فيصل شمس يكتب: العالم من وجهة نظر الفنانة عبير صبري

أطلقت الفنانة عبير صبري صرخة استغاثة قوية وقرعت جرس إنذار صادق، محذرة من الزيادة السكانية الرهيبة التي تأكل موارد مصر، والناس الجهلاء الذين ينجبون بلا رادع، وتحدثت عن مصطلح ” تقنين الإنجاب” والذي يعني أن تتدخل الدولة في عدد المواليد لكل أسرة وتفرض ضرائب أو رسوم أو غرامات لمن يتعدى الحد المسموح .. جميل.

عبير صبري

لكن أسبابها تقشعر لها الأبدان، أو لا تقشعر فيبدو أن ما تقوله هو شعور الكثير من الممثلين في هذا الزمن بل بالأحرى الكثير من المشهورين في التمثيل والغناء وكرة القدم.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: كلاكيت ألف مرة: هل مسلسلات محمد رمضان هي سبب الجرائم؟

 

تقول السيدة عبير صبري: “احنا بنشتغل وندفع ضرايب كبيرة جدا عشان حضرتك تاكل وتشرب وتاخد بيه دعم وتعيش حياة مسؤولة”.. طبعا الكلام موجه لهؤلاء الفقراء ومنهم مثلا الموظفين الغلابة وجامعي القمامة الأبطال وأصحاب المهن البسيطة الأرزقية وأنا وأنت، لقد هربت البلد منّا فلم تعد بلدنا، ليس هذا فقط بل لقد أصبحنا عالة ولحم أكتافنا من خير الممثلين، فنحن ننجب ونعيش في “قتة محلولة” ولا ندفع ضرائب بينما الأستاذة عبير هي التي تكافح بدلا منا وربما إذا اعتزلت الفن في يوم من الأيام سيتوقف نهر العطف المتدفق والرزق الذي نعيش فيه.

أصابت الأستاذة عبير، فأنا أعرف هؤلاء المارقين جيدا، إنه هذا الرجل صاحب الكرش الذي يسكن في حارتنا، يوميا أشاهده يجلس في البلكونة هو وعياله يضحكون بلا خجل فيما يحدثهم عن يومه الشاق والزحام ومديره المزعج والأسعار وكيف استطاع أن يضحك على أمهم التي تصر أن يأخذ دواء السكر رغم مرارته اللاذعة، وفجأة تأتي الأم فيرتعب الجميع ويقومون بالتصفير كأن شيئا لا يحدث، ما هذا الضحك المأساوي الرقيق أيها الرجل صاحب الكرش وكيف تسنى لك أن تنجب أربعة بينما الأستاذة عبير تكافح من أجلك؟

وتصر الأستاذة عبير على أن (احنا بنتعب أكثر من الغير، لأن أنا باشتغل وبتعب وبادفع وبأدي دوري في المجتمع فبلاش تنتقدني).

لا أعرف كيف توصلت الأستاذة عبير لهذه المعادلة اللطيفة، لكن، هل يعني كلامها أن رجل الأمن – مثلا- الذي يقف بالساعات على بوابة أو عامل النظافة الذي يجول الشوارع وهو يكنس أو الموظف الغلبان في مصلحة المجاري أو البقال في حارتنا وغيرهم وغيرهم، كل هؤلاء لا يشتغلون ولا يتعبون مثلها؟ هل هم قوم مترفون ينامون طوال النهار ويتجولون في ليل القاهرة الساحر كل يوم بحثا عن سهرة أو حفلة؟ هل تخلو حياتهم من صراع مادي لتعليم العيال؟ بل ولتوفير الطعام؟ هل يقضون أيامهم في التفكير في جلب هدية مميزة لأم العيال؟ فستان ماركة مثلا أو خاتم ألماس أو أحدث براندات الماكياج؟ وطبعا، هؤلاء جميع ممنوع عليهم أن ينتقدوا الفنانة.

لا شك أن هناك لبس في هذا الموضوع، فيستحيل أن تتحول الفنانة الرقيقة فجأة إلى هذه الحالة من الغضب والخوف، يستحيل أن تحتقر الناس الذين يجتهدون ويعانون ويكابدون الحياة فقط للتنفس والعيش، يستحيل أن يظن الفنانون أنهم وحدهم من يستحق الحياة، ولا يمكن أن يكونوا وصلوا لهذه الحالة المأساوية من العمى بحيث يتصورون أنهم وحدهم الذين يكافحون ويجتهدون.

إنه قدر بسيط من الثقافة (حبة ثقافة واطلاع بشلن) يمكن أن تريهم جيدا أبعاد الحياة والعالم، والبشر الذين يقهرون الصعاب والفقر والانسحاق، وهم أنفسهم الجمهور الذي يصنع النجوم وبالتالي فالنجوم يصبحون نجوما بحياة ومعيشة هؤلاء .