أرقام وإحصائيات.. كيف تأثرت وسائل الإعلام العالمية بعد ترامب؟

أسماء مندور

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يقول دومًا إنه “أفضل شيء حدث لوسائل الإعلام على الإطلاق”، وفي عام 2017 قال أيضًا: “الصحف والتلفزيون وجميع أشكال وسائل الإعلام ستنهار إذا لم أكن هناك، لأنه بدوني، فإن نسب مشاهداتهم ونسب إقبال الجمهور عليهم ستتراجع”.

هل كان الرجل على حق؟

كتب بول فارهي من صحيفة واشنطن بوست أنه “ربما كان معه حق، لأنه بعد شهرين فقط من حقبة ما بعد ترامب، خسرت المنافذ الإخبارية بالفعل الكثير من الجمهور والقراء الذين اكتسبتهم خلال فترة رئاسته الفوضوية، بعبارة أخرى، قد يكون نفوذ ترامب في الصحافة ووسائل الإعلام هو السبب في تدهورهم”.

نرشح لك:واشنطن بوست: الأفلام الوثائقية تغير الرأي العام حول المشاهير

أيد فارهي كلامه بالأرقام وخرج ببعض البيانات لدعم حجته، حيث شهدت أهم المواقع الإخبارية في البلاد- بما في ذلك The Post و The New York Times- انخفاضًا حادًا في نسب التوزيع وعدد زوار تلك المواقع في فبراير بعد تسجيلها أرقامًا قياسية في يناير، لهذا كان شهر فبراير لهذا العام أسوأ من شهر فبراير من العام الماضي، وأكد فارهي بدقة إلى أن نسب مشاهدات القنوات الفضائية قد انخفضت بشكل ملحوظ، حيث سجلت الأرقام انخفاض جمهور CNN في أوقات الذروة بنسبة 45٪ في الأسابيع الخمسة الماضية، وتراجع نسبة مشاهدة قناة MSNBC بنسبة 26٪، حتى قناة فوكس نيوز تراجعت نسب الإقبال عليها بنسبة 6٪.

وأوضح التقرير الذي نشره موقع poynter أن ترامب أثر بالفعل في أغلبية المؤسسات الإخبارية الإقليمية والصحف المحلية، والتي استمرت في فقدان المعلنين والجمهور والوظائف خلال فترة رئاسته، وقال ريك إدموندز، محلل الأعمال الإعلامية في معهد بوينتر، وهو مؤسسة لتعليم الصحافة، إنه مهما كانت نسب النمو التي شهدوها مؤخرًا، فقد كانت بسبب التغطية المستمرة لأزمة فيروس كورونا.

البيضة الذهبية لوسائل الإعلام

رغم انتقاد ترامب الدائم للمراسلين واتهامهم أكثر من مرة بأنهم ينقلون “أخبارًا مزيفة” ووصفهم بأنهم “أعداء الشعب”، وهجومه العنيف على الصحافة من أول مؤتمر له لمدة 90 دقيقة في 16 فبراير 2017، لكنه كان هبة من السماء للصناعة الإعلامية المتعثرة مالياً ولأولئك الذين يعملون فيها.

من جانبه، ذكر موقع washingtonpost أن صعود ترامب ارتبط ارتباطًا وثيقًا بنجاح الشركات الإخبارية لدرجة أن البعض اتهم الشبكات بتمكينه، عن طريق بث ما لا نهاية له من خطب عنصرية ومليئة بالتحيز الجنسي في ما يرقى إلى الدعاية السياسية المجانية، كما أقر رئيس CNN، جيف زوكر، لاحقًا بأن أخبار ترامب تجذب المشاهدين، حيث قال في عام 2018: “لقد لاحظنا أنه في أي وقت ننفصل فيه عن قصة ترامب ونغطي أحداثًا أخرى في هذه الحقبة، يختفي الجمهور”.

