مسلسل "اللعبة".. صناعة الضحك بمنتهى الجدية

أندرو محسن

بدأ قبل أيام عرض الجزء الثاني من مسلسل “اللعبة” بعنوان فرعي “ليفل الوحش”. رغم التواجد الدائم للمسلسلات الكوميدية سواء في الموسم الرمضاني أو خارجه، فإن القليل منها فقط هو ما حقق نجاحًا كبيرًا يجعل صناعه يُقدمون على صناعة جزء جديد وهم واثقون في جماهيريته وقدرته على جذب الجمهور.

عُرض الجزء الأول في يناير الماضي على منصة شاهد بالتزامن مع تطويرها وإعادة إطلاقها، قبل أن يعرض على شاشة التلفزيون في رمضان الماضي.

نرشح لك: 5 ملاحظات على إعلان هشام ماجد وشيكو وعمر كمال مع اتصالات

رغم وجود بعض عناصر التشابه بين هذا المسلسل ومسلسلات كوميدية أخرى، في البناء الذي اعتمد عليه السيناريو، فإننا سنجد أن صناع العمل قد بذلوا مجهودًا يحسب لهم لتقديم مسلسل مختلف، وهو ما سنحاول توضيحه في السطور التالية، وسنعتمد في المقال على إحدى المهمات من الجزء الأول، تحديدًا مهمة أن يخون وسيم أو مازو زوجته أمامها ويجب أن تصفعه حتى يحصل على الجائزة.

“اللعبة” بجزئيه قصة وسيناريو وحوار: أحمد سعد والي ومحمد صلاح خطاب وإبراهيم صابر، وأشرف على الكتابة فادي أبو السعود وإخراج معتز التوني.

خارج التوقعات
يتشابه “اللعبة” بجزئيه في قيامه على فكرة المهمة (Quest) التي شاهدناها في الكثير من المسلسلات الكوميدية مؤخرًا، هدف كبير يسعى إليه أبطال العمل، وللوصول إليه يقومون بعدة مهمات فرعية. كان هذا هو البناء المتبع في مسلسلات مثل “نيللي وشريهان” و”ريح المدام” وغيرهما، لكن اللعبة أخذ الفكرة إلى مستوى جديد.

الميزة الأبرز في المسلسل هي عنصر المفاجأة الذي يصاحبنا في أغلب الحلقات، عكس الأعمال الأخرى التي نتابع فيها البطل أو فريق الأبطال في سعيهم للفوز بالجائزة أو الوصول لهدفهم، في “اللعبة” لدينا طرفان يتنافسان، وبالتالي فإننا نتابع أفكار ومحاولات كل منهما لإتمام المهمة المطلوبة. عندما ننظر إلى الأمر سنجد أنه أصعب على فريق الكتابة الذي يصبح كأنه يكتب كل مهمة مرتين، لكن بالنسبة للمشاهد فالأمر يعني متعة مضاعفة، مع حرية متروكة له دائمًا بأن ينحاز إلى أي طرف من الطرفين.

لكن مؤلفي المسلسل يقررون أخذ المتعة إلى مستوى آخر، فبينما نجد بعض التحديات أقرب لشخصية مازو “هشام ماجد” نجد وسيم “شيكو” من يفوز بها في النهاية، وأحيانًا العكس. في التحدي المذكور في بداية المقال، يبدو الأمر أسهل بالنسبة لمازو الذي يعاني من المشكلات وعدم الاستقرار مع زوجته من الأساس، بينما تبدو المهمة شديدة الصعوبة بالنسبة لوسيم الغارق في حب زوجته، وهكذا نجد الأخير يقرر الانسحاب بالفعل.

تأتي المفاجأة في انقلاب الموقف في اللحظة الأخيرة ليصبح وسيم هو الأقرب للفوز نتيجة خطأ غير مقصود من مازو، يمكن أن تأتي هنا نهاية المشهد والتحدي، ويربح وسيم الذي تشاهده زوجته مع امرأة أخرى بالفعل، ولكن صناع المسلسل يقررون ألا يمنحوا المشاهد مفاجأة واحدة، بل يضاعفون من وقع الكوميديا في المشهد من خلال اقتراب إسراء “ميرنا جميل” من تفهم الوضع ومسامحة وسيم ليدخل سعدون “أحمد فتحي” ويقلب الموقف للمرة الأخيرة.

يمكن قياس بقية الحلقات على هذه الحلقة، دائمًا الفائز غير متوقع، والظروف تلعب دورها، والشخصيات
الثانوية أيضًا، وهذه لها نصيب من التميز في المسلسل.

