كريم الدجوي يكتب: كافيتريا الملحدين

أتعرف بماذا يذكرني إزالة مقهى الملحدين، بمؤتمر “الدكتور مرسي” للحرب على الرويبضة، على الروافض.. حرب الإسلام السني على الشيعة. أتذكر وقتها تحدثت مع صديقي الملتزم ذو الميول الإخوانية (التي كانت تعرف وقتها بـ”أنا مش إخوان بس باحترم الدكتور مرسي”)، قال لي إن الشيعة أكثر خطرا على الإسلام من اليهود، وإننا لم نلتفت لمواجهة تيار التشيع سنستيقظ يوما لنجد إن القاهرة قد تحولت إلى طهران. سألته لكنه لم يجبني “ألا تستطيع عقيدتنا الصمود أمام دعوات التشيع المزعومة؟”، وكانت هذه نقطة الفراق بيننا، فقد رأى أن لا حاجة لاختبار قوة عقيدتنا أمام تيار التشيع، بينما رأيت أنا أن لا حاجة للدفاع عن عقيدة لا تستطيع الصمود أمام أفكار أخرى.

إنه نفس المنطق، والذي قد أتفهم غيرة وحماسة الكثيرين في الدفاع عنه، وهو عدم اتاحة الفرصة للأخر، حتى لو كنت واثقا من أن الأخر على ضلال وإنه الصواب نفسه. من يرفضون وجود أقلية شيعية في مصر، هم من يرفضون أن يجلس بعضا من شباب الملحدين مع أخرين على أحد القهاوي أو الكافيتريات في وسط البلد، وهم أيضا من يظنون أن غلق حمام بلدي سيقضي على المثلية في مصر. إنهم من يظنون أن تقاليدهم ومعتقادتهم  الدينية أسمى من أن تختبر، أن تواجه، من أن تخوض معركة لاثبات إنها الصواب.

لقد انتشر الإسلام والمسيحية واليهودية، وسط مجتمعات وثنية.. استطاع أن يهزم الفكر بالفكر، لماذا تريد الآن أن تحرمه من حقه في التطور، من اثبات قدرته على مواجهة الأفكار الأخرى؟هل تعرف كيف يفسر عدم رغبتك بالسماح للأخر بعرض أفكاره؟ يفسره البعض بأن معتقدك وأفكارك ضعيفة، لن تصمد أمام دعوة للتشكك في الدين، أو في تغير المذهب، أو مثلية جنسية! هل ترى عقيدتك ضعيفة بهذا الشكل؟!

فلنبدل الأدوار قليلا، ودعني أسألك عن رأيك إذا منعت أحد الدول الأفريقية أو الأوروبية بعثة دعوية من الأزهر.. كيف ستفسر ذلك؟ ألن تتهمهم بخوفهم من قوة حجة الإسلام أمام معتقادتهم الضعيفة؟! ألن ترى في ذلك المنع نصرا لقوة منطقتك، وأن منعهم جاء بناء على قوة حجتك أمام أديانهم المتهالكة.. لماذا تقبل اذا ان يكونوا هم في ذلك المقعد؟!

لقد ورثنا كما ورث أجدادنا، أعراف ومعتقادات كانت قوية لا منازع لها في عصورهم .. لكنا تعاملنا معها كآرث لا ينتهي، لن يقل ولن تتغير قيمته مهما أستهلكناه ومهما تغير الزمن وزادت الأسعار .. مازلنا نريد أن نفرض أسعار زمن بائد على زماننا لنبقي لآثرنا قيمته، بدلا من أن نستثمره ونعيده إلى الحياة. لقد قرأت أن الأوقاف رصدت عدد الملحدين من خلال “مرصدها”، وقدرتهم برقم لا يتعدى الألف، هل تفهم ما الذي يعبر عنه هذا الخبر، أن المؤسسة الدينية الأقوى في بلادنا مازلت متأخرة عن الواقع بمئات السنين .. إني أعرف أشخاصا يمتلكون في قائمة أصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي أضعاف الرقم الذي رصدته الاوقاف في تصريحاتها، إن تلك التصريحات لن تزيد مؤسساتنا الدينية سوى المزيد من السخرية والتهكيم.

هل شاهدت كيف يحاور إعلامنا الملحدين؟ هل تعرف كيف يتحدث علماء الإسلام عن نظرية التطور؟ عن نظرية الانفجار العظيم؟ هل تعرف كم من النظريات التي يروج علمائنا أنها ضحدت بالرغم من إنها صارت تعلو ما ينفق عليها سنويا أضعاف ميزانيات مصر، ليس رغبة في محاربة الإسلام كما يروج المشايخ ولكن لأسباب أكثر عمقا وتعقيدا؟! هل شاهدت مناظرة أحمد حرقان مع الشيخ سالم عبد الجليل؟ إن المناظرة بين الشاب والشيخ الأزهري تشبه سباق بين السلحفاة وطائرة تطير بسرعة الصوت! إن الفجوة بين ما يقدمه رجال الدين وبين الواقع والعلم تتسع يوما بعد يوم، حتى صار علماء الدين هم السيف الذي يوشك أن يطعن العقيدة في مقتل!

إننا أصبحنا في عصر مختلف، تجاوزنا عصر المعلومات وانتقلنا لعصور أكثر انفتاحا، لم تعد المعلومات المرسلة، ولا الافتراضيات الخاطئة ولا قوانين المصادرة كافية لحماية عرف أو عقيدة أو هوية! لم يعد بالإمكان وأد الأفكار، فالأفكار صار لها أجنحة وأنياب أيضا. وكل محاولة قمع لها بطريقة العصور الحديدية سنتنهي بالمزيد من الفشل.

خلاصة القول، أنصفوا دينكم، أنصفوا هويتكم، أنصفوا ما تؤمنون به ودعوهم يخوضون معركة البقاء، حتى لا يأتي يوم تستيقظون فيه، لتجدوا أن كل ما تؤمنون به يتعارض كليا مع المنطق!

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر من هنا 

تابعوا موقعنا على تويتر من هنا