أحمد عنتر يكتب: تحت الوصاية.. درس في فن المقاومة

تحت الوصاية.. إن ألم الوصاية المنزوعة عن غير حق يبقى دسما في العروق، لكن أمل البقاء على سلم الحياة غالب على كل الأوجاع، بينما يقف إبداع ما قدمه مسلسل “منى زكي”، بين الواديين جبارا بكل تفاصيله: إبداع خلق ليبقى عالقا بالذاكرة، ليقدم لمن شهده درسا في فن المقاومة، مقاومة الموروث إن كان ناقصا، وترك البيئة، إن كانت غير خصبة، ومواجهة طرح البحر إن كان زبدا لا يخلف إلا الجفاء.

يقولون إنك قد تعرف نجاعة الدواء الساري في حلقك إذا زادت مرارته، وإن ما واجهه المشاهد في المسلسل المبكي، من غصص، بفضل أحداثه وحبكته وبراعة ممثليه، إنما يحمل ترياقا للفكر المسموم، وإني كمشاهد لا أملك إلا أن أدمع فأصفق، أو أكتب فأشيد، بينما تبقى القضية معلقة بعقل الرشيد ممن شاهد واستوعب، فيضع الموازين القسط، ليتشبث بها كل مستضعف حتى ينال كفايته من الحماية والأمان والعدل.

نرشح لك: أحمد عنتر يكتب: عم ربيع.. البديع!


إن التشريع لا بد له من نظر، فتمحيص، وأقول بصدق إن اختناقي بمشاهد الموت على انفجار المفاعل في مسلسل “تشيرنوبل”، الذي حقق رواجا هائلا، لم يكن بنفس قوة الاختناق التي شعرتها مع وقع المصائب التي خلفها الميراث الثقيل لأم جعلتها الظروف تحت وصاية غير رحيمة بأبنائها.. اختنقت لأني لا أستطيع المساعدة لكني شعرت بالتطهر، لأني بعيد عن كل ذلك الوجع، لم أمر به وفي أمان منه، لأن وضع النساء المقربات لي، لا يشبه وضع “حنان” أم ياسين وفرح.

مسلسل تشيرنوبل، الذي يحاكيه “تحت الوصاية”، في قصر عدد الحلقات غير المخل، هو مسلسل قصير جدا مكون من خمس حلقات يعيد تناول كارثة مصنع الأسلحة النووية في أوكرانيا التي وقعت في إبريل 1986، وهو الذي وصفه نقاد موقع تقييم الأعمال “روتن توميتوز”، بأنه “كبسولة دواء مع رهبة زاحفة لا تتبدد، مأساة وطنية مع حرفية تقليدية وتشريح ذكي للعفن المؤسسي”، لكني أرى أن هذا التشريح الذي قدمته منى زكي ورفاقها، رشدي الشامي وأحمد عبد الحميد وعلي صبحي ومحمد دياب ومها نصار وخالد كمال ومحمد عبدالعظيم ونهى عابدين، والصغير عمر شريف، بكتابة بديعة من خالد وشيرين دياب وإخراج عالمي من محمد شاكر خضير، لهو التشريح الأكثر نفاذا إلى العظام.

لقد انبهرت وانبهر غيري بفلسفية الشخصيات، وزوايا التصوير، وبكى كثيرون من ملحمية المشاهد، وروعة الكلمات، حتى أن ذهني ظل معلقا، ليومين كاملين، بعبارة عم ربيع “المانح بغير مقابل”: “انتي مش شبه عيد.. انتي ريس، ريس كبير”، قبل أن يلفظ أنفاسه ويموت مبتسما، حالما بغد أفضل للسيدة التي مات بين يديها.. التحية لصناع هذا العمل المجيد الخالد، وعظيم التحية لمن فكر في إنتاجه ومنحه اليد ليخرج للنور.

نرشح لك: الجارديان البريطانية: “مسلسل تحت الوصاية يثير دعوات لتعديل القانون في مصر”