"Clickbait".. خديعة السوشيال ميديا التي أدانت الإعلام!

Clickbait

رباب طلعت

تقترب سلسلة الإثارة والجريمة “Clickbait” أحدث إصدارات “نتفليكس” من إتمام شهرًا كاملًا من تصدر قائمة “الترند” على المنصة الشهيرة، حيث قدم الثنائي ”كريستان وايت وتوني أيريس“ سيناريو متماسك، وثري، يدور حول فكرة جديدة ومعاصرة اختاروا لها اسم “طعم النقرة” الذي يعكس الخديعة الأبرز في عصرنا الحالي، وهي الوقوع ضحية “النقر والتفاعل” مع قضايا السوشيال ميديا، والحكم على أطرافها من وجهة نظر بناء على الزاوية التي تم نشر الرواية بها، وما يترتب عليه من تغيير في حياة كل أطراف الحدث “الترند”.

العمل من إخراج براد أندرسون، وإيما فريمان، وتشارلي نولانغ، وبين يونغ، ويدور حول رب الأسرة نك بروير (أدريان جرينير)، الذي يظهر في مقطع فيديو على الإنترنت ويحمل لوحة مكتوب عليها ”أنا أسيء للنساء، وبعد خمسة ملايين مشاهدة سأموت“، وتظهر عليه علامات الاختطاف والضرب، ما يعني أن حياته في خطر! وتبدأ رحلة البحث عنه ليس فقط من الشرطة وأسرته لإنقاذه إنما من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين دشنوا تطبيقًا للبحث عنه، وبالفعل هم من نجحوا في الوصول إلى جثمانه، وإبلاغ الشرطة، ولم يكتفوا بذلك بل استمروا في البحث مع الشرطة على إجابة عن السؤال الأبرز التي تبحث أسرة الضحية عنه “من هو نك بروير؟”، والحقيقة إن الإجابة تسلط الضوء على سؤال أعم وأشمل “ما هي حقيقة الترند؟ وحقيقة الأشخاص الموجودين خلف الشاشة”.

 

نرشح لك: ماذا حدث في مدرسة الروابي؟.. نتفليكس تقدم الإجابة

 

الحلقات الثمانية، تكشف الإنعكاسات والتحولات المختلفة في شخصيات الحدث الرئيسية وتضع الجميع تحت المجهر بشكل مميز، يعكس تأثير “الترند” على كل أفراد الأسرة، وكل من يرتبط عملهم به، سواء كان “نك” أو شقيقته الوحيدة بيا (زوي كازان) أو زوجته صوفي (بيتي غابرييل)، وحتى المحقق الإيراني المسلم الذي يكافح للترقية والانتقال إلى قسم الجرائم روشان (فيونيكس راي)، وولديه، وأيضًا المراسل الصحفي بن بارك (أبراهام ليم)، الذي تدفعه نشوة اللحاق بـ”الترند” لأفعال غير أخلاقية، تترجم بعض الأسباب التي وضعت الصحافة والإعلام في مأزق بشكل كبير في عصر السوشيال ميديا، وهو ما سنسلط الضوء عليه في السطور التالية.

المرحلة الأولى.. الطعم!

أن تعمل في الصحافة والإعلام في عصر السوشيال ميديا، يعني أنك لابد من أن تكون متابعًا جيدًا للترند أو صانعًا له، فهو الآن المتحكم الأساسي في مفاهيم رئيسية مرتبطة بالصحافة الرقمية مثل الترافيك (عدد مرات مشاهدة القصة الصحفية على الموقع الإلكتروني) والريتش (عدد مرات وصول المحتوى الرقمي على السوشيال ميديا) وذلك المحتوى إما مكتوب أو مسموع أو مرئي، وغيرها من المصطلحات التي أصبحت تحدد مقاييس النجاح والربح، التي باتت بعيدة عن أعداد التوزيع والبيع، فالربح مرتبط بما يعكسه اسم العمل “طعم النقرة”، وهو مصطلح يعني إثارة فضول المستخدم بصورة أو فيديو أو عنوان وغيره للنقر على الرابط لمزيد من الأرباح.

