المطرب النقاش والأوبرا.. الأزمة في المنع أم الاختلاف؟!

إيمان مندور

الحكم على بعض القضايا لا يحتاج بالضرورة للحسم بصواب رأي معين أو خطأ الآخر، أحيانا تكون جميع الإجابات مقنعة بقدر ما؛ تسمع هذا الرأي فتقول عنده حق، وتسمع الثاني فتقول كلام منطقي، وتسمع للثالث فتقول وجهة نظر برضو.. هل هذا يعني أنك غير مستقر على رأي ولا تدري ما الصواب؟! لا، بل لأن الخطأ هنا ليس تعدد الآراء المقنعة، بل الخطأ هو الحسم بصواب رأي واحد في قضايا لا تحتمل إلا تعدد وجهات النظر.

الكلام غير مفهوم!! فلنأتي بمثال للتوضيح.

الناقد الفني طارق الشناوي فجَّر مفاجأة قبل أيام حول السبب الحقيقي لاستبعاد المطرب أحمد سالم الشهير بـ(المطرب النقاش)، من غناء فقرة مع الفنانة أصالة بمهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية، موضحا أن المنع جاء لوقف التصعيد من أحد كبار الملحنين من أعضاء اللجنة العليا للمهرجان، الذي انتقد مشاركة “النقاش” ملوحًا بورقة الوقار، وأن هذا لا يليق بدار الأوبرا ولا بالمهرجان العريق.

نرشح لك: هاني شاكر عن “المطرب النقاش”: محتاج شوية تدريب

الشناوي أكد أن الكلمات التي ترددت على لسان الملحن بها قدر كبير من التعالي والاستهزاء، حيث اعتبر أن غناء المطرب عامل النقاشة يتناقض مع برستيج الأوبرا، رغم أن أصالة أرادت توصيل رسالة من خلال مشاركة الغناء معه، بأن صاحب الموهبة سيجد من يدعمه ويقف معه حتى لو كان عامل نقاشة بسيط، وبالتالي قرار منعه يؤكد سيادة من يطلقون علي أنفسهم “محافظين”، ولا يدركون أهمية مثل هذه الرسائل الإنسانية في دعم المواهب.

إلى هنا انتهت الرواية لدى الناقد الفني، لكنها فتحت الباب للتفكير المنطقي من هذا الجانب، ألا يهاجم نفس الملحن وزملائه من “المحافظين” أي انتشار لأنصاف المواهب في الجيل الجديد؟! لماذا هذا الغضب الكبير إذن من مشاركة موهبة “حقيقية” لا تزال في بداياتها؟! الشاب سيشارك المطربة الكبيرة فقرة بسيطة وليس حفلا كاملا باسمه، ما الضرر إذن؟!

في زمن يتصدر فيه أنصاف المواهب أغلب المجالات، لماذا لا يتم الاستجابة لدعم المواهب التي يتوسّم الجميع فيها خيرًا؟! خاصة أنها رسالة إنسانية في المقام الأول أكثر منها فنية.

لماذا في نفس المهرجان، وقبل أيام من حفل أصالة، قام الفنان هاني شاكر بتقديم موهبة جديدة للجمهور، المطربة نانسي جمال، موضحا أنه استمع لصوتها من قبل وأعجب به بشدة، ووعدها بتقديمها للجمهور في أقرب حفل، وبالفعل أوفى بوعده، إيمانًا منه بضرورة دعم المواهب الشابة كما أكد في لقاء تليفزيوني على هامش الحفل.. لماذا لم يتم الاعتراض على الفتاة وتم الاعتراض على النقاش؟! لماذا لم تتم المساواة في قرار المنع بينهما؟

لماذا تم الترحيب بالفتاة بل واستضافتها في لقاءات تلفزيونية عقب الحفل، بينما تم رفض مشاركة المطرب العامل في المهرجان أصلا؟! ألا يمكن تفسير ذلك بأنه “طبقية” لا تزال مسيطرة على قطاعات كبيرة في المجتمع؟! طبقية ليست في الغناء والفنون فقط، بل في مجالات عديدة للأسف.

نعود لأصل الأزمة من جديد، لكن هذه المرة من زاوية أخرى مناقضة لما تم طرحه في السابق، ألا وهي وجهة نظر المايسترو نادر عباسي، حيث رأى أن قرار منع المطرب أحمد سالم قرار سليم، لأن “في ناس كتير في الأوبرا أكاديميين ومغنيين شاطرين جدا بيتمنوا يغنوا في مهرجان الموسيقى العربية.. فلما حد فجأة يجي عشان ترند معين يطلع يغني، هيحصل ظلم لناس كتير موهوبين محتاجين الفرصة دي”.

وجهة نظر جديدة وجيدة ومنطقية، ألا وهي عدم فتح باب الأوبرا لمواهب التريندات، لأنها وإن كانت فرصة ذهبية لموهبة حقيقية مثل أحمد سالم، فستعطي الأحقية لغيره من المواهب غير ناضجة التي لا يدعمها شيء سوى أنها خرجت من رحم التريندات فقط، بأن تنال نفس الفرصة.. لا ينبغي أن يكون الأمر مفتوحًا لأهواء السوشيال ميديا، وفي نفس الوقت ينبغي النظر للأكاديميين والمطربين الموهوبين الذين ينتظرون سنوات لأجل الحصول علي فرصة في فعالية فنية كبيرة مثل مهرجان الموسيقى العربية.

خلاصة الكلام ليست تحديد أي الرأيين أكثر منطقية، ولا الانحياز لقرار المنع أو مواجهته، بل لفت الانتباه إلى أنه في قضايا الإبداع ليس شرطا أن يكون كل رأي أو وجهة نظر صحيحا على امتداده للنهاية، قد يكون مناسبًا في جزء وفي الآخر لا يصلح، قد يكون مناسبا للحالة محل الواقعة لكن تعميمه لا يجوز، قد يكون الرأي ونقيضه يحملان من المنطق ما يتجاوران فيه سويا في الإقناع.

أحيانًا تكون الأمور أكثر سعة لتحمل الآراء المتناقضة، لكننا لا نستوعب إلا اللونين الأبيض والأسود في اتخاذ المواقف والحكم عليها، وأحيانا لا يستوعب بعض المسؤولين أن ضجة المنع تكون دومًا في صالح الممنوع وليس المانع، حتى وإن كان القرار صحيحا، فما بالنا إن كانت احتمالية الخطأ واردة.. وبشدة!