عابد تيمور.. النرجسي الذي لم يحب نفسه

دنيا شمعة

“فيه ناس كده اتكتب عليها إنها تشيل مسئولية العوام.. الناس دي أنا منها اللي بيسموهم إيليت”، شعار رفعته شخصية “عابد تيمور” منذ بداية ظهورها في الحلقات الأولى من مسلسل “اللي مالوش كبير”.. وقد كان بالفعل، ففي رأيي استطاع الفنان خالد الصاوي أن يحجز لشخصية “عابد تيمور” مقعدا ذهبيا بين الشخصيات “الإيليت” في دراما رمضان.

النرجسية الشديدة، الأنانية، العنف، التحكم، ، كانت هذه هي الملامح الأولى لشخصية “عابد” والتي بدأت في الوضوح تدريجيا حتى آخر مشاهد ظهوره وانتحاره في الحلقة ال24 من المسلسل، والتي اختلفت أراء الجمهور حول تحديد موقفهم منها بين الكره والتعاطف طوال الحلقات.

نرشح لك: زيزي وتيتو يجمعهما  “ADHD” في “خلي بالك من زيزي”

كانت بداية ظهور الشخصية للجمهور في صورة الزوج الغني الذي يعنف زوجته باستمرار، والتي قدمها خالد الصاوي بطريقة مختلفة ومفردات غريبة، تجعل المشاهد لا يستطيع الثبات على شعور واحد طوال المشهد، ففي نفس الوقت الذي نتعاطف مع زوجته “غزل” أثناء ضربها وإهانتها لا يمكننا إلا الابتسام لا إراديا أمام جملة يلقيها في وسط المشهد ك” لا يا بيبي لازم ضرب”، و”انتي معووجة عشان في delay في معاد العلقة”، و”رايحة فين وانتي حافية كده!”، والتي قد تبدو في سياقها كجمل عادية ومهينة من زوج مريض لزوجته المعنفة، لكن بلمسات خالد الصاوي السحرية وأدائه السيكودرامي والكوميدي في بعض الأحيان لا تصبح جمل عادية على الإطلاق.


بدأت الشخصية في الوضوح بصورة أكبر خلال الحلقات وخصوصا في مشاهده مع “غزل”، التي تجسدها الفنانة ياسمين عبد العزيز، النرجسية وحب النفس كانوا أبرز الصفات وضوحا خصوصا بعد المشهد الذي حاولت قتله فيه.. “انتي أجبن من إنك تموتي الكيان عابد تيمور بس يا بيبي لما تحبي تموتيني بليز خلي عندك دم وخليها موتة تليق بيا ده إني أموت على إيديك دي فضيحة لوحدها”، بين الجبروت وحب النفس والتفكير في “البرستيچ” حتى بعد موته ولغة الجسد التي بينت عدم خوفه أو حتى التفاته لمحاولة قتله ومدى كرهها له، انتقل “الصاوي” بتعابير وجهه سريعا لجملة “مقدرش للأسف بحبك ومقدرش أسيبك تبعدي عني حتى لو كنتي بتفكري تموتيني”، بتعابير وجه باردة لكن بنظرات تحمل عبء الحب على شخصية مثله من المفترض ألا تحب غير نفسها.

جانب تاجر السلاح أيضا ظهر بصورة مختلفة في شخصية “عابد تيمور”، فلم يتطرق المؤلف لتوضيح هذه النقطة بشكل كبير وفي مشاهد كثيرة خلال الحلقات لكن بمشاهد قليلة سواء كانت متعلقة أو غير متعلقة بتجارته للسلاح، ظهرت في طريقة الكلام والتهديدات بل وحتى طريقة الإقناع والمواجهة، فرأينا قوة تاجر السلاح وخوفه على تجارته عندما هدده “الخديوي” بها، ورأينا قوة إقناعه ل”مالك” و”رفعت” واستغلاله لسلطة المال والقوة للتأثير عليهم، ورأينا هوجائية وعنف تعامله مع كل من حوله وتهديده لهم، لكن بمزيج من الطبطبة والغضب والسخرية والكره ليقدم شخصية تاجر السلاح بصورة جديدة وغير مكررة.


محاولات “عابد” المستميتة لرجوع “غزل” بداية من الضغط على أهلها وتهديدهم بتشريدهم، وحتى انتقامه منها بعد انفصالها عنه بالقوة وتسببه في دخولها السجن ومحاولة قتلها بعد زواجها من شخص آخر، أوصلت للمشاهد شعور أكيد لمعاناة “عابد” من متلازمة الحب الاستحوازي المرضية، والتي يشعر فيها الشخص من رغبة ساحقة في امتلاك شخص آخر حتى وإن كان عن طريق إيذائه مع عدم تقبل رفض الشخص الأخر، لكن مع ظهور بعض التفاصيل الصغيرة حول “عابد” أثناء انتقامه كاحتفاظه بصورها في كل شيء حوله وحتى في خلفية هاتفه، وتراجعه في اللحظة الأخيرة عن قتلها، أوضح الخلفية النفسية الحقيقية لشعوره تجاهها وهي شكل من أشكال ال”Erotomania” أو “هوس العشق” التي يكون فيها الشخص متيم بحبه لشخص أخر من طرف واحد ويدفعه ذلك لتصرفات جنونية تجاهه.


ذهبت توقعات الجمهور كلها أن الصراع بين مثلث الحب الذي يتكون من “عابد” و”غزل” و”الخديوي” لن ينتهي إلا بموت أحد الأضلاع والتوقعات الغالبة كانت تذهب لقتل “الخديوي” أو “غزل” على يد “عابد”، لكن في الحلقة ال24 جاءت المفاجأة، وهي انتحار “عابد” في مشهد مونودرامي يجعل المشاهد يشعر بأنه يحضر مسرحية تجريبية محكمة، المشهد أوضح الشخصية الحقيقية ل”عابد تيمور” التي عانت من العديد من العقد النفسية خلال خطها الدرامي.. “بنت بسيطة وتعليم نص نص بس انت حبيتها وهي احتقرتني، المفروض أنا حبيتها هي كمان تحبني، بس هل عمرها شافت الحب ده في عنيك؟.. عابد يا تيمور خلينا نتكلم بصراحة انت مبتعرفش تحب.. هي كانت تحلم أصلا ان عابد تيمور يحبها؟ بس انت أكبر منها وأتخن منها بكتير وبكرش لا وبتشخر وانت نايم وكنت بتضربها”… أوضح “الصاوي”، بمنتهى الحرفية التي لا يحتاج إلى شهادتي له بها، صراع “عابد تيمور”.. النرجسي الذي لا يحب نفسه، فبين استنكاره كيف لفتاة بسيطة ك”غزل” ألا تحبه ومواجهته لنفسه بالحقيقة في مشهد جمع فيه بين الحزن والألم والاستخفاف بنفسه والاعتزاز بها في نفس الوقت وإنهائه لحياته في نفس الوقت الذي أكرمها فيه بملابسه المفضلة والطعام والنبيذ والسيجار الفاخر..رأيت الوجه الأخر لوحش لم أستطع إلا التعاطف معه رغم شره وعنفه طوال الحلقات الماضية.

كما ساعدت “الصاوي” في إخراج هذا المشهد بهذه الصورة المونودرامية الرائعة عدد من الأدوات أهمها الحوار المتماسك والقوي الذي كتبه السيناريست عمرو محمود ياسين، والإخراج الدرامي الرائع للمشهد بصفة عامة واستخدام المرايات بصفة خاصة، لتكون هي النهاية المثالية لشخصية كعابد تيمور.