"مسار إجباري".. هنا القاهرة بعدسة نادين خان
منزلان ومصير واحد
تبدأ القصة وتنتهي عند الأخوين علي (عصام عمر) وحسين (أحمد داش)، باختلاف شخصياتهما، لاختلاف نشأتهما، على الرغم من العصب واحد، أب تزوج من امرأة تعمل كمدرسة تحمل صفات الالتزام والثقافة والحنان والحزم في آن واحد (صابرين) أم علي طالب الحقوق الذي يحاول الحصول على منحة تعليمية والسفر إلى فرنسا، والثانية (بسمة) سيدة متوسطة التعليم ويتيمة حياتها تتمحور حول زوجها الغائب الذي تحبه حبا كبيرا وابنهما الوحيد حسين أو سونس (أحمد داش) الوجه الآخر للطبقة المتوسطة، فهو كأخيه شاب مكافح لكن من نوع آخر فهو خريج تجارة لم يقف مكتوف الأيدي باحثا عن وظيفة كآلاف الخريجين سنويا، فافتتح مشروعه الخاص "عربية ساندوتشات" تحمل أسامي واجباتها الطابع الشعبي الذي يمكنك قراءته في منيو المطاعم "اللي على قد الإيد" كـ"زغزغة" أشهر ساندويتشاته.
تلتقي خطى الأخان بعد انكشاف حقيقة زواج والدهما من اثنتين، بل تتلاقا مصائر الأسرتين بعد مقتل الأب والبحث عن حل لقضية مقتل طالبة تحولت لرأي عام، ظنا منهما أن القاتل برئ بعد اعتراف والدهما أنه زور دليل الإدانة مقابل آلاف الجنيهات، بعدما شدت عليه الديون خناقها، وتبدأ رحلة مزج الأسرتين ليصبحان عائلة عمر البرنس، زوجتين و٤ أخوة، الكبيران فيهما وجدا في بعضهما السند في متاهة الحياة.
مصر التي نعرفها
قصة قد تبدو عادية جدا، كتبها أمين جمال وأشرف باهر دويدار على معالجتها الدرامية، ولكنها قصة شديدة "المصرية"، حول اثنين هم بقعتين مجهولتين وسط ما يزيد عن مئة مليون مواطن بقصصهم وحكاياتهم المختلفة، قصة من مصر وليست Egypt التعبير الدارج بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، للتفرقة بين سكان القاهرة العريقة بتاريخها الممتد وباقي محافظات مصر التي تحتضن أبنائها البسطاء والمدن الجديدة المشيدة بأسوار وتعرف باسم الكمباوندات.
تلك المصرية الشديدة التي حملها العمل يعود الفضل فيها لعين المخرجة نادين خان، ابنة المخرج مصري الهوية والقلب محمد خان، لتكمل مسيرة والدها في البحث عن أبطال حقيقيين، من لحم ودم، أحلامهم كأحلامنا، وحياتهم كحياتنا نحن أبناء الطبقة الوسطى بشقيها الشعبي مثل حسين، والآخر الأكثر تحضرا مثل علي بطلا قصتها الأحدث، فتدور نادين بكاميراتها داخل أحياء وشوارع القاهرة المزدحمة، لتعكس لافتة إعلانية قديمة، وأتوبيس نقل عام، وميكروباصات بيضاء هي وسيلة تنقل الأخان الأساسية، فهما لن يتحملا تكاليف التنقل بالتاكسي أو أوبر، ولا يمتلك أحدهما سيارة خاصة، سوا التي يصنع فيها حسين وجباته السريعة.
تتنقل كاميرا "خان" الابنة على كورنيش النيل، ذلك الرمز العريق لحياة المصريين المستمرة على مدار آلاف السنوات، كناية عن طريق الأخوان الطويل، وتختار قبو ضيق وخانق كمصيبتهما للاختباء فيه، وفي لحظات دافئة تأخذهما للمنزل والتجمعات الأسرية حول مائدة طعام مصرية مزينة بأطباق المحشي والمكرونة البشاميل، وأكواب الشاي بعدها مع بسبوسة بدون إضافات، تلك التفاصيل التي تحتوينا داخل أسرنا ووطننا.
نرشح لك: بسام سرحان: "مسار إجباري" حدوتة بطلها يشبهك
الابنة سر أبيها
لا يمكن تشبيه نادين بوالدها حد الاستنساخ فهي لها طابعها الشخصي تماما، فهي تميل لمدرسة الغوص في حيوات الأسرة والمجتمع، وذلك ظهر جليا بعملها الأنجح "سابع جار" أحد أهم المسلسلات الدرامية التي علقت في أذهان الجمهور على مدار السنوات العشر الماضية، والذي لا يزال طيفه حاضرا على مواقع التواصل الاجتماعي، فكثيرا ما تلتقي بمشهد او صورة منه تذكرك بأحداثه وأبطاله، وعلى رأسهم الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز، والتي قدمت دور الأم أقرب ما يكون للحقيقة، ومعها الفنانة شيرين، التي أعادت نادين ومعها آيتن أمين اكتشافها من جديد في هذا العمل، وقدمت المخرجتان أيضا فنانين وفنانات وضعوا بصمة مختلفة بين جيلهم، وأبرزهم فدوى عابد في دور "دعاء"، كما قدمت ببراعة مشاكل الشباب والآباء في "مين قال؟!" وعلى الصعيد السينمائي كان لها "أبو صدام" الذي دارت أحداثه في شاحنة تعكس حياة سائقها (محمد ممدوح) ومساعده (أحمد داش)، الذي شاركها في كل الأعمال السابقة المذكورة، والتي قدمته باشكال وشخصيات مختلفة على الرغم من أغلبها شعبي، لكن كل منها يختلف عن الآخر في أسلوبه.
عصام عمر.. ولادة نجم
ومع داش، في "مسار إجباري" تفتح نادين للموهوب بشدة عصام عمر أبواب جديدة لأدوار متعددة، بعدما أثبت نجاحه في تقديم دور شاب مثقل بالهموم والأحلام، نادرا ما يضحك، بعدما نجح في دور "دكتور عاطف" في "بالطو" العمل المليء بكوميديا الموقف المكتوبة بعناية، والمقدمة ببراعة من نجم شاب وضع نفسه في مصاف النجوم الكبار مبكرا.
البساطة.. سر الإبداع
في النهاية، قدمت لنا نادين خان عملا يحمل طابع "البساطة" الإبداعي، في الصورة والقصة والابطال، بعيدا عن الديكورات والملابس والأماكن المبهرة والمظاهر المزيفة، واكتفت فقط بشوارع ومنازل وملامح القاهرة وناسها المألوفة وجوههم وعاداتهم لدينا.
