اللعبة الحلوة.. صنايعية الفن وقفوا "وقفة رجالة"

وائل خورشيد

منحنى السينما المصرية ورغم أنه آخذ في التطور من الجانب التقني بشكل كبير عما قبل، إلى جانب الابتعاد عن ما يمكن أن نسميه “هيصة” ما بعد يناير 2011، إلا أنه بدأ يسقط في فخ آخر، ربما لم نتداركه بعد، وهو البعد عن الروح الفنية المصرية، لحساب “تقليد” الدراما الغربية، الأمر يشبه أن تدخل سباق سيارات بفيات 128 أمام فيراري، لا أقول إنه في المجمل سيء، فالاتجاه نحو التطور أمر حميد، ولكن يبدو أنه يأخذ منحى آخر لا يخصنا.

ومصطلح “التقليد”، مختلف عن الاقتباس، حيث إن الأخير يعني أن ترى فكرة فتعيد صياغتها بشكل مصري، كما حدث في أعمال كثيرة ومنها فيلم “وقفة رجالة”، وهو أمر عادي طالما أن صنَّاعة هدفهم إظهار الخصوصية المصرية، ولكن التقليد هو محاولة عرجاء لنقل الصورة الغربية في قالب هجين.

نرشح لك: ماذا لو استخدم الحاج عبد الغفور الموبايل؟


فعندما ننحى نحو التطور فإننا وإن كنا نتعلم مما ينتجه الغرب من تكنولوجيا متطورة، فالأولى أن نستخدمه في إطار مصري خالص، الهنود يفعلون ذلك، الصينيون والكوريون يفعلون المثل. من الصعب أن تجدا عملا غير هوليووديا بنفس كفاءة ما تصنعه السينما الأمريكية، ولكن هم يصنعون هذا المزج بين التطور وطابعهم، وهو طريق سليم لدوران العجلة نحو المستقبل، أعتقد أن هذا الأمر يحتاج لأن نفكر فيه، فالعالمية لا تتحقق بالتقليد، وإنما بعرض منتج مختلف ومناسب على العالم.

روح السينما المصرية تشبه أفلام “صعيدي في الجامعة الأمريكية” و”إسماعيلية رايح جاي” و”صاحب صاحبه” مثلا، أعمال بسيطة وجميلة ومرتبطة بالوجدان المصري، وهناك “الكيت كات” و”البيه البواب” و”زوجة رجل مهم”، و”رد قلبي” والكثير والكثير، وهناك من بين عشرات روائع الدراما المصرية مسلسل “ليالي الحلمية” ولذكره سبب.

مسلسل “ليالي الحلمية”، والكلام على عهدة الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى، خلال ظهوره مع الكاتب الصحفي والمؤلف المتعدد عمر طاهر في برنامج “وصفولي الصبر”، حيث قال إن فكرته بالأساس مقتبسة من مسلسل أجنبي يدعى “falcon crest” صدر الجزء الأول منه في أوائل الثمانينيات، وكان مسار اهتمام كبير من المصريين، وقال السيناريست العملاق الراحل أسامة أنور عكاشة، لـ”عيسى”: “الناس عايزين falcon crest، طيب أنا هعملهم falcon crest”، ثم خرج علينا بدراما “ليالي الحلمية” الخالدة بكل ما فيها من كتابة لتمثيل لموسيقى لإخراج لكل شيء. فإذا كان هرم الدراما المصرية اقتبس، فإنه بالتالي لا يقلل من مؤلف، وإن كان نجح في تقديم صورة مصرية مميزة، فهو قد سبق الواقع الحالي!

في فيلم “وقفة رجالة”، وعلى نفس نهج أسامة أنور عكاشة، سار المؤلف هيثم دبور، حيث إن العمل يبدو أنه مقتبس من فيلم أمريكي يدعى “Last Vegas”، الذي صدر في العام 2013، بطولة مجموعة من نجوم هوليوود وهم: مايكل دوجلاس، روبرت دي نيرو، كيفين كلاين مورجان فريمان، حيث قرر أحدهما الزواج في هذا السن، ودعا أصدقائه لرحلة وداع العزوبية، وفي “لاس فيجاس” تدور الحكايات والمواقف، ويشبه أيضًا سلسلة أفلام “The Hangover” والتي تدور حول نفس القصة.

في “وقفة رجالة” أيضًا الأصدقاء القدامى يجتمعون ويقرروا السفر مع صديقهم “شهدي” (ماجد الكدواني) الذي يملك فيلا في منتج سياحي، من أجل مساعدة صديقهم عادل (سيد رجب) للخروج من حالته النفسية السيئة بعد وفاة زوجته.

الفكرة واحدة، ولكن المهم ما فعله المؤلف هيثم دبور، حيث قدم عملا مصريا في معظمه، ربما في لحظات جنح للروح الغربية، ولكن لم تكن مؤثرة.

