فهيم أفندي.. أو عقل السيد عبد الغفور البرعي الذي لم ينل تقديرا

عصام شاهين

منذ يومه الأول في القاهرة؛ قرر عبد الغفور البرعي أنه سيكون رقما مختلفا في أرض الوكالة العامرة.. يشق طريقه من بين أقرانه إلى قلب المعلم إبراهيم سردينة.. وينشق قلبه عن نوايا عقله نحو العمل والإتقان فيختار العزيزة فاطمة كشري ليساعد القلب والعقل في طريق لن يعد عنه، يسير في سياقين صنعا الرجل الأول للوكالة على مدار عقود.. القلب وتجلس على بوابته السيدة كشري.. والعقل ويقف على خزائنه.. الرجل الأعز على قلب عبد الغفور البرعي -أو هكذا قال- الرجل الذي يمتلك حلول كل شيء.. فهيم أفندي، الذي جسده الفنان فاروق الرشيدي.

في مقهى متواضع يطير “حمامة” بين الزبائن ليلبي مطالبهم المعتادة.. تتعالى أصوات الدمينو والشطرنج.. تتطاير الحاشية لتحمي عرش الملك الذي ربما يقرر في نهاية اللعبة القيام بالمهمة وحده.. وأمامها يرشف فهيم أفندي الشاي في نهم.. ويدلي بحديثه نحو قضايا العصر، يتحدث عن الوكالة ورجالها في راحة وتمكن وكأنه من كوّن هذه المنطقة المعقّدة.. ينظر إليه عبد الغفور في شغف وحذر.. ثم يحاول التهام إحدى معلوماته الثمينة.. يغلق فهيم أفندي الأبواب مبدئيا.. ثم يتطور السياق ليكون أحد أضلاع إمبراطورية المعلم عبد الغفور.إذا كانت النصائح المخلصة للمعلم سردينة قد أنارت طريق عبد الغفور؛ فإن فهيم أفندي هو عقل عبد الغفور البرعي.. هو قلمه وكتابته ووجهة نظره، يكمل نواقصه ويطرح أمامه كل المعطيات عن السوق والبورصة حتى الوضع السياسي والأمني.. يكبر عبد الغفور ويتسع عقله.. أو يتسع دور فهيم أفندي في عقله.. يطرح فهيم المعطيات يلتقط عبد الغفور الخيط.. يعيده إلى فهيم فيسدي إليه التصرف الصحيح.

نرشح لك: أبرز 4 دروس للبيزنس إذا تحدث عبد الغفور البرعي في فعاليات TEDX


الافتتاح الأول يجلس عبد الغفور في وكالته فخورا، على يمينه في مكانٍ محصّن؛ أسس لعقله مكتبا هادئا تراه من نافذة على أبوابها قطع حديدية.. أو هكذا يبدو عقل عبد الغفور بالفعل.. لا يصّرح بكل شيء.. يُبقي نفسه على مسافة واضحة من الجميع.. حتى أقرب الناس إليه زملاء كفاحه كسيد كشري.. يضع لعمله قواعد لا تُخترق حتى من قلبه فاطمة فيرفض وساطتها لزيادة راتب شقيقها الأكبر.

يبدو لقاء الصباح بين المعلم عبد الغفور وفهيم أفندي غنيا كنشرة الصباح.. يعرض فيها فهيم أفندي أخبار الوكالة، ثم المديونيات، موعد المزاد، وفرص الفوز، ومفاوضات المنافسين، يُصدر عبد الغفور تعليماته فينفذها عقله، يتحرك في ملف الطائرة بمهارة ودقة، ينيبه عبد الغفور في الذهاب لمدرسة ابنه، فيُظهر براعة في التفاوض، يتعاون في إنجاز عمارة الزمالك، ويوكل إليه تنظيم فرح سنية الحدث الأشهر خلال الأحداث؛ فيصبح بعد نحو 25 عاما من عرضه، العرض الأول بين كل الحلقات، ثم يسلك مع زوج سنية وحماها الوزير الطرق القانونية فيحصل لها على حكم واجب النفاذ، ثم يتعامل مع بيوت سنية وبهيرة الحزينة بعد الفراق.. مهام تعامل معها بمثالية ربما لم تكن متبادلة.

بعد كل شيء.. هل حصل العقل فهيم أفندي على تقدير لائق من رفيقه؟

ضحّى فهيم أفندي بمنصبه كرجل أعلم بكل شئ في الوكالة، وقصر خدماته على السيد عبد الغفور البرعي، يزداد عبد الغفور نجاحا ويخفت نجم فهيم أفندي.. يزداد عبد الغفور ثرائا.. وفي سياقه الدرامي لم يظهر تقدما لفهيم أفندي.. يصور لنا الحياة الشخصية لغريمه محفوظ ومساعده سيد كشري وغيرهم، ولا نصل إلا لفهيم أفندي وهو يقص معلوماته وإنجازاته على مسامع عبد الغفور مكتفيا الأخير بالقول: “عفارم عليك”.. ينجز فهيم المهمة ثم يثني بذاته على عبد الغفور.. لماذا لم يحصل فهيم على منزل لائق في عمارة عبد الغفور؟، لماذا لم يحصل على مكافأة لائقة؟، لماذا لم تتحسن ظروفه؟ ولماذا حتى لم يسمع الإشادة يوما؟

يمرض فهيم أفندي مرضه الأول في الأحداث، لكن مرضه يتضاءل أمام سياق درامي أقوى وأكثر تأثيرا، وفاة “مصطفى بيه” الوزير السابق بعد ساعتين من الزيارة، ينسى فهيم مرضه، ويمارس عمله الأول بإبداء رأيه للمعلم، يتطور مرض فهيم ويغيب للمرة الأولى عن عقل عبد الغفور، نشعر بتأثير الغياب، الرجل الذي يقرأ ويكتب ويفكر لعبد الغفور أبعده المرض الأخير.. وفي أيامه الأخيرة تصلنا تنويهات صغيرة عن آخر التطورات الصحية من سيد كشري.

يموت فهيم أفندي.. يحصل فهيم أفندي أخيرا على قدره.. يظهر ضعف عبد الغفور الأشد.. ويثور على عاداته؛ فيبكي ويمرض ويغيب عن الوكالة لليوم الأول ويغلق أبوابها للمرة الأولى، يعود للمنزل مبكرا، وقد انهار، يتحدث عن رفيقه لفاطمة وسيد حتى حين يقرر خضير خليفةً له، تتغير حياة خضير بعد عدة مشاهد وقد صرح أنه يحصل على راتب لم يكن يحلم به أبدا من في سنه، ويترك لنا السياق مصيرا مجهولاً لما وصل إليه وضع فهيم المادي أثناء العمل وبعد الوفاة، يعدد عبد الغفور خصال مساعده الأول والأهم في طريق صعوده.. ينهال بالمدح والقيمة ولكن بعد أن انهال التراب على جسد الفهّيم الأول في حياة المعلم عبد الغفور البرعي.