هاشتاج المتحرش.. ليلة انتصرت فيها السوشيال ميديا

فاطمة خير

كان يومًا عاديًا من أيام نشاهد فيها القنوات الإقليمية ولو بشكلٍ عابر، في الأغلب كنت أتجول بين القنوات المحلية بحثًا عن مادة للمشاهدة، ويعني هذا أن الأمر قد مرت عليه سنوات طويلة، لكنني أذكر جيدًا أنها كانت القناة السادسة، وشيخ معمم يقدم برنامجا دينيا، ولا أتذكر هل كان يرد على سؤال متصل؟ أم أنه كان موضوع الحلقة، لكنني على يقين مما قاله، فقد كانت لحظةً قاسية، قال الشيخ أن المرأة “المتبرجة” التي لا ترتدي الحجاب، يقع عليها وزر التعرض للاغتصاب، فهي لم تلتزم بارتداء “الحجاب”، وقعت عليَّ الكلمات كالصاعقة، توقفت كثيرا وكلي غضب ويأس وحسرة، يتملكني إحساس بالعجز التام وقلة الحيلة والتيقن بأن هذا الظلم سيستمر للأبد.

نرشح لك: النيابة العامة تحقق مع أحمد بسام زكي المتهم بالتحرش


سنوات طويلة مرت ولم أنس هذا الخطاب الظالم بكل معنى الكلمة، لكن.. كيف أنسى والمنطق نفسه يبدو من البديهيات لكل من يتحدث عن الأمر من خلال الشاشة بشكلٍ أو بآخر: دوما المرأة هي سبب البلاء وصاحبة الذنب والجاني لا المجني عليه، تتغير الأحوال وتتبدل الظروف إلا بالنسبة لتحميل النساء وزر جرائم التحرش والانتهاكات بما فيها الاغتