صحافة ما بعد ترمب.. وسائل الإعلام الأمريكية ذبحت دجاجتها الذهبية

محمد شهود

يبدو أن هزيمة دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية هي نوع من الانتصار لوسائل الإعلام التي أمضى الجزء الأكبر من وقته في البيت الأبيض يهاجمها ويصف أي عنوان لا يعجبه بـ”الأخبار المزيفة.”

لكن الواقع أن المشهد الإعلامي لما بعد ترمب سيحتوي على تغطية أقل للتغريدات التي كان يكتبها الرئيس على مدار الساعة وتصنع العناوين والقصص الرئيسية لنشرات الأخبار والصحف ما يترتب عليه جرعة أقل في الإثارة وفي نسب المشاهدة.

نرشح لك: ماذا يتعلم طلاب الصحافة والإعلام من اقتحام الكونجرس؟

مالكو القنوات والناشرون في واشنطن على علم بذلك، في 2016 وخلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية قال رئيس شبكة CBS ليزلي مونفيس بصراحة إن ترشح ترمب قد لا يكون جيدا لأميركا، لكنه جيد جدا لشبكة سي بي إس.

الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية خسرت دونالد ترمب، هذا الرجل نفخ فيها الروح، منحها قصصا جذابة وقدم لها على طبق من ذهب دراما يحبها المشاهدون والقراء، نقلها من رتابة أوباما إلى إثارة ترمب.

صنع عهد ترمب نجوما من بعض الصحفيين المغمورين الذين تتصدر كتبهم أرفف المكتبات حاليا.
تخيل كم صحفيا تحدث عنه الرئيس واشتبك معه مباشرة في المؤتمرات وجادله وصار هذا الصحفي بطلا في أعين الكثيريين وضيفا على شاشات التلفاز؟

في نهاية ديسمبر الماضي قرأت مقالا لماكي كوبينز في The Atlantic يحكي فيه عن تجربته مع سنوات ترمب الأربع.في اليوم التالي لانتخابات عام 2016، تلقى كوبينز مكالمة هاتفية من صديق له تبادلا فيها الصدمة من فوز ترمب، قبل أن تنتهي المكالمة، قال له صديقه “حسنًا، سيكون هذا رائعا لحياتك المهنية.”

صدق حدس صديقه، كانت علاقة كوبينز الخلافية مع دونالد ترمب تؤتي ثمارها المهنية بالفعل. رد ترمب على قصة كتبها كوبينز على تويتر وكان غاضبا وهدده بوضعه في القائمة السوداء وكتب عنه موقع بريتبارت نيوز اليميني.

ألف كوبينز كتابا استخدم فيه الناشر تغريدات ترمب للترويج للكتاب.ومنح برنامج The Daily Show الشهير، كوبينز فرصة إعادة سرد مغامراته مع ترمب في فقرة “The Donald”. يقول كوبينز إنه كلما زادت حملة ترمب المروعة والناقدة للصحفيين، زادت الفرص التي أتيحت لي – ولم يكن وحده في ذلك.

أكثر المتضررين فيما يبدو حتى اللحظة هو الإعلام الذي يوصف بالليبرالي (نيويورك تايمز واشنطن بوست، سي إن إن) وكان في واجهة المقاومة أمام ترمب، لأنه خلال السنوات الأربع الماضية حظت هذه المنافذ بزيادة غير مسبوقة في الاشتراكات ونسب المشاهدة.

تتوقع مثلا شركة Kagan لدراسات السوق، انخفاضا في مبيعات الإعلانات لـ Fox News و CNN و MSNBC بنسبة 13.1٪ في عام 2021.

الآن سيغيب ترامب الرئيس عن المشهد، وستغيب معه إثارة استقبال الهواتف لأخبار عاجلة أقل قيمة وبالتالي متابعة أقل، هزيمة ترمب تعني أن الأخبار السياسية في الولايات المتحدة ستعود إلى كونها تقليدية وغير مفاجئة ومملة إلى حد كبير، يراود صناع الإعلام في أميركا كوابيس ما بعد ترمب الآن ويستعدون لمرحلة جديدة أرباحها لن تقارن بسنوات ترمب.

في سنوات ترمب نحن الصحفيون العرب أيضا مُنحنا فرصة عظيمة لفتح تغطيات إخبارية أوسع على مدار الساعة، لدرجة أنه في 2017 – 2018 مع بدايات ترمب، تحول الدوام اللليلي (شيفت الليل وآخره) من نعمة لهدوئه وقلة أخباره إلى نقمة التغطيات المفاجئة والمتابعة الدائمة لحساب الرئيس الذي سيغرد في أي لحظة بقرار سيقلب الدنيا.

كان ترمب يبيض للصحافة ذهبا مغلفا في هيئة الأخبار كل يوم، وللمصادفة كانت وسائل الإعلام الأمريكية واحدة من أبرز الوسائل التي أسقطت ترمب وأخرجته من البيت الأبيض لتفعل ما فعله المزارع في القصة الأسطورية الدارجة والذي ذبح دجاجته الذهبية (وإن اختلفت المآرب).

صحيح أن السنوات علمتنا أن الأخبار لا تنتهي وأن القصص موجودة طيلة الوقت والخبر الذي لن نجده في واشنطن سيجدنا في طرابلس وشرق المتوسط والخليج العربي وغيره، لكن الحقيقة أيضا أن عهد ترمب كان فرصة صحفية غير مسبوقة (للصحافة الأمريكية والإقليمية العربية).

نرشح لك: بعد فيسبوك وتويتر.. يوتيوب يعلق قناة ترامب