فيصل شمس يكتب: كلاكيت ألف مرة: هل مسلسلات محمد رمضان هي سبب الجرائم؟

هل مسلسلات محمد رمضان هي سبب الجرائم؟
فيصل شمس

تخيل معي هذه الحكاية الغريبة: في يوم عادي من أيام شهر رمضان الفضيل كان هناك شاب جامعي محترم يشاهد مسلسل لأحد النجوم الكبار، وحين شاهد هذا النجم يلوح بالسيف ويصرخ في جميع سكان الحارة وهم مرعوبون منه ويجرون هنا وهناك، انتفضت عروقه وقال لماذا لا أكون مثل هذا البطل الشجاع ويخاف مني الناس، وحينها بدأ يتغير تماما وفي خلال شهرين أصبح بلطجي المنطقة ثم قام بعملية قتل بسيطة لإحدى زميلاته في الجامعة لأنها لم ترضخ لرغباته الشهوانية، ولأن كل الحتة تخشى من بطشه، لم يتم الإبلاغ عن الجريمة وعاش سعيدا بقية حياته.

يتوقع الناس أن السينما والتليفزيون وكل أنواع الميديا والأفلام والمسلسلات تصنع تأثيرا جبارا في المجتمع وتستطيع أن تقلب الحقائق وتغير حياة الناس وقد تصنع الكوارث أو تحقق السلام الاجتماعي، لكن للأسف ليس الأمر بهذه البساطة وإلا لاستطعنا تغيير الواقع بكل سهولة، لذلك فكل البوستات والإشارات والتعليقات الحزينة التي تتأسى على الزمن وتصل إلى الحقيقة الصادمة أن مسلسلات محمد رمضان ومصطفى شعبان وغيرهم التي تناولت بطولة البلطجية هي السبب المباشر فيما يحدث من انحراف للشباب سواء بالمخدرات أو العنف أو القتل، كل هذه الارتباطات للأسف غير صحيحة، فالدراما هي انعكاس للواقع ولا تستطيع أن تصنعه، ودورها ينحصر في هذه الحدود مهما صدمتنا.

نرشح لك: لا تبرر لقاتل.. قد تكون الضحية التالية

وأنا أتوقع أن الشاب المتهم بقتل الفتاة البريئة نيرة رحمها الله، لم يشاهد أي مسلسل لمحمد رمضان ولو شاهده فبالتأكيد لم يكن يحلم بكيف يكون مثله وكيف سيتحول فجأة إلى بلطجي الحارة العظيم وكيف يستخدم السكين بنفس الطريقة الاحترافية، ويقف شامخا أمام أي تحدي وأي عصابة.

العالم ليس بهذا القدر من التسطيح، وقد أثبت العلم أن الحياة معقدة للغاية وهناك تأثيرات قوية للتربية والمجتمع وحتى الوراثة تتفاعل مع بعضها لتصنع سلوك الإنسان ويدخل الإعلام وسط هذا التفاعل ربما كعامل مساعد ضئيل الأثر بالمقارنة بما يحدث في حياة الناس وبالتأثيرات الكبيرة التي تجعلهم يتحولون إلى وحوش غاضبة.

النقطة الأخرى، كم الحوادث الغريبة التي تحدث في مصر التي يفوق عدد سكانها المائة مليون قليل للغاية بالنسبة لكثافتها السكانية، رغم كل هذا الازدحام وعدم الانضباط وضغوط الفقر، وفي الزمن الجميل القديم كانت حوادث كتلك موجودة بنفس المقدار وربما أكثر لكن وسائل التواصل اللحظية الحديثة لم تكن موجودة ، وقارن من فضلك بين الجريدة قديما كمصدر وحيد للأخبار والفايسبوك بكل ما يملكه من أدوات وإمكانيات تجعلك تعرف كل الأخبار بكل التفاصيل فتتصور أن العالم ازدادت وحشيته بينما هو عادي جدا وقد أصدمك حين أقول أن العالم أكثر هدؤا من 100 عام سابقة .

في النهاية، الدراما ليست مذنبة مهما قدمت ورحلة اللمبي أو عبده موتة أو غيرهم قد تكون واقعية، لكنها لا تؤثر في الشباب بهذا القدر الذي نتصوره، وحتى لو أثرت في شخص مجنون هل نتوقع أن طريقه سالك بهذه البساطة الخيالية، بحيث يستطيع أن يصبح بلطجيا عظيما بين يوم وليلة ويفر كل رجال ونساء الحارة أمامه مذعورين؟