أحمد مدحت يكتب: أوبرا عايدة سعودي!!

لسبب غير معلوم، يسير الإعلام في مصر في طريق معاكس تماماً لرغبة الشعب أو قل لرغبة الغالبية من الشعب التي تهتم وتنتظر من الإعلام أن يكون له دوراً.

وهذا موضوع قد نتناوله لاحقاً بإسهاب. بدأ الأسبوع بداية غير عادية… حكم مفاجيء ببراءة رئيس سابق من تهمة هي أصغر ما كان يجب ان يحاكم عليه ضمن سلسلة من الجرائم لمدة ثلاثين عاماً. ومع صدور حكم البراءة، فقدت البوصلة الإعلامية اتجاهها بطريقة عجيبة. لتتحول بلا مبرر إلي طريق ودعناه منذ 4 سنوات بكامل ارادتنا بل وباحتفالات ملأت الشوارع.

صار الإعلام فجأة يحتفي ببراءة “الرئيس” كما لقبه أحدهم و هو يتقافز فرحاً. احتفي الإعلام برجل أنقذته –فقط- ثغرات القانون لا العدل. وبعد ثورتين و ثلاثة رؤساء يفاجئنا الإعلام بأن الدفاتر و الأبواب مازالت مفتوحة للإحتفاء برجل هو أول من يثور عليه المصريون بعد لوردات الجيش البريطاني المحتل!!! وسط هذا الاختلال المدهش للبوصلة، والاحتفالات العجيبة بالنصر المؤزر لرجل الماضي، و في وجود رئيس منتخب، و دستور يقر بكل وضوح بأن إزاحة هذا الرجل من سدة الحكم كانت عملاً وطنياً.

وسط كل هذا الخلل، وقفت إعلامية “طبيعية”، لم تهتز بوصلتها، و لم يتأرجح ميزانها ذو الكفتين ليميل بلا سبب. وقفت عايدة سعودي في بداية حلقتها الأحد الماضي علي أحد الإذاعات الحكومية للتساءل في براءة عن معني ما يحدث؟! كانت الفتاة ذكية لتكرر أن ما تقوله ليس تعليقاً علي أحكام القضاء و لكن كيف يبيح القانون الاحتفال بحكم و لا يبيح التساؤل ؟! كيف لا يسمح القانون بأن نعبر عن ضيقنا و بألا نسجل تعجبنا من الحكم ، و تعجبنا من فرحة أناس ” ببراءة اشخاص احنا عيشنا وشوفنا كل اللي حصل في عهدهم.

وده مش تاريخ بنقراه في الكتب دي أيام احنا عيشناها وبنعيش تبعاتها لحد دلوقت من فقر جهل ومرض “وفاض بها الكيل فقالت بلا كناية” لو فيه تاجر مخدرات خرج براءة لعدم ثبوت الادلة او اخطاء في الحرز ده مينفيش انه تاجر مخدرات دة وبالتالي دة مش هيحولهم لابرياء.

ثم نددت باستخدام القوة مجدداً ضد متظاهري عبد المنعم رياض عشية الحكم القضائي و مصرع ثلاثة علي يد الشرطة في استهتار بدا متسقاً مع العجائب التي بدأ بها اليوم. وبمنتهي المهارة، و استناداً إلي دستور العصر الحالي و معاييره التي تم الاتفاق عليها، قالت “بس لو التظاهر ممنوع يبقى تتفض تظاهرات المؤيد زي المعارض، احترم القضاء والقانون لكن مبحترمش أي اشخاص يخلوا ناس معينة فوق القضاء وفوق القانون او فوق الدولة”.

هل تجد كمواطن عاصر كل ما مر بمصر خلال الأعوام الأربع الماضية ما ينافي العقل و المنطق أو الدستور و القانون فيما قالته عايدة ؟! ولكن أصحاب البوصلة المعطلة،  وهم تحت صورة رجل الماضي المعلقة فوق حوائط مكاتبهم و عقولهم، وقعوا قراراً بانهاء انتداب عايدة سعودي للمحطة الإذاعية التي بثت من خلالها هذه الأوبرا التي لم يفهموها و كأننا مازلنا في عصره المظلم، وتشاء الأقدار أن تكون أوبرا عايدة و قضيتها حاضرة علي مائدة الرئيس “الحالي” بعد ساعات ليصدر قرارًا بإعادتها إلي مكانها بل و بالتأكيد علي رأي أنصار يناير في رجل الماضي الفاسد، ولكن كم عايدة هناك و كم ضحية للبوصلة المضطربة ؟!