وفي عام 2014، أي قبل عام من إعلان ترامب ترشيحه، اجتذبت الشبكات الإخبارية الكبرى نحو 2.8 مليون مشاهد، وبحلول عام 2019، وهو العام الثالث لترامب في المنصب، تضاعف هذا الرقم تقريبًا إلى 5.3 مليون. وفي كل مرة يهاجم فيها ترامب وسيلة إعلامية معينة مثل The Atlantic أو The New York Times، كان يرتفع عدد متابعيها، فالصحفيون الذين تشاجروا مع ترامب، مثل جيم أكوستا من CNN، حققوا صفقات مربحة من بيع الكتب واجتذبوا عددًا كبيرًا من المتابعين على تويتر.

أيضًا كان ترامب سببًا في الارتفاع الكبير في الاشتراكات الرقمية لبعض الصحف الرائدة على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث بدأت صحيفة نيويورك تايمز فترة عمله بثلاثة ملايين مشترك وأنهتها بـ 7.5 مليون مشترك، وضاعف موقع “بوست” قاعدة مشتركيه ثلاث مرات لتصل إلى أكثر من 3 ملايين خلال فترة إدارته.

كما استفادت بعض المؤسسات الإخبارية الوطنية الصغيرة من غضب ترامب، الذي هاجم بشكل مستمر وسائل الإعلام باعتبارها “عدو الشعب”، حيث استقطبت مجلة “فانيتي فير” 13000 مشترك جديد في عام 2016 بعد أن قام ترامب بالتغريد برد فعل غاضب على الترصد المتعمد من المجلة لمطعمه في نيويورك، كما جلبت صحيفة The Atlantic عددًا كبيرًا من المشتركين الجدد بعد أن رد ترامب بسعادة على تسريح العمال في المجلة في مايو الماضي، والمزيد من المشتركين في سبتمبر بعد أن ذكرت أن الرئيس وصف الجنود الذين قتلوا في القتال بـ “البائسين”.

أما على المستوى الشخصي، فقد ساعدت فضائح ترامب المختلفة و”مهاتراته” بعض المراسلين في بناء سيرهم الذاتية، وبيع الكتب، وجذب التعليقات المربحة، والفوز بجوائز عديدة؛ على سبيل المثال، فاز العديد من الصحفيين بعشرات من جوائز بوليتزر- وهي مجموعة من الجوائز والمنح تقدمها سنويا جامعة كولومبيا بنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات الخدمة العامة- للتغطية المتعلقة بترامب بين عامي 2017 و 2020، بما في ذلك التحقيقات في ضرائب ترامب، وعلاقات حملته بروسيا، والجمعيات الخيرية المشبوهة، ومدفوعاته المزعومة لامرأتين قبل انتخابات عام 2016، كما أصدرت “شوتايم” فيلمًا وثائقيًا من أربعة أجزاء في عام 2018 “عن نيويورك تايمز في عهد ترامب”.

كما اعترف رئيس تحرير صحيفة التايمز، دين باكيه، في مقابلة أن ترامب كان صفقة رابحة جدًا للصحيفة، وقال أيضًا أن صحيفة التايمز أنتجت قصصًا ضخمة خلال تلك الفترة متعلقة بالرئيس، مثل التحقيق الحائز على جائزة بوليتزر، وصرح باكيه: “نما جمهورنا في السنوات الأربع الماضية لأن الناس أدركوا أن الصحافة المستقلة مهمة للديمقراطية”.

حقبة ما بعد ترامب

قال محللون إن سنوات ترامب أظهرت للعديد من الأمريكيين قيمة وجود وسائل إعلام مستقلة تعمل كجهة رقيب على القادة السياسيين، لكن من غير الواضح ما إذا كان التأثير سيستمر. ففي غضون ذلك، انخفضت نسب المبيعات وعدد الزوار للمواقع الهامة مثل التايمز وواشنطن بوست بنسبة 26 و17 % على التوالي من يناير إلى فبراير، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن هذا الأسبوع.

