"العارف: عودة يونس".. فيلم مصري أمريكي جدًا

أندرو محسن

العارف عودة يونس

بخطوات مدروسة جدًا يسير أحمد عز في السينما خلال السنوات الأخيرة ليحصد النجاح وراء الآخر ويتصدر الإيرادات في أغلب المواسم التي ضمت أفلامه.

مؤخرًا عُرض رهانه الأحدث “العارف: عودة يونس” والذي كان معدًا لأن يُعرض العام الماضي لكن تأجل نتيجة ظروف الكورونا. كالعادة ينافس الفيلم على صدارة الإيرادات، رغم عرضه بعد فيلمين آخرين لنجمين هما تامر بفيلم “مش أنا” وكريم عبد العزيز بـ”البعض لا يذهب للمأذون مرتين”، لكن “العارف” استطاع في أسابيع أقل أن يقترب من صدارة الإيرادات.

نرشح لك: العارف.. بدلة “عز” التي أحبها شباك التذاكر

رغم أن الفيلم يندرج ضمن نوع أفلام الحركة (Action) الذي قدمه عز ونجح فيه من خلال أفلام سابقة، فإننا سنجد بسهولة عدة اختلافات في “العارف” عن أفلامه السابقة، بعضها كان جيدًا والبعض الآخر يحتاج إلى المناقشة.
الفيلم من سيناريو محمد سيد بشير وإخراج أحمد علاء الديب، الذي يعد “العارف” تعاونه السينمائي الثالث مع أحمد عز، بالإضافة لمسلسل “هجمة مرتدة”.

بطل خارق “جدًا”

في عام 2007 عرض الجزء الرابع من سلسلة “Die Hard” الشهيرة بعنوان “Live Free or Die Hard” (عشِ حرًا أو مت بصعوبة)، بطل الفيلم هو الشرطي سيئ الحظ جون ماكلين (بروس ويلز) الذي يجد نفسه في هذا الجزء في مواجهة عصابة تستخدم التكنولوجيا للتحكم والسيطرة على كل المرافق الأساسية في الدولة. ماكلين شرطي متمرس لكنه لا يفقه أي شيء يخص التكنولوجيا، ولهذا يستعين بشاب يجيد البرمجة الإلكترونية ليساعده. رغم المواصفات البطولية التي أسبغها صناع الفيلم على شخصية جون ماكلين، فإنهم لم ينسوا أن يضعوا له بعض نقاط الضعف، لأن هذا يمنح الشخصية أبعادًا أفضل، ويجعل الصراع مع الشخصية الشريرة أكثر إثارة. العارف عودة يونس 

رغم تأثر سيناريو “العارف” الواضح بالأفلام الأمريكية، سواء في رسم الشخصيات أو في الأحداث فإنه جعل البطل خارقًا أكثر من اللازم كما سنذكر.
تدور أحداث “العارف” في إطار من الأكشن، يحاول الضابط يونس (أحمد عز) الإيقاع بالقرصان الإلكتروني راضي (أحمد فهمي) الذي يجمع بعض المعلومات لصالح جماعة إرهابية. يبدأ الفيلم بأن الحرب حاليًا هي حرب معلومات، وهكذا نتعرف على شخصية يونس الذي كان أيضًا يعمل في القرصنة الإلكترونية قبل أن توقع إحدى الجهات الأمنية به وتجنده لصالحها. هنا بدأت المفارقة في بناء الشخصية، فما الذي يجعل شخصًا خبيرًا في البرمجة والكمبيوتر يتدرب ويصبح مقاتلًا من الدرجة الأولى؟ لماذا لم يتم توظيفه في مجال خبرته؟ ولماذا يجب أن يكون البطل يجيد كل شيء؟

هذا الإفراط في تفاصيل شخصية يونس جعلها تحتوي على مبالغات لم يكن السيناريو يحتاج إليها، خاصة ونحن نجد أن جانب القرصنة الإلكترونية يتراجع سريعًا أمام عمليات المداهمة والمطاردات والقتال اليدوي، وعلى الجانب الآخر أثر هذا البناء بالسلب على الشخصيات الأخرى، فطالما البطل يجيد كل شيء، ما حاجتنا لشخصيات أخرى؟ النموذج الأبرز لهذا القصور كان لشخصية شاب يعمل مع يونس في الجهاز الأمني، متخصص أيضًا في البرمجة، لم نشاهد له أي دور أكبر من “التكتكة” بالقلم!