إذن فالقصة تبدأ من الاسم، وتسير في خطين متوازين، الأول “الطعم” الحدث الذي تحول لترند، وهو ظهور رجل وسيم ملطخ وجهه بالدماء، ويحمل لافتات تدل على أن حياته في خطر ويتعرض للتعذيب، بسبب ما كتبه على اللوحات بخطه بأنه متلاعب بالنساء وأنه سيموت عند وصول عدد المشاهدات إلى 5 ملايين، بالتالي سيتحول كل المشاهدين إلى شركات في قتله، ليس فقط بالمشاهدة، إنما بمشاركة الفيديو في محيطهم بسرعة كبيرة تفوق توقعات الأسرة والشرطة التي تريد حماية المخطوف، ولكن الطعم هنا أيضًا كان للصحافة المتجسدة هنا في شخصية المراسل الصحفي بن بارك الباحث عن السبق والانفراد، ليحقق الخط الثاني “النقرة” بمختلف معناها سواء النقر للمشاهدة أو القراءة وغيره.

 

المرحلة الثانية.. البحث عن الانفراد

في الماضي، وقبل ظهور السوشيال ميديا، كان من المفترض أنه بعد التهام الجميع للطعم، سواء كان الجمهور العادي أو العاملين في مجال الصحافة والإعلام، تنقسم الأدوار، حيث يظل المشاهد مشاهد يترقب الجديد وما سوف تنشره وسائل الإعلام من انفرادات وتطورات للقضية، أو تعلن عنه الجهات المختصة رسميًا أيضًا عن طريق الإعلام، إلا أن الأمر اختلف الآن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الجميع يبحث عن السبق والانفراد على حد سواء، ما وضع الصحفيين والمراسلين في مأزق حقيقي “كيف ننفرد؟”، وذلك ما عكسه العمل بتزاحم المراسلين والصحفيين أمام منزل الضحية، ومطاردتهم لأسرته وللشرطة لكي يحاول كل منهم الانفراد بلقطة أو تصريح، ولكن تم مناقشة ذلك بشكل مكثف في الحلقة التي تحمل اسم “المراسل الصحفي”، والتي كان بطلها أبراهام ليم الذي قدم شخصية “بن بارك”، الذي نجح في الحصول على الانفراد الكاذب!

 

 

المرحلة الثالثة.. ورطة الـ fake news

“بن بارك” كان التجسيد الحي للأزمة الكبرى التي يعاني منها الإعلام في العصر الحالي، وهي الوقوع كفريسة للـ fake news، أو الأخبار المزيفة، ليس فقط بسبب النقل دون التحري عن الحقيقة من السوشيال ميديا، إنما أيضًا تضليل المصادر وقلة وسائل التحقق من المعلومات التي يحصل عليها المراسل الصحفي منهم، وكذلك سهولة الحصول على المعلومات حتى وإن كانت شديدة الخصوصية مقابل المال، الأمور التي إما أنها تهدد مصداقية الصحفي في حالة ظهور الحقيقة التي هي عكس ما حصل عليه ونشره، أو أنها توقعه في المحظورات، وتجعله يلجأ لأمور لا أخلاقية وبعيدة تمامًا عن المهنية، وتدين الصحافة والإعلام بشكل عام.