الاستفادة من كل العناصر
يمكن القول إنه منذ مسلسل “الكبير أوي” لم نرَ مسلسلًا كوميديًا يوظف شخصياته الثانوية مثلما فعل “اللعبة”، فبالإضافة لمازو ووسيم، اللاعبان الأساسيان، نجد مساحة جيدة ومؤثرة أيضًا لست شخصيات أخرى، لا يقتصر دورها على إضافة المزيد من الكوميديا، لكنها تغير في مجريات الأحداث بمشاركتها.

عندما ننظر إلى هذه الشخصيات الثانوية سنجد أن كتاب السيناريو قد بذلوا جهدًا في كتابة كل شخصية لتقدم إضافة للفريق ككل، جميل “محمد ثروت” لص سابق ومتخصص في كل ما هو مخالف للقانون، شيماء “مي كساب” وتقلباتها المزاجية وعصبيتها، وبالتأكيد هناك قصة الحب شديدة الطرافة بين بسيوني “سامي مغاوري” وشويكار “عارفة عبد الرسول” وكل ما ترتب على تحالفهما من تغيير لمجرى الأحداث. هذا بجانب بعض الشخصيات التي تظهر في حلقات متفرقة لكنها تترك تأثيرًا أيضًا مثل مالك “بيومي فؤاد”.

في مهمة الخيانة المذكورة آنفًا، سنجد كيف تلعب هذه الشخصيات في تناغم لتضيف المزيد إلى الحلقة، دون أن نشعر أنه مجرد ملء للوقت، فجميل يحاول أن يساعد وسيم في خيانة زوجته بأن يجلب له فتيات ليل، وشويكار تشاهد مازو وهو برفقة فتاة أخرى، لكنها تخشى أن تخبر ابنتها بذلك لأنه شاهدها برفقة بسيوني، فتكتفي بالتلميح لشيماء، وشيماء تقلب التوقعات نتيجة تناولها لأقراص مهدئة مما يفسد يقلب خطط مازو، كل شخصية تضيف تفصيلة مؤثرة.

لا يوجد هزار في “اللعبة”
في الجزء الثاني يتحدث مازو عن مدى إخلاصه للعب، فيقول “أنا أكتر حاجه أكرهها في حياتي: الهزار في اللعب”، ويمكن القول إن هذا هو شعار المسلسل بوجه عام وخاصة مخرجه معتز التوني. قدم التوني عددًا من أبرز الأعمال الكوميدية في السنوات الأخيرة، وكان أول أفلامه مع شيكو وهشام ماجد أيضًأ: “سمير وشهير وبهير”.

يحافظ التوني على أداء الممثلين طوال المسلسل ليقدموا الكوميديا بمنتهى الجدية. العلاقة المزدوجة بين وسيم وإسراء داخل العمل وخارجه، تفجر الكوميديا نتيجة جديتها، جدية الفصل بين العمل والبيت، التعامل الجاف والقاسي من قبل وسيم في الفندق ثم شكوى إسراء في البيت من مديرها لوسيم أيضًا ينجحان في إضحاكنا في كل مرة. في المقابل سنجد مازو يلعب طوال الوقت بجدية حقيقية، فهو يخطط ويفكر ويحاول استغلال كل المحيطين به للفوز باللعبة وكأن هذا آخر ما سيفعله في حياته، والمفارقة بين جديته والنتائج أيضًأ تؤدي إلى إثارة الضحك.


يوظف المخرج أيضًا كل التفاصيل داخل المشهد لاستكمال حالة الكوميديا. بالعودة إلى حلقة الخيانة مرة أخيرة، يتخيل مازو في أحد المشاهد رد فعل شيماء حال علمها بخيانته، فتظهر وهي تطيّر رأس عصفورة “محمد عمرو الليثي” وتضرب سعدون بسلاح يصنع ثقبًا في بطنه، إلى هنا من المفترض أن ينتهي خيال مازو ويعود إلى الفصل وهو جالس مع سعدون وعصفورة، إلى هنا يمكن أن نقول إن مشهد التخيل قد أدى غرضه الكوميدي، لكننا نجد أنه بعد العودة إلى الفصل ما زال عصفورة وسعدون على الوضع الذي تخيلهما عليه مازو، سعدون به نفس الثقب وعصفورة بلا رأس بينما يضع رأسه بجانبه على الكرسي. هكذا نجد أن كل فكرة كوميدية يتم استغلالها بأقصى درجة ممكنة.

حتى الآن عرضت 5 حلقات فقط من الجزء الثاني من “اللعبة” ويبدو أنه يسير بنجاح على خطى الجزء الأول، ويجب القول إن صناعة جزء ثانٍ لمسلسل بهذه الجودة أمر شديد الصعوبة، ولكن يبدو أن صناع المسلسل لديهم من الإصرار والاهتمام ما يجعلهم يسيرون بخطوات ثابتة لتكرار نجاح الجزء الأول، وباستخدام نفس العناصر التي دفعت بهم إلى هذا المستوى.