ونشر موقع japantimes تقريرًا مفصلًا بالأرقام والإحصائيات عن مدى تأثر كثير من وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية بعد فترة ترامب الرئاسية، وأكد التقرير أن”فترة ترامب”، التي عززت المشاهدين والاشتراكات في وسائل الإعلام العالمية مثل CNN و New York Times، تحولت الآن إلى ركود بعد رحيل دونالد ترامب عن الرئاسة الأمريكية، وأن قناة CNN- التي كانت على خلاف مع ترامب خلال معظم فترة ولايته- تراجعت نسب مشاهداتها في أوقات الذروة بنحو 50٪ في مارس 2021 مقارنة بالعام الماضي، مع انخفاضات أقل للقنوات المنافسة الإخبارية Fox News Channel و MSNBC.

كما تراجعت الزيارات عبر الإنترنت في موقع نيويورك تايمز بنسبة 30٪ من نوفمبر إلى فبراير و27٪ في موقع واشنطن بوست، حيث قال توبي بيركوفيتز- أستاذ الاتصالات السياسية بجامعة بوسطن- إن الافتقار إلى الأخبار المثيرة بعد ترامب يعني “عددًا أقل” لوسائل الإعلام، وهو ما يترجم إلى انخفاض عائدات الإعلانات والاشتراكات، مما يعمق مشاكلها الاقتصادية.

وفقًا لشركة الأبحاث ComScore، يمكن أن تُعزى بعض الانخفاضات إلى تراجع موسم الانتخابات المثير للجدل، لكنها تؤكد أيضًا على الحقائق الاقتصادية القاسية التي تواجه وسائل الإعلام الإخبارية بعد عهد ترامب، وأن تخفيف حدة التوترات بين وسائل الإعلام والبيت الأبيض بعد أربع سنوات مضطربة قد تكون أنباء سيئة لوسائل الإعلام التي تكافح مع أجل تخطي فترة الهبوط في صناعة الإعلام.

وبالرغم من أن صحيفة نيويورك تايمز عززت عدد مشتركيها إلى أكثر من 7 ملايين خلال فترة ترامب، لكن المحللين يحذرون من أن هذا النمو في المستقبل قد يكون محدودًا، حيث قال أستاذ الاتصالات السياسية بجامعة بوسطن، توبي بيركوفيتز، إن العديد من المنافذ القديمة تواجه تراجعًا كبيرًا في عدد مشتركيها الآن بعد انتهاء حقبة ترامب.

وقالت ميريديث كوبيت ليفيان، الرئيسة التنفيذية لصحيفة نيويورك تايمز، في فبراير، إن المجموعة الإعلامية أثبتت وجودها خلال تلك الفترة من خلال مجموعة متنوعة من الأحداث الإخبارية الكبرى، وأضافت: “ستتغير دورة الأخبار وسيتذبذب الجمهور بعد ترامب” ، لكننا في وضع جيد رغم كل شيء ونسعى جاهدين لتحقيق النمو المستمر في عام 2021 وما بعده.

مشروع ترامب الجديد

بعد أن أمضى الأشهر الأولى من عام 2021 في حظر من وسائل التواصل الاجتماعي، يستعد دونالد ترامب للعودة مرة أخرى، متجاوزًا حظره على تويتر من خلال إنشاء شبكة تواصل اجتماعي خاصة به، حيث قال جيسون ميلر، مساعد ترامب، إن المنصة قد تكون جاهزة خلال “شهرين أو ثلاثة أشهر”.

وتأتي خطة ترامب الجديدة بعد أن قرر تويتر وفيسبوك “غلق حساباته” ردًا على أعمال الشغب التي اندلعت في السادس من يناير في مبنى الكونجرس الأمريكي، حيث تم حظر ترامب على تويتر بشكل دائم، لكن حظره على فيسبوك قيد المراجعة حاليًا.

