ماذا لو استخدم الحاج عبد الغفور الموبايل؟

منة المصري

زمن غير الزمن بكل ما تحمله الكلمة من معاني ومشاعر، فمرور ستة وعشرين عاما على إنتاج مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” جعلتني اتوقف أمام الرقم وألقي نظرة طويلة للوراء.. نظرة على العمر الذي لا يتوقف ويمهلنا لأخذ الأنفاس قبل أن نستكمل، بالتأكيد لم تكن مجرد أعوام عابرة ومرت.

ستة وعشرون عاما حملت بين طياتها أحلام وطموحات جيل تلو الآخر.. جيل طاله هو الآخر قسط كبير من التغيير كما طال كل شيء.. عدد لا بأس به من الأحداث الجلل إن صح التعبير.

نرشح لك: 5 ملاحظات على مشاهد “لن أعيش في جلباب أبي”

قطعنا نفس سوبر ماريو

ملامح الأرض تغيرت.. طفولتنا ولت بعد أن شاهدنا جميع أجزاء الكابتن ماجد ونينجا ترتلز وكارتون الفواكه وبرنامج هيا بنا نلعب وجوايز جوايز ولعبنا أمام مدخل العمارة بالعجلة ذات المسندين والسبع طوبات وقطعنا نفس “سوبر ماريو” في الأتاري وجمعنا “البلي الملون”.. وقذفنا البمب والصواريخ على بعضنا البعض في أيام العيد واشترينا الجزم الباتا والأميجو واكلنا أستيكة الفراولة وجلسنا علي أرجل جدودنا وجداتنا ونهلنا من حنانهم ودلالهم، وذهبنا إلى المدارس بعد “علقة” شرب اللبن قبل النزول كل يوم، وشعرنا بالخوف والارتباك في كل شهر مع ظهور شهادة الامتحانات ونحن نخبأها وندفسها في أسفل شنطة المدرسة قبل أن نستجمع شجاعتنا ونعطيها لأولياء أمورنا طلبا للإمضاء و”البهدلة والبستفة” أيضا.

كشاكيل الواجب

مرت الطفولة واختبرنا مشاعر أول دقة قلب تفصلك عن العالم بأكمله وتأخذك لعالم اآخر من الخيال والأحلام والرومانسية البريئة، عالم لا تملك فيه سوى نظرات خاطفة من بعيد لحبيبك واللهم بعض الرسائل المخفية بين صفحات كشاكيل الواجب.

نتيجة الثانوية العامة

مرت المراهقة واختبرنا ساعات الانتظار الطويلة حتى الصباح آملا في الحصول على نتيجة الثانوية العامة قبل ساعات من تعليقها علي جدران المدارس.. فعرفنا معني أن تستعين بسلك التليفون المنزلي وتوصله بجهاز الكمبيوتر الخاص بك والاتصال علي 0777 لعلك تكن من المحظوظين اللذين ينجحون في الدخول علي موقع النتيجة ومعرفتها دون الانتظار لصباح اليوم التالي.

رن عليا ومش هافتح

وجاءت مرحلة الشباب وامتلك معظمنا جهاز الرسيفر وطبق الأقمار وشاهدنا مقتل أحمد الدرة في حضن والده برصاص الجيش الإسرائيلي على الهواء مباشرة وانتفضنا ثم هدءنا.. وشاهدنا الغزو الأمريكي للعراق بعد أيام من الجدال الدائم ” هل هتدخل أمريكا العراق فعلا ولا تهويش؟”وانتفضنا ثم هدءنا، وامتلكنا أيضا الموبايلات فأصبحت مسألة الرنات من حين لآخر علي أصدقاءك إحدى السمات المميزة للحالة ككل، فلكل سيم رنة دون الحاجة لإرسال رسالة نصية باهظة التكلفة في هذا الوقت ودون الحاجة للاتصال والتضحية بقيمة 150 قرش للدقيقة الواحدة علي حد ما أتذكر.

مواطن لكل تليفون

مررنا بالكثير حتى أن إحسان عبد القدوس نفسه في رواية إمبراطورية ميم، لم يكن يعرف أن ما سخر منه وقتها سيتحقق بعد عقود وإن الحوار الذي جاء على لسان سيدة الشاشة حين صرخت في أبناءها في أحد المشاهد وقالت “ناقص أجيب لكل واحد فيكم تليفون لوحده يعد يتكلم فيه” لم يكن من المستحيلات.

قالتها فاتن حمامة عام 1972 باستهزاء شديد للفكرة وبشكل ناقم وغير مصدق لهول الأمر ولم تكن تعرف لا هي ولا مخرج العمل حسين كمال، أن الفكرة سوف تصبح أمرا مألوفا وعاديا لدرجة صعبة التصديق.

كُل كويس يا عبد الوهاب

وكما كتب الرائع إحسان عبد القدوس “إمبراطورية ميم” كتب رائعة “لن أعيش في جلباب أبي” فشاهدنا الأم فاطمة كشري تنتظر بالأيام صوت جرس التليفون الارضي لتسمع صوت عبد الوهاب في اتصال دولي سريع وغالي الثمن، فقط لتطمئن عليه وتنصحه بأن يأكل جيدا ويرتدي “فانلة” خلف خلاف لتحميه من البرد ، كل ذلك قبل أن تصبح تطبيقات الاتصال مجانية ومتوفرة في تليفوناتنا الأندرويد في زمن أصبحنا نتباطئ في إجراء أي اتصال تليفوني رغم سهولته وتوافره ومجانيته ولما لا والواتساب موجود والفيسبوك موجود يطمنا علي احبائنا أنهم لا زالوا على قيد الحياة دون حاجة لاتصال.