متحف في يد "الإعلاميين".. هل ينال التطوير؟

سامح الزهار

تعد المتاحف الوطنية أحد أبرز المؤسسات الثقافية الوطنية التي تعرض حضارة وتاريخ بلادها، وذلك من خلال ما تحويه من كنوز أثرية ووثائق ومخطوطات فريدة ونادرة، فهي تساعد المواطنين على فهم التاريخ من خلال تلك السجلات الصامتة كونها نوافذ ثقافية تطل على الأمس القريب أو البعيد، ومرجعًا لثقافة المجتمع، وهي إحدى وسائل الاتصال بالماضي التي تعرض ثقافته وتاريخ وآثار وتقاليد حياة الشعوب كما تُظهر المتاحف علاقة الحاضر بالماضي، حتى أصبحت المتاحف حديثًا مركزًا علميًا مهمًا يُسهم في نشر وإبراز المعرفة، والعلوم والتعريف بالتراث الإنساني.

تذخر مصر بالعديد من المتاحف الوطنية والنوعية والإقليمية وغيرها، ويعد متحف البرلمان المصري أحد أهم المتاحف المصرية، ويأتي في موقع الصدارة بين المتاحف المشابهة له في العالم، فمعروضاته لأقدم ما أبدعته البشرية من وثائق وتشريعات وقوانين ومعاهدات، ويشغل المتحف قاعتين كبيرتين من مبنى البرلمان تضم القاعة الأولى مقتنيات من مختلف العصور، بينما تعرض القاعة الثانية مقتنيات لتطور الحياة البرلمانية في مصر في العصر الحديث، كما يضم المتحف قسمًا لعرض الهدايا التذكارية المهداة إلى رئيس البرلمان عبر العصور.

نرشح لك: صحافة ما بعد ترمب.. وسائل الإعلام الأمريكية ذبحت دجاجتها الذهبية

تشهد القاهرة طفرة كبيرة في إعادة تنسيق تراثها المعماري والتاريخي العظيم بناءً على ما يوجه به الرئيس عبد الفتاح السيسي في ملف حفظ وصون تراث القاهرة التاريخية، ولهذا أطالب المستشار الجليل حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، بأن يكون تطوير متحف البرلمان على قائمة أولوياته من خلال الأرشفة الإلكترونية وإعادة تنسيق سياق سيناريو العرض المتحفي وكذلك إتاحة الزيارة للمواطنين ولو في بضع أيام من كل شهر.

ومن لطائف الأقدار أو هكذا أظن أن هذا المتحف وغيره من متاحف مصر أصبحت في يد مجموعة من الإعلاميين وأحسب أن لديهم قدر كبير من الرؤية والرأي والاستنارة في هذا الشأن وهي لجنة الإعلام والثقافة والآثار بالبرلمان برئاسة الإعلامية الكبيرة الدكتورة درية شرف الدين، ووكالة النائبين يوسف الحسيني، ونادر مصطفي، وأمانة النائب تامر عبدالقادر، أطالبهم بضرورة إعداد سلسلة وثائقية عن تاريخ البرلمان ومتحفه البديع وإتاحة بوابة إلكترونية تضم توثيق للمقتنيات وتصميم تطبيق للهواتف الجوالة به قوائم المعروضات ونبذة عن تاريخها وكذلك إتاحة المستنسخات الأثرية للجمهور وذلك بالتعاون مع المتخصصين في هذا الشأن.