وحسبما أفاد موقع theconversation أنه يمكن بناء شبكة التواصل الاجتماعي الجديدة وإطلاقها في غضون أسابيع، لأن مطورو البرامج يتمتعون بإمكانية الوصول إلى نماذج ترميز سهلة النسخ مما يعني أنه لا يلزم تصميمها من البداية، كما يمكن تطوير منصة ترامب الجديدة كتطبيق للهواتف الذكية في متاجر التطبيقات أو موقع ويب يمكن الوصول إليه من خلال متصفحات الويب.

كما أخبر جيسون ميلر، المستشار والمتحدث باسم حملة ترامب، هوارد كورتز في برنامج “MediaBuzz” على قناة فوكس أن ترامب “سيعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي في غضون شهرين أو ثلاثة على الأرجح”، وأضاف أن عودة ترامب ستكون من خلال “منصته الخاصة” التي ستجذب “عشرات الملايين” من المستخدمين الجدد و “تعيد صياغة المشهد بالكامل من جديد”.

وصرح ميلر خلال ظهوره على قناة فوكس نيوز أن العديد من الشركات تواصلت مع الرئيس السابق، ويقوم بالفعل بإجراء محادثات جادة مع فرق متخصصة حول المنصة الجديدة، حيث قال ميلر “هذه المنصة الجديدة ستكون كبيرة”، “فالكل يريده وسيجلب الملايين- بل عشرات الملايين- إلى هذه المنصة.”

الساحة الإعلامية بين ترامب وبايدن

نشر موقع smh.com مقالًا بعنوان الحياة بعد ترامب: المؤتمر الصحفي الأول لبايدن كان بمثابة اختبار لوسائل الإعلام المليئة بالمعارك، أكد فيه أن أول مؤتمر إعلامي لجو بايدن منذ دخوله البيت الأبيض كان بمثابة اختبار ليس فقط للرئيس الجديد ولكن لقدرة البيت الأبيض على التعامل مع الصحافة.

فلا يزال الصحفيون السياسيون في واشنطن يحاولون التأقلم مع حقبة جديدة أقل جنونًا وأقل خصومة وغالبًا، وبصراحة، أقل أهمية إخبارية مما كانت عليه عندما كان دونالد ترامب في السلطة، لكن الآن رحل ترامب، وكذلك رحل عدد الجمهور الذي جاء معه.

كما تم فتح نقاش في الأوساط الإعلامية حول مقدار الاهتمام الذي يجب أن يحصل عليه ترامب عندما يكون خارج السلطة، وربما لعدة أسابيع أخرى، وقالت كيلي ماكبرايد، المحرر العام في الإذاعة الوطنية العامة: “يكاد يكون من المستحيل التوقف عن الحديث عن ترامب”، فلا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول ما فعله الرجل كرئيس، كما قال مارك ويتاكر، محرر نيوزويك السابق والمدير التنفيذي في CNN وإن بي سي نيوز: “إنه الشخص الذي يجعل معدلات نبض الجميع تتسارع ويجعل الناس ملتصقين بالتلفزيون”.

فبعد أربع سنوات من أداء ترامب الذي يميل لكونه” شو إعلامي”أكثر منه”تصريحات سياسية”، قد يكون الشعور بالملل أحيانًا موضع ترحيب لدى مستهلكي وسائل الإعلام، لكن لا تزال هناك أخبار مهمة يجب تغطيتها، ومن المؤكد أن أخبار فيروس كورونا لم تختف كثيرًا، فهناك قصص انتقادية على الحدود، كما تستمر أيضًا معالجة القضايا المهمة المتعلقة بالعرق.

الآن أصبح من الممكن تجاهل ترامب، مما يعني أنه تم إعطاء الفرصة لتغطية الموضوعات المهمة حقًا، وعلى الرغم من أن ذلك لن يجذب الجمهور الذي رأيناه في الماضي، لكنه سيكون مهمًا على أي حال، كما نأمل في نهاية المطاف أن تتمكن المؤسسات الإخبارية من التركيز على الصحافة وتثق في أن الجماهير ستعود في النهاية لمتابعة ما هو جيد وموضوعي- وليس فقط ما هو مثير.