محمد عبد الرحمن يكتب: أفلام العيد لن تمثلنا في الأوسكار

أفلام العيد لن تمثلنا في الأوسكار
محمد عبد الرحمن

تتوجه معظم المدارس النقدية لتقييم محتوى العمل الفني بعيدًا عن ما يجري خارجه، غير أن متغيرات عدة جعلت ما يجري حول العمل نفسه ربما يكون بنفس أهمية ما قدمه الفنان على شريط السينما أو شاشة التلفزيون. بتعبير آخر لنقد النقد أهمية لا تقل عن نقد المنتج الفني، لأن مساعدة منصات التواصل الاجتماعي في نشر أراء بعينها باتت تؤثر بشكل كبير على قرار فئة كبيرة من الجمهور، تظل بحاجة لمن يساعدها
على اتخاذ قرار المشاهدة.

لو عدنا للخلف 10 سنوات فقط، كان موزعو الأفلام السينمائية خصوصا الخبراء بموسم العيد يتداولون دائما تعبيرword of mouth أو التسويق الشفهي، وهو نشاط يحدث بين المتفرج الخارج من دار العرض والمتفرج الواقف أمام شباك التذاكر. لو أن الأول قال للثاني إن الفيلم يستحق التذكرة، علمًا بأن دور العرض عادة ما تستقبل نفس الطبقات الاجتماعية حسب موقعها وسعر تذكرة الدخول، فهذا يعني أن قرار الدخول عند المتفرج الثاني لن يتأثر ولو أجمع كل نقاد مصر على أن الفيلم لا يستحق المشاهدة، والعكس صحيح، إشادة النقاد لا تسهم عادة في زيادة إيرادات أي فيلم.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: هل المسلسلات والأفلام تقدم رسالة؟

كان هذا قبل عقد من الزمان واستمر لعقود قبله، فما الذي تغير؟ الإجابة مذكورة في الفقرة الأولى، منصات التواصل الاجتماعي غيرت كل شيء حتى على مستوى النقاد المحترفين. كان المعتاد سواء كان الفيلم جيدًا أو أقل من المتوسط أن ينشر الناقد مقاله بعد أسبوع على الأقل من عرض الفيلم ودون حرق للأحداث، طبيعة النشر الصحفي كانت تساعد على ذلك. وأيضا اتفاق غير مكتوب خصوصًا حول الأفلام السيئة بعدم حرقها سريعًا حتى تصمد أسبوعًا على الأقل، لجعل خسائر المنتج والموزع في حدود المعقول. فارق كبير بالطبع أن تهاجم فيلمًا بعنف بعد الأسبوع الأول، وأن تفعل ذلك فور انتهاء الحفلة الأولى.

الأمر لم يعد مقصورًا على النقاد؛ الجمهور كله، صفحات الهواة، صفحات المحتوى مدفوع الثمن، كل هؤلاء باتوا يحكمون على الأفلام سريعًا، أحكامًا لا تستند لأي معايير نقدية، فقط انطباعات ومواقف شخصية. النجوم أيضًا وقعوا في الفخ عندما استأجروا تلك الصفحات من أجل مدحهم، فظهر آخرون مستعدون للذم من أجل الحصول على مكاسب، وهكذا فوضى ممتدة لا سبيل إلى السيطرة عليها إلا من غير عودة المتفرج إلى القاعدة القديمة، أن يقرر أي فيلم سيشاهد بناء على أراء من يشاركونه الذوق نفسه، لا على عدد المنشورات المؤيدة أو المهاجمة للفيلم، لأن هذا استسلام لأهواء الآخرين. أيضًا على من يدّعون الاحتراف أن ينقدوا الأفلام لا أبطالها، ليس منطقيا أن يتحول كل فيلم إلى فرصة لإعادة محاكمة بطله بسبب أزمات سابقة لا علاقة لها مباشرة بالعمل الفني.

المثال الواضح على ما سبق، أن تجد متفرجين عاديين وعاملين في الوسط الصحفي والفني يربطون بين فيلم “واحد تاني” لأحمد حلمي وأزمة فيلم “أصحاب ولا أعز”، لا توجد أي علاقة منطقية بين الحدثين. وإذا كان الجمهور بمعناه الواسع لا مانع لديه من الدخول على صفحة حلمي ومهاجمته مجددًا بسبب فيلم نتفليكس، فكيف لقادة رأي أن يكرروا الأمر نفسه، ثم يذهبون إلى “العنكبوت” الذي تعد منى زكي أفضل عناصره، ويهاجمون حلمي تارة وأحمد السقا بسبب إعلانه في رمضان تارة أخرى. ما علاقة كل ذلك بالشريط نفسه، لن يجيبك أحد، هو تسونامي من تداخل القضايا وتشابك الأراء يتدفق بلا توقف.
أتذكر بشجن مثل هذه المواسم قبل العقد الأخير، وكيف كانت العناوين ستركز على منافسة أحمد حلمي لمنى زكي في شباك التذاكر، وثنائية منى والسقا في مواجهة ثنائية روبي وحلمي، وغير ذلك من قضايا كانت تشجع الناس على الفرجة، وتفتح شباك التذاكر لأسبوعين وثلاثة دعمًا لصناعة تحتضر الآن، ليس فقط بسبب فيروس كورونا، وإنما فيروس التنمر والإيذاء اللفظي والأحكام الجامدة المنتشر عبر منصات السوشيال ميديا.

بعد كل ذلك هل لدينا مساحة لنتكلم في الفن؟ ليكن، الفيلمان لن يمثلا مصر في مسابقة الأوسكار، الهياج الرقمي وسرعة تسجيل الأراء واستعداد أحدهم مثلا لأن يكتب رأيه السلبي في الفيلم على عشرين منشورًا لأصدقاء حوله من أجل تصدير “أنه موجود وشاهده فعلا”، كل هذا جعل الناس تنسى أننا أمام “أفلام عيد” مهمتها أن تسلينا في الإجازة، وإن فعلت ذلك وحسب فقد حققت المرجو منها، وصنّاعها بالمناسبة لا ينتظرون أكثر من ذلك.

“واحد تاني” لهيثم دبور ومحمد شاكر خضير، “العنكبوت” لمحمد ناير وأحمد جلال، فيلما عيد يستحقان المشاهدة؛ الأول لا يناسب الأطفال ومكتوب ذلك على البوستر، والثاني لا يناسب كارهي الأكشن. كلاهما يعاني من مشكلات في بناء الشخصيات ومعقولية الأحداث، الثاني قدمه السقا وهو في لياقته البدنية التي افتقدها لاحقا، ومنحته منى زكي الكثير من روحها المرحة. أما فيلم حلمي فهو بالتأكيد أفضل من فيلم “خيال مآتة”، لكنه ليس أفضل من “كلاسيكيات حلمي الشهيرة”. غير أنه في النهاية فيلم عيد لن يمثل مصر في برلين أو فينسيا، هو موجه لمن يريد أن يكون شخصا آخر، فاذهب وشاهده هو أو “العنكبوت”، دون أن تخشى “زومبي” منصات التواصل الاجتماعي.

نقلًا عن مجلة صباح الخير.