انتشر على السوشيال ميديا.. وماذا بعد؟

رباب طلعت

باتت الصحافة الرقمية والورقية على حد سواء تتابع بشكل مستمر “الترند” الصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تبدأ القصة دائمًا بانتشار صورة أو فيديو، يحولها الصحفيون إلى خبر أو “فيتشر” يحتوي على العبارة الشهيرة “انتشر على السوشيال ميديا” وهنا لا تنتهي الحكاية بل تبدأ… فبمجرد تحول الأنظار نحو الحدث “الترند” تتسارع المواقع الإلكترونية وصفحات السوشيال ميديا على حد سواء على انتزاع أكبر عدد من مرات الإعجاب والتعليقات والمشاركة من المتابعين لها، أو المتابعين لهاشتاجات الحدث، والباحثين عن أحدث المستجدات، الكل يبدأ في نشر الصورة والفيديو دون الانتباه لعدة أمور أهمها الإجابة عن الأسئلة: ( هل يحق تصوير ونشر مادة مرئية لشخص عبر السوشيال ميديا دون إذنه؟ ما أثره على صاحب المادة المصورة وأهله؟ ما الهدف منه؟ كيف ستنتهي القصة؟).. والكثير غيرها!

انتهاك حرمة الحياة الخاصة

الجريمة الأولى تبدأ قبل النشر، من مرحلة التصوير، ولفظ الجريمة هنا ليس تهويلًا بل وصفًا دقيقًا، حيث إن القانون رقم 175 لسنة 2018، الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات، ينص على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، لكل من ينتهك حرمة الحياة الخاصة أو نشر معلومات أو أخبار أو صور تخص أي مواطن دون الرجوع إليه مسبقا، أي أن استخدام الهواتف النقالة في تصوير شخص ما حتى وإن كان القصد بنية مساعدته مثل إثبات حالات التحرش أو السرقة وغيرها، يعد جريمة يعاقب عليها القانون، وكذلك تسريب فيديو ونشره من أحد كاميرات المراقبة، يعد جريمة يمكن أن يقاضي صاحبها -من تم تصويره- من قام بتصويره أو نشره.

وعلى الرغم من تجريم القانون لمثل تلك الأفعال، إلا أن ذلك لم يحد من ظاهرة تصوير ونشر صور أو مقاطع فيديو مصورة لأشخاص في مواقف عابرة، منها ما أدان صاحب المقطع المصور، وكانت سببًا رئيسيًا في محاسبتهم بالقانون، لتصويرهم وقت ارتكابهم جرم ما، وبعضها ساهم في رفع الضرر عن أشخاص مستضعفين، أو رد الحق إليهم، وبعضها كان سببًا في تقديم الدولة الدعم لصاحب الفيديو وغيرها من الجوانب الإيجابية، إلا أن البعض الآخر سبب ضررًا بالغًا لأصحابها.

التأثير السلبي للنشر ما بين الواقع والدراما

“أنا مش عارف أخرج من البيت ولا عارف أمشي وافكاري بتروح لحاجات كتيرة والله”… بهذه الكلمات المؤلمة عبر عادل سالم، الممرض صاحب واقعة “الممرض والكلب“، عن تأثير انتشار الفيديو الذي سجل واقعة إجبار طبيب له على السجود لكلبه، ودخل في نوبة بكاء أثناء مداخلة هاتفية له مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج “كلمة أخيرة” المذاع على قناة ON، كما لفتت ابنته إلى أنه تعرض لوعكة صحية دخل على إثرها المستشفى، بسبب انتشار الفيديو، ومشاهدة الكثيرين له في ذلك الموقف الصعب.

نرشح لك: ابنة الممرض صاحب فيديو “الطبيب والكلب”: كلنا بنفتخر بيه وبندعمه

فعلى الرغم من تأكيد ابنة الضحية، افتخارها بوالدها، إلا أن ذلك لم يمنع الضرر عنه، وشعوره بأسى أكبر مما شعر به أثناء الواقعة نفسها، لمشاهدة معارفه فيديو اعتبره إهانة له، ولم يخفف عنه حقيقة أن انتشار الفيديو كان سببًا في معاقبة الطبيب صاحب الواقعة، ومصورها، ورد حقه له!