وعن وصف المتحف، فالقاعة الأولى تضم مقتنيات من العصور المصرية القديمة والإسلامية حتى العصر الحديث، فمن مصر القديمة تعرض نماذج عديدة من التشريعات والقوانين، منها نموذج لتمثال الكاتب المصرى جالسا يحمل لفافة من أوراق البردى ويقوم بتدوين التشريعات والقوانين ويرجع أصل هذا التمثال إلى عصر الدولة القديمة (2780 – 2280 ق.م)، كما يعرض نص عثر عليه فى مقبرة إيدوت (بسقارة) ويعد أقدم تشريع ضرائبى فى التاريخ وهو عبارة عن لوحة تمثل معاقبة المتهربين من الضرائب، ومن أبرز نماذج هذه القاعة نص تشريعات تنسب الى (رخميرع) رئيس الوزراء فى عهد الملك تحتمس الثالث ، ويرجع تاريخها الى الفترة (1490-1436 ق.م ) كما تحتوي على نص بالهيروغيلفية يتعلق بأقدم وأول معاهدة سلام فى التاريخ، وهو عبارة عن وثيقة زواج رمسيس الثانى من ابنه ملك الحيثيين، وكان ذلك بمناسبة عقد معاهدة السلام بين المملكتين فى عصر الدولة الحديثة (1570- 1304 ق.م ).

كما يعرض نموذج لحجر رشيد الذى يتضمن مرسوما أصدره بطليموس الخامس عام 196 ق.م وهو منقوش بثلاث لغات: الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، الأمر الذى تمكن من خلاله العالم الفرنسي شامبليون من فك رموز الكتابة المصرية القديمة ومن العصر الإسلامي تتضمن هذه القاعة من المتحف العديد من المقتنيات فى مقدمتها نسخة من القرآن الكريم، وصوره بعض الرسائل والمخطوطات منها رسالة من والى مصر فى العصر العباسي يحث فيها آهل النوبة على الالتزام بالمواثيق والمعاهدات ، ورسالة عمر بن الخطاب لأبى موسى الاشعرى عندما ولاه قضاء الكوفة ، كما يوجد في هذه القاعة نموذجان مجسمان أحدهما لمجلس الحكم فى عهد صلاح الدين الأيوبي (1171 – 1193 م ) حيث كان هذا المجلس العدل والحكم فى عهد محمد على باشا ، حيث كانت تصدر القوانين والتشريعات . ويصور هذا المجسم الوالي يستمع إلى شكاوى أحد المواطنين فى وجود الأمراء ورجال الدولة .

ومن الوثائق والمستندات المهمة توجد وثائق محاكمة الزعيم الوطني أحمد عرابي وزملائه عام 1882 ، ووثائق قضية اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر داخل البهو الفرعوني فى 24 من فبراير 1945، كما تعرض صور زيتية لرؤساء الجمهوريةالسابقين فى مصر، وتتضمن هذه القاعة أيضا خزانات عرض تضم شارات وميداليات تذكارية.

أما القاعة الثانية للمتحف فهي تعرض مجموعة هامة من الوثائق الدستورية والبرلمانية والعديد من اللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية لرؤساء المجالس النيابية المصرية، ومن أجمل ما تضمنه هذه القاعة من المتحف كرسي العرش الذي كان يتصدر قاعة مجلس النواب وعلى جانبيه شمعدانان وتعلوه الكمبوشة وهو من الخشب المذه وكسو بالقطيفة الزيتي، وهذه القاعة من المجلس حافلة بالعديد من الثوائق الهامة عن الحياة السياسية والنيابيية في مصر، ومنها محضر اجتماع مجلس شورىالنواب فى جلسة له خارج القاهرة عام 1876، ومحضر الجلسة الاولى لمجلس شورى القوانين عام 1883 ، واول مضبطة للجمعيةالتشريعية فى 22 من يناير 1914 ، ثم نماذج مضابط بعض المجالس التشريعية فى مصر بعد ثورة 1952، ومجموعة من خطابات افتتاح جلسات البرلمان فى عصور مختلفة منعام 1866 حتى الآن .

ومن الوثائق المهمة بها محاضر اجتماعات أول لجنة لوضع الدستور دائم فى مصر عام 1922 وصورة للأمر الملكى بأصدار هذا الدستور عام 1923، والى جانب مجلد ضخم يحتوى على مجموعة الدساتير المصرية التى تم تجميعها وفهرستها بدقة ، والدساتير التى صدرت من عام 1824 حتى الدستور الحالى عام 1971 م، كما توجد مجموعة متنوعة من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية والنحاسية ، مهداة من العديد من البرلمانات العالمية وكبار الشخصيات السياسية الدولية.