نساء بلا رجال.. دعوة للتمرد على ART

بدا لي الأمر غريبًا للغاية وأنا أشاهد فيلمًا أراه للمرة الأولى للمخرج الفريد يوسف شاهين، رأيته بالصدفة على شاشة ART يحمل اسم “نساء بلا رجال”، الاسم لم يجعلني أتوقع ما شاهدته، ولولا الصدفة لما كنت لأربط بين الاسم والفيلم، وبين كليهما ويوسف شاهين، لكن ذلك زاد فضولي وجعلني أكمل المشاهدة، ثم أنتظر الفيلم لأراه وقت إعادة مشاهدته.

الفيلم تم عرضه في فبراير 1953، وقد حمل بصمات يوسف شاهين الواضحة، برغم أنه وكما هو واضح كان من إنتاج فترة البدايات، أكثر ما لفت نظري هو ظهور يوسف شاهين نفسه في أحد المشاهد، وكأنه كومبارس عابر يشتري السجائر من الكشك، دون كلمة واحدة نظر للبطل عماد حمدي، ورحل، وقتها لم يكن ذلك شائعًا.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: ألينور..فرصة ثانية للنجاة في العالم الآخر فهل تنجح؟ نساء نتفليكس(2)

تمرد يوسف شاهين بدا ملائمًا للغاية لتمرد الكاتب إحسان عبد القدوس وهو مؤلف الفيلم، إحسان الرافض لكثير من تقاليد المجتمع البالية وزيفه المؤطر بكثير من البريق الكاذب، ولقاؤهما معًا بدا لائقًا للغاية من زاوية “المعنى”، ليته تكرر كثيرًا.

أما تمكن شاهين من أدواته كمخرج فشيء لا يحتاج لنقاش، البديع أنه استطاع استخدامها بهذا الشكل في ذلك الوقت، فجاءت حركة الكاميرا غير تقليدية بالمرة، المشاهد بعضها يحمل جنون كامل، قدرته كمخرج على إقناع الممثلين في ذلك الوقت بالتمثيل بالطريقة “الشاهينية” شيء مدهش.

مشاهدة عماد حمدي في “عز” نجوميته يخرج عن المألوف ويفعل ذلك شيء ملفت، ما يعني أن صاحب الفكرة قادر على الإقناع والتنفيذ سواء كان كاتبًا أو مخرجًا.

الفيلم الذي قدم تمرد الشباب في ذلك الوقت على قيم “الرجعية” والتمسك بالماضي، والذي ربما كان ملائمًا للتوجه العام بعد ثورة يوليو، أيضًا قدم حوارًا وأدءًا رائعًا يحرض على التخلي عن التعامل النمطي مع النساء، ويعلن أنهن قادرات على التغيير والنجاح ولا يضيرهن الفشل.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: راكيل.. المرأة تختار الحب ولو كانت أشهر المفاوضين.. نساء نتفليكس (1)

الفيلم هو صرخة عالية الصوت إلى أقصى مدى ضد خنوع النساء أو حبسهن في البيوت، وهي لغة أداء قوية للغاية أتمنى أن أجد شجاعتها لدى الكثيرين الآن من خلال أعمال فنية تتبنى الخطاب نفسه دون اللجوء للصدام الفج.

بالتأكيد أن شبكة ART تعرض الفيلم لوجوده في مكتبتها وحسب، لكنني في الحقيقة سعيدة للغاية لإتاحة الفرصة لمشاهدته، فكثير من مشاكل المضمون لدينا الآن، تتعلق بالقدرة على صياغة الفكرة أيًا كان الإطار: فيلم.. مسلسل.. برنامج، في حين أن لدينا حصيلة سينمائية ودرامية غنية للغاية يمكن استلهام الأفكار منها للآن، نعم. .للأسف فنحن لم نبتعد كثيرا بل ربما عُدنا للوراء.هذا من ناحية الأفكار والمحتوى.

أما من ناحية الطريقة التي يتم عرضها بها، ففي الحقيقة أن الأعمال الفنية القديمة تُعتَبر مدرسة كبيرة لتعلم: أن تقول ما تريد بطريقة لائقة.. وذكية أيضًا.

ليس من العيب أن نتوقف الآن أمام أعمال مبدعين رحلوا منذ زمن كإحسان وشاهين لإبداء الإعجاب بها والتعلم منها، إنما العيب هو أن نرمي هذا التاريخ وراء ظهورنا في حين أننا لا نزال نحتاج إلى الكثير من الفهم والتعلم.