تلك الواقعة ليست الأولى التي يعبر فيها صاحبها عن الأسى البالغ الذي تعرض له جراء انتشار صورته أو الفيديو الخاص به على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تكرر ذلك الأمر في عدة حوادث، خاصة حوادث التحرش أو الاغتصاب سواء لفتيات أو لأطفال ما يعرضهن للتنمر أو الإساءة من المجتمع، ولضرر بالغ لأسرهم، وكذلك فيديوهات الانتحار التي بات انتشارها ناقوس خطر على السوشيال ميديا، حيث كشفت دراسة في جامعة تورونتو، الأسبوع الماضي، أن نشر فيديوهات الانتحار، قد تسبب زيادة حوادث الانتحار، حيث تعطي الدافع للبعض لاتخاذ قرار وضع حد لحياتهم بعد مشاهدتهم لها، خاصة أولئك الذين يعانون من الاكتئاب أو ضغوط نفسية تفوق قدرة تحملهم، بل وتعطيهم أفكارًا للانتحار سهلة التنفيذ، خاصة إذا ما كانت وسائل الإعلام قد نقلت تفاصيلًا دقيقة عن كيفية إنهاء الضحية حياتها.

وبعد انتشار عدد من حوادث الانتحار، وتناول وسائل التواصل الاجتماعي لها، وبالتالي وسائل الإعلام، قرر المجلس الأعلى للإعلام في سبتمبر الجاري، مناقشة بنود كود جديد لتغطية حوادث الانتحار ومحاولاته، وجاء في أحدها أنه “يمتنع على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بث مقاطع الفيديو أو روابط التواصل الاجتماعي لحوادث الانتحار ومحاولاته كأصل عام، (للاطلاع على باقي البنود هنا)، ولكن ذلك وإن كان هدفه السيطرة على انتشار المادة المصورة والموثقة للحظة الانتحار عبر الوسائل الإعلامية، فلن يستطيع الحد منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي!

نرشح لك: الأعلى للإعلام يوضح ضوابط تغطية حوادث الانتحار

 

وبالتزامن مع تلك الأزمة -أزمة انتشار مقاطع فيديو عبر السوشيال ميديا- بدأت الدراما في مناقشتها من خلال الكثير من الأعمال العربية والأجنبية، ففي أحدث إنتاجات “نتفليكس” مسلسل “click bite” ناقش صناع العمل التأثير المدمر لانتشار مقطع فيديو للضحية -أب الأسرة- على السوشيال ميديا، وتخطي الفيديو 5 ملايين مشاهدة خلال ساعات قليلة، جعلت حياته في خطر، حيث جاء في الفيديو رسالة تحذيرية واضحة “سأموت عندما يصل الفيديو إلى 5 ملايين مشاهدة”، وعلى الرغم من أن السبيل الوحيد لإنقاذ حياته هو عدم وصول المشاهدات إلى ذلك الرقم، إلا أن الجميع شاهدوه حتى أسرته لم يستطع أحد منهم المقاومة، بل وإعادة المشاهدة مرات ومرات! ولم يقتصر الأمر على مقتله فقط، بل طال الأمر أسرته بالكامل، سواء في أماكن عملهم أو مدرسة أبنائهّ.

في الدراما العربية أيضًا، كان مسلسل “الطاووس” الذي عرض في رمضان 2021، والذي تناول قصة اغتصاب مجموعة شباب لفتاة، وتصويرهم الواقعة، وانتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي على الرغم من أنه كان بداية طريق الثأر لها، ومحاكمة المجرمين، إلا أنه تسبب في وفاة والدها ظنًا منه أن ما حدث كان بإرادتها، وطرد شقيقتها وزوجها لها من منزلها، وما عانته الفتاة من شعور بالنبذ من المجتمع، وتحمل نظرات اللوم والتجريم بسبب الكشف عن صورتها، وفي مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” قدمت منة شلبي دور فتاة تتحول لقاتلة متسلسلة، باستغلالها لمريض توحد، انتقامًا ممن تسببوا في تدمير سمعتها، ولجوء أهلها لادعاء وفاتها، بعدما انتشر لها فيديو خاص مع كاتب مشهور تزوجته سرًا، الأمر الذي يشير إلى التأثير السلبي والمؤلم لانتشار فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص ما كانوا ليختاروا ذلك، حتى وإن كان في سبيل حصولهم على حقهم.

ليس النشر سلبيًا دائمًا!