لكن هذا الضعف في الشخصيات لم يمتد للشخصية الشريرة راضي التي لعبها بأداء مميز أحمد فهمي، أو لشخصية مايا (كارمن بصيبص) التي كانت لديها بعض التفاصيل الجيدة والحضور المؤثر، رغم أنها كانت تحتاج إلى المزيد من التوضيح في ما يخص دورها الحقيقي في العملية وعلاقتها بيونس، وكانت تحتاج إلى مساحة أفضل بعيدًا عن التعليقات الساخرة المبالغ فيها من شخصية يونس.

يونس “بوند”

العارف عودة يونس فيلم مصري

إذا تغاضينا عن المآخذ على السيناريو، سنجد أن الفيلم على المستوى التقني وعلى مستوى إخلاصه للنوع قدم تجربة ممتعة وجيدة إلى حد كبير. مشاهد الأكشن كان تنفيذها جيدًا والأهم أنها شهدت تنوعًا واضحًا سواء على مستوى طبيعة القتال نفسه أو في طريقة تصويرها وتنفيذها، أبرزها كان مشهد القتال بين يونس وراضي على سطح إحدى ناطحات السحاب أمام لوحات إعلانية ملونة.

تظهر تكاليف الإنتاج الضخم في أغلب مشاهد الفيلم، إذ دارت الأحداث في عدة دول مثل إيطاليا وليبيا وغيرهما، وقد حاول المخرج أحمد علاء الديب استغلال هذه التنوع في الأماكن وتوظيفها بشكل جيد، مما جعل الفيلم ثريًا على المستوى البصري، وعوض بعض المط في الفصل الأخير، بعد مواجهة وتتابعات كان يمكن أن ينتهي عندها الفيلم وستكون نهاية جيدة، لكن صناعه قرروا أن يستكملوه بشكل آخر، ربما كان ممتعًا من ناحية مشاهد الحركة والتشويق، لكنه بالتأكيد لم يكن بنفس القوة على مستوى السيناريو أو الحوار.
لكن رغم ما ذكرناه من جودة هذه المشاهد، فإنه من الصعب التغاضي عن المحاكاة الواضحة لعدد من مشاهد الأكشن الأمريكية، بالذات من سلسلة العميل الأشهر جيمس بوند، وتحديدًا من الأفلام الأخيرة التي قام ببطولتها دانيل كريج. فمشهد القتال أمام لوحة الإعلانات الذي ذكرناه في السطور الماضية، يوجد مشهد مشابه له في فيلم “Skyfall”، وأحد المشاهد المصورة تحت الماء، يشبه أيضًا مشهدًا في فيلم “Casino Royale”. بالتأكيد التأثر بمشاهد الأكشن من الأفلام الأمريكية الرائدة في هذا النوع أمر طبيعي، ولكن مع زيادة عدد هذه المشاهد في الفيلم تجاوز الأمر التأثر التقليدي.

ربما كان هذا البناء مقصودًا لصناعة بطل شبيه بأبطال سلاسل الأفلام الأمريكية المشابهة، وليس من المستبعد أن نشاهد جزءًا ثانيًا للعارف بالفعل فالأحداث والشخصية تسمح بهذا، لكن كان بالإمكان محاولة إضفاء شيء أصلي على الشخصية والأحداث بدلًا من محاكاة مجموعة من الأفلام الأمريكية.
وهنا يجب أن نتوقف لذكر المستوى البدني الجيد الذي يقدمه أحمد عز للمشاهد القتالية، بينما يفتقد هذه الجودة في بقية المشاهد التمثيلية في الفيلم، ليخرج أداؤه مشابهًا لما قدمه في أغلب أفلامه الأخيرة، بشكل يصعب معه التفرقة بين شخصية يونس وشخصية سيف التي لعبها في “الخلية”.

فيلم “العارف عودة يونس” تجربة سينمائية جيدة لعشاق أفلام الأكشن المصرية، وعمل متماسك على الجانب التقني، لكنه بالتأكيد كان يمكن أن يخرج بصورة أفضل على مستوى السيناريو، وربما يؤخذ هذا في الاعتبار إذا ما شاهدنا أجزاء تالية للفيلم.