فيصل شمس يكتب: الشامتون في وائل الإبراشي

فالح هو شخص لطيف أو غير لطيف يعيش في مصر ويهوى متابعة الفيسبوك ورغم أن عدد أصدقاؤه لا يتجاوز المائتي شخص أغلبهم من أقاربه لكنه يستمر في نشر البوستات يوميا باجتهاد واضح.

حين توفى الصحفي والمذيع وائل الإبراشي تحركت النوازع المتطرفة في عقل فالح فقرر نشر بوست يمتلئ بالحقد والشماتة عن انتقام الله من الكفار وأصحاب السلطة.

نرشح لك: اتهام رئيس الوزراء البريطاني باستهداف BBC لإنقاذ منصبه

كانت القنوات الإعلامية مشغولة بسؤال مهم للغاية هل ساهم طبيب وائل الإبراشي في وفاته؟ وما هي حدود المسؤولية الطبية والأخطاء المتوقعة والخرافات في مواجهة الجائحة؟ لكن أحد معدي البرامج لمح بوست فالح، ونظرا لغضبه الشديد من الأسلوب المتدني، وضع هذا البوست كفقرة صغيرة في برنامجه الليلي.

المذيع النبيه الذي استشاط غضبا حين قرأ الفقرة وجد الفرصة السانحة لتوسيع وتطويل ومط الموضوع ومده إلى ساعة أو أكثر غارقا في التحليل والتفسير والتشنج والتمعط في مواجهة هذه الشماتة المتطرفة.
فالح الذي لم يكن يملك إلا مائتي صديق، فجأة تجاوز عدد أصدقاؤه الآلاف، وظلوا يمرحون في مجموعة من الردود والبوستات المتحذلقة بين السب والسب والاعتراض والتشجيع والتشفي والتملق والتحلق في وفاة الصحفي المشهور.

طبعا انتقلت الفكرة التافهة التي تمت مشاهدتها بالصدفة على صفحة فالح إلى صفحات وحسابات أخرى، وأصبح فالح مشهورا وعبرت فكرته لصميم الفايسبوك واليوتيوب وحتى التيكتوك، وينتظر متابعوه فلتاته العبقرية القادمة.

هذه القصة التي تتكرر باستمرار، تُبين لنا أن إعلامنا المترنح يصنع من الحبة قبة بلا داعي ويشجع ما يعرف ب (الهري) فالشماتة في وفاة وائل الإبراشي لم تكن بهذا الحجم على الإطلاق، لكن أصدقاءنا المذيعين والمعدين الذين لا يجهدون أنفسهم في البحث عن مواضيع مهمة ومؤثرة، استمروا في نفخها مرارا وتكرارا لتكبر وتعطي لمن لا يستحق من الشامتين شهرة وانتشارا، فيما لو لم نلتفت إليها لما شعر بها أحد واستطعنا التركيز في قضايانا الحقيقية.

لا ننسى أن الإعلام حاليا لم يعد ينتج بشكل فعال ولم يعد يؤثر في اتجاهات الرأي العام، وأصبح يعتمد اعتمادا كليا على استحلاب السوشيال ميديا كمصدر ليس فقط لأخباره وفقراته، بل لبقائه، فبرامج السهرة الحوارية غدت عبارة عن مذيع يثرثر ويصرخ معلقا على ما يبثه الناس على مواقع التواصل وملئا للفراغ يذكر أي شيء أو كل شيء دون أي تنقيح وطبعا يغازلنا باعتباره علامة ومفكر وصاحب رؤية فلسفية لم تخطر على عقل بشر وأحيانا يقابل ضيوفا في الاستوديو ليكرروا التعليق على نفس الأشياء بلا ملل ولا كلل.

المسألة أصبحت مزعجة ومملة فلا يوجد أحد يبحث عن رؤية جديدة والكل توصل إلى براعة هذه الخطة الساذجة (المحل اللي جنبنا فتح بتاع كشري .. احنا كمان نفتح بتاع كشري)، وفالح نعمله نجم.