ذلك الأمر تم تجسيده من خلال الانفراد الذي حصل عليه المراسل “بن بارك” الطامح في الترقي إلى كرسي المذيع، والذي حصل عليه بالفعل، من خلال شراء بيانات شخصية للضحية، للحصول على أسماء الفتيات الذي واعدهن، ومواجهة زوجته باسم إحداهن والتي كانت قد انتحرت، وقد وصل إلى تلك المعلومة، بعدما وصل إلى محادثة نصية بينه وبين “سارة” المنتحرة، ما قلب الرأي العام ضد القتيل وأسرته وممارسة العنف ضدهم دون انتظار نتائج التحقيق، وهو الأمر الذي بات يتكرر كثيرًا، حيث أصبحت وسائل الإعلام تبحث عن المعلومات لمجرد الانفراد، لا للوصول للحقيقة، وأصبحت توجهات السوشيال ميديا هي الدافع لها، وليس التحقيقات الرسمية، حيث أدان “بن” هنا الضحية، بينما برأته التحقيقات في النهاية!

نرشح لك: “خلف كواليس our planet”.. مغامرات وتحديات واقعية

المرحلة الرابعة.. اليقين الكاذب!

في تلك المرحلة من احتدام المعركة بين السوشيال ميديا، والإعلام، ومحاولة كل منهم، نشر العدد الأكبر من المعلومات الجديدة عن الحادث، يأتي التأثير الأضخم والأكثر ضررًا، وهو التسليم بصحة كل ما يتم نشره، حتى الروايات الكاذبة التي يتم تلفيقها من البعض، والتحليلات الفلسفية للبعض الآخر لمجرد زيادة الإثارة في القصة، وذلك يدفع حتى المقربين من ضحية الترند بتصديق ما يتم نشره، على الرغم من معرفتهم الجيدة بها، وذلك ظهر في تصديق “صوفي” زوجة القتيل، وولديه بأنه كان بالفعل لديه الكثير من العلاقات النسائية، وخانها أكثر من مرة، وربطت ذلك بأنه انتقامًا منها لاعترافها له بخيانته مع زميلها في المدرسة التي تعمل بها.

“صوفي” اكتفت بما تم نشره، حتى إنها قررت عدم البحث عن القاتل الحقيقي، مع محاولات “بيا” شقيقة زوجها بإقناعها بأنها متأكدة بأن هناك من استغل صورة زوجها وأنه ليس هو من تلاعب بالفتيات، وقد ألقوا القبض على الشخص الخاطئ، إلا أنها لم تصدق التحليلات الواقعية، بسبب تأثرها بما يدور على السوشيال ميديا، وما واجهها به الصحفي، الذي تم تضليله من الأساس بالمعلومات التي حصل عليها، وبشهادة “ايما” الفتاة التي كذبت بشأن إقامتها علاقة مع الضحية، وهي لم تره في حياتها، وهو ما أصبحنا نراه بالفعل كثيرًا في الكثير من القضايا التي تتحول لترند على مواقع التواصل الاجتماعي، للدرجة التي تجعل البعض يشككون في الأحكام القضائية وتحقيقات النيابة.

 

المرحلة الخامسة.. اختفاء الترند

على الرغم من تعلق الترند بقضية قتل، واحتمالية ارتكاب المقتول لجرائم اغتصاب، والشك الذي أصاب الجميع طوال الحلقات، إلا أنه وبمجرد اعتلاء القضية لقمة الترند، اختفت فجأة، واختفى أيضًا الاهتمام الإعلامي بها، أو ظل بعضه على استحياء، ففي الحلقات الأخيرة، بعد الوصول إلى المشتبه به، وانتهاء فقرة الفضائح التي نالت من الأسرة، لم ينتظر أحد الوصول إلى الحقيقة بالفعل، بل ظلت أسرة القتيل والشرطة هي من تبحث عن الحقيقة، دون الاهتمام عن الإعلان الرسمي عن نتائجها في الإعلام مثلما حدث في ذروة الشك والبحث عن القتيل، لأن الأمر لم يعد “ترند”، وقد اختفت الكاميرات من أمام المنزل، والتي بالطبع دون الإشارة الصريحة لذلك، قد اتجهت لـ”ترند” آخر، وهو الواقع الذي نراه يوميًا.

محمد جمعة يكشف حصريا لإعلام دوت كوم عن مشروع فني جديد يعيد فيه تقديم شخصية عم ضياء