على الرغم من الأمثلة السابقة، والتأثير السلبي لنشر الفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون إذن أصحابها، إلا أن ذلك التصرف -غير القانوني- قد صب في مصلحة البعض والذين عبروا عن سعادتهم بذلك، على الرغم مما تعرضوا له أيضًا من أذى بسببه، إلا أنهم قرروا النظر إلى الجانب الإيجابي.

من أقرب الأمثلة على ذلك، أيوب عبداللاه، البائع الصعيدي، صاحب ترند “الطفاية دي”، الذي انتشر له فيديو صوره أحد ركاب قطر الصعيد، وهو يسوق لمنتجات مصرية، صنعها وأسرته بنفسهم، وصار يعدد مميزاتها، ومنها “طفاية سجائر”، مرددًا عبارة “الطفاية دي”، التي تحولت إلى ترند على “تيك توك” ومنه إلى باقي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان الفيديو سببًا في التنمر عليه في البداية، ومن ثم كان بابًا لتحول كبير في حياته بعد انتشار قصته، حيث تبين أنه الأخ الأكبر لسبعة أخوة بعد وفاة والده، ويصنع بعض التحف والأنتيكات المصرية بمساعدة والدته وأشقائه، ما دفع وزيرة الصناعة والتجارة نيفين جامع لتقديم دعمها الكامل له، وأسرته لتشجيعهم على تطوير حرفتهم وتمويلهم، كما استغل أًصحاب أحد المطاعم الترند، وجعلوا أيوب يصور لهم إعلانًا عن منتجاتهم روجوه عبر منصات التواصل الاجتماعي.

نرشح لك: من “الطفاية دي” إلى “البيتزا دي”.. تعرّف على أصل ترند البائع الفصيح

وعلى الرغم من التأثير السلبي الكبير على المستوى النفسي والمجتمعي لانتشار بعض الفيديوهات التي توثق جرائم ارتكبها البعض ضد آخرين، إلا أنها كانت سببًا في معاقبة المجرمين، واتخاذ السلطات الإجراءات اللازمة للقبض عليهم ومعاقبتهم، مثلما حدث في واقعة التحرش بطفلة المعادي، التي حصل المتحرش بها على حكم قضائي بالحبس 10 سنوات، وذلك بعدما ساعدتها سيدة تدعى أوجيني أسامة، وخلصتها من سطوة المتحرش عليها، وقررت نشر الفيديو المسجل من كاميرا المراقبة التابعة للمكتب الذي تعمل به، لتفضحه وتطالب بحبسه، وهو ما نجحت به بالفعل، وعلى الرغم من ذلك واجهت عدد من الانتقادات بسبب ظهور وجه الفتاة في الفيديو، ما يزيد من احتمالية تعرضها وأسرتها لمضايقات من المحيطين بهم.

ما يدين الصحافة لا يدين السوشيال ميديا

على الرغم من الإشكالية الأساسية هي تصوير ونشر فيديو يظهر فيه أشخاص دون إذنهم، إلا أن هناك إشكالية أخرى لا تقل أهمية عنها، وهي هل نشر الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة يكال بمكيال واحد أم بمكيالين؟

والحقيقة إن الرد على مثل ذلك السؤال شائك، نظرًا لغياب كود صريح للتعامل مع مثل تلك الفيديوهات في وسائل الإعلام، ما يجعلها جميعًا تنقل عن السوشيال ميديا بالاستناد إلى عبارة “انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي”، ولكن ما يدين الصحافة لا يدين السوشيال ميديا، فالقراء إذا ما شاهدوا أحد تلك الفيديوهات على الصفحات العادية، يمر مرور الكرام، لأنها “صفحة عادية”، ولكن الأمر ليس كذلك إذا ما تم نشره في أحد المواقع الإلكترونية، ولعل للقراء حق في ذلك، حيث إن السوشيال ميديا “لا رابط ولا ضابط لها”، منصات حرة يستخدمها الجميع بمختلف ثقافاتهم و خلفياتهم التعليمية وأعمارهم لا يحكمهم ما يحكم مهنة الصحافة من آداب وأخلاقيات يجب مراعاتها أثناء التعامل مع مثل تلك المواد المصورة، خاصة إذا ما كانت تمس بأمن أصحابها، أو قد تعرضهم للأذى بأي شكل من أشكالها، ما يحتم على الصحفيين التعامل معها بحرص أكبر من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، والتعقل في تناول “الترند”.

محمد جمعة يكشف حصريا لإعلام دوت كوم عن مشروع فني جديد يعيد فيه تقديم شخصية عم ضياء