"لحظة غضب".. قتل نفسي مكتمل الأركان

"يؤدي الألم بالبعض إلى الجنون ولكننا لا نرى الألم، نرى الجنون"، مقولة للفيلسوف الروماني إميل سيوران ويتمثل الجنون كردة فعل لمواقف متعددة مؤلمة عانى منها الشخص ترتبت عليها النتيجة النهائية التي قد يراها البعض الجنون أو بمعنى أصح الهاوية.

لن يلقي شخص نفسه في الهاوية بدون فعل مسبق أدى إلى السقوط فيها، وإذا نظرنا للهاوية كأنها نتيجة مهلكة للشخص خاصة إذا كانت الحبس، فبالفعل يجب أن ننظر للطريق الخلفي الذي قاده لذلك.

وإذا قمنا بمعادلة صغيرة على مسلسل "لحظة غضب" الذي عُرض خلال النصف الأول من شهر رمضان 2024، وبطلته يمنى "صبا مبارك"، ولحظة وقوفها في المطبخ أمام جثة زوجها شريف "محمد فراج" بعد قتلها له وفي يدها أداة الجريمة كجاني بطريقة من المفترض ألا تؤدي إلى الموت، ولكن النهاية حُسمت!

جريمة نفسية في المقام الأول

وبالعودة لجذور علاقتهما بالطبع سنجد المبررات التي أوصلتهما لذلك، فمنذ المشهد الأول الذي ظهرت فيه يمنى وكان يوضح مدى هشاشة العلاقة بينها وبين زوجها في ظهور "فراج" الشرفي ولكنه فارق في أحداث العمل، أو مشهد توبيخها بعد ارتدائها للفستان الأحمر حيث قال لها إنه غير لائق على امرأة في سنها، أو مشهد كعكة عيد ميلادها التي حجزها ولم يدفع حسابها وتركها تستلمها، أو مشهد صراخه في الهاتف وهي في العمل لمجرد أنه سمع زميل لها يحدثها.

فبهذه المشاهد القليلة استطاع مؤلف العمل مهاب طارق أن يسرد علاقة الزوجين الهشة، التي خلقت تراكمات وكبت وانعدام شخصية للزوجة أوصلتها لضرب الزوج على رأسه في "لحظة غضب" أودت بحياته!

بالطبع لا نبحث عن مبررات منطقية لجريمة قتل، ولن ندافع عن قاتلة، ولكن بالنظر حولنا سنجد الكثير من الأشخاص المقتولين نفسيًا بسبب شركاء حياتهم، فالكبت يؤدي في النهاية لما يتوازى مع ما حدث للبطل، فيمنى وزوجها مجرد نموذج صغير لقصص أكثر في المجتمع.

نرشح لك: سر إلهي.. غدر غير مبرر وانتقام غير منطقي!

شخصية ضعيفة تقتل زوجها!

بالتركيز على شخصية "يمنى" فهي طاهية ماهرة ذات شخصية ضعيفة لا تملك في الحياة شيء، زوجها يمتلك ويتحكم في كل شيء، وهي الشخصية التي اختلفت فيها صبا مبارك عن شخصيتها في مسلسل "بين السطور" الذي عُرض مؤخراً قبل السباق الرمضاني حيث ظهرت كإعلامية "هند سالم" قوية الشخصية، فتمكنت صبا بالظهور كامرأة تتعرض للتعنيف اللفظي من زوجها والإهمال وسوء المعاملة، بعد أن كانت تظهر وتدافع عن الآخرين وتتحدث عنهم، في تغيير جذري لأدائها الفني.


ولكن ماذا ستفعل شخصية ضعيفة مثلها في جثة زوجها؟ وهو ما جعلنا المؤلف مهاب طارق والمخرج عبد العزيز النجار نفكر في محاولة إخفائه مع البطلة خاصة عن أهل زوجها، بالإضافة إلى أن الحادثة تمت يوم الاحتفال بعيد ميلادها وكأن القدر يخطط لبدئها حياة مختلفة تماماً.

عائلة لا تهتم بابنها

ولكن بالنظر لردود فعل شريف "المقتول" وبالرجوع لعائلته فسنجد أنها عائلة لا تبالي من الأساس به، فخلال رحلة بحثهم عنه منذ اختفائه لم تظهر كمشاهد عائلة تبحث عن ابنهم المفقود بانفعال وتوتر بسبب اختفائه ولكن كانوا يبحثون عنه ببرود وهو ما يمثل العلاقة بينهم كعائلة مفككة غير مستقرة.

فشقيقه مصطفى "محمد شاهين"، كان يبحث عنه وعن سبب اختفائه المفاجئ، وشقيقته فاطمة "سارة عبد الرحمن"، كانت تفتح المندل للبحث عنه بهدوء! جميع المشاهد كانت لا تمثل عائلة خائفة على ابنها وتبحث عنه!

استطاعت يمنى أن تخفي الجثة وتتنصل من أي موقف من الممكن أن يدينها طوال الحلقات وهو الجزء غير المنطقي في المسلسل فكيف أخفت الجثة عن الشرطة والعائلة واستطاعت أن تكمل حياتها بكل هدوء كأن شيئًا لم يكن ولم تأخذ الشرطة حتى البلاغات المقدمة للبحث عن المفقود على محمل الجد!!

نرشح لك: "صلة رحم".. مات "حسام" وعاشت علامات الاستفهام

ظهور مختلف لفنانين "لحظة غضب"

ورغم ذلك يعتبر المسلسل نقطة تحول للعديد من شخصياته التي كان من أبرزها محمد شاهين، الذي أتقن دوره بـ نيولوك مختلف عليه، ومحاولاته للبحث عن شقيقه واستبعاد يمنى من دائرة الاتهام، رغم أن كل المؤشرات كانت تشير إليها، والمشهد الذي استطاع أن يبرع فيه هو مشهد المشرحة.


كما ظهرت سارة عبد الرحمن وعلي قاسم في دور الجار المبتز في استايل مختلف عن العادي.


جاءت نهاية العمل بالفعل بالوصول للجثة وإلقاء القبض على يمنى ومحاكمتها ولكن ليست بتهمة القتل، فبعد أن كانت قد أخفت الجثة خوفًا من كونها أصبحت قاتلة، يتم اكتشاف أن زوجها مات بسبب كومة سكر، وليس نتيجة الضربة التي تلقاها على رأسه.