العمل ممتلئ بالكوميديا والتراجيديا، ويجعلك منتبها طوال الوقت، وهنا برز دور المخرج أحمد الجندي في تصوير الفيلم بأماكن لطيفة وألوان زاهية ومناظر مبهجة، حتى الأبطال أنفسهم، لأن الغرض هو حالة السعادة وجذب الانتباه وليس الخروج من السينما مكتئبا حزينا، كما أنه يساهم في مسألة الترويج السياحي.

النقطة التي اعتبرها تحولا هاما في الدراما المصرية، والتي تحسب لشركة “سينرجي” للإنتاج، وصناع العمل، هي الاعتماد على مجموعة أبطال ليس من بينهم الفنان الشاب “الجان” الذي يمارس الرياضة ويملك جسدا رائعا ولحية والفتيات يركضن خلفه، ولكن اعتمد على 4 من صنايعية التمثيل، كانوا هم الأبطال “سيد رجب، ماجد الكداوني، بيومي فؤاد، شريف دسوقي”، إلى جانب أمينة خليل ومحمد سلام، وظهور خاص لـ إيمان السيد وصفاء الطوخي، وكضيفة شرف النجمة سوسن بدر.

فكرة نسب البطولة لممثلين خبرات وكبار في السن نوعا ما، غير متعارف عليها في السينما المصرية، والتي تعتمد على نجم الشباك لضمان الربح، ويكون معه في الأدوار الأخرى نجوم من أصحاب الخبرات، أما “وقفة رجالة” كان وقفة حقيقية من صناع العمل لتقديم وصفة مختلفة وتحتاج جرأة، ويمكنها تحقيق النجاح، وهي عدم الانبطاح التام لرغبة السوق، وتقديم منتج يجعل الزبون يشتري ما لم يكن يعرف أنه يريده.

هذه الفكرة موجودة في السينما الأمريكية، مازال روبرت دي نيرو يفعل ذلك، وآل باتشينو يفعل ذلك، بل اجتمعا مع المخرج الرائع مارتن سكورسيزي في فيلم “The Irishman”، الذي حقق تقييمات عالية جدا على المواقع المتخصصة، وهناك أنتوني هوبكنز، والذي لم يتوقف عن إبهارنا وكان آخر ما قدم فيلم “The Father” الممتع، أما الدراما المصرية والسينما تحديدا، أسيرة نجم الشباك الجان، ومن بعده يأتي كل شيء، وهي ثقافة غير منصفة تماما.

وبالنظر لفيلم “وقفة رجالة” نرى أن النجوم الأربعة يتمتعون بسلاسة هائلة خلال أداء الأدوار، كوميديا سهلة جدا، بتناغم رائع بينهم، يتلاعبون بالمشاهد من الكوميديا للتراجيديا بمنتهى الهدوء، ودون أي افتعال.

نرشح لك: السيناريست بثوب الروائي.. فخ الثرثرة


محمد سلام وأمينة خليل رائعين أيضًا، النضج الفني كان واضحا في أدائهم، ولكن مع ذلك لم يكن العمل يعتمد عليهما في شباك التذاكر، وإنما على الحكاية، وعلى الأبطال الأربعة غيلان التمثيل.

كان هناك ظهور خاص للمثل الشاب محمد أوتاكا، وهو خفيف الظل وكان متماشيا مع الأحداث، وأدى أدورا رائعة، ومثله مصطفى منصور في دور الضابط ولكن بطابع كوميدي.

ظهر أيضا شابين وهما باسم موريس عدلي، وهو كوميديان ممتع، شاهدت له عرضا مسرحيا للمخرج “موريس عدلي” “واحد صاحبي ماتعرفوش” وكان مدهشا ويملك قدرة على الإضحاك هائلة، ينبئ بنجم كوميدي هام جدا في المستقبل، ورغم ظهوره البسيط في “وقفة رجالة” إلا أنه كان سببا هاما للضحك والابتسام، كما ظهر على حضور الفيلم في السينما.

الشاب الثاني، هو عبد الرحمن حسن، وظهر في مشهد واحد، وكنت رأيته أيضًا في نفس العرض المسرحي سابق الذكر، وكان كوميديانا رائعا، ولكن في فيلم “وقفة رجالة” ظهر في دور تراجيدي، وكان رائعا، وهو له مستقبل هام.

الفيلم نجح أيضًا في إلقاء الضوء على عدد من القضايا الاجتماعية داخل البيوت، فتور علاقات الزواج، العلاقة بين الأب والأبناء، الوحدة، وعدم الزواج، ولكن النقطة الأهم فكرة كبار السن، وأن حياتهم يمكن أن تكون أجمل من مجرد الجلوس في المنزل بلا شيء، بل يمكنهم الاستمتاع والمضي قدما بعد الستين.

فيلم “وقفة رجالة” يمكن أن نعتبره نقلة في السينما المصرية، وسيترتب عليه تغيرات هامة في المستقبل.

العمل رائع جدا وممتع ويستحق المشاهدة.