضعه على الطريق الصحيح.. تحيا مصر بالعدل.. تحيا مصر بالعلم.. تحيا مصر بشبابها المخلصين.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

«تصفيق حاد»

نقلًا عن “بوابة الصباح”‎

اقرأ أيضًا:

20 ألف جنيه وراء اعتزال تامر عبد المنعم

ماذا فعلت الميديا في أزمة الدرب الأحمر؟

يوتيوب يغلق حسابات القنوات في هذه الحالات‎‎

لماذا لم تنظم جنازة عسكرية لهيكل؟

75 صورة لمحمد حسنين هيكل ترصد تاريخ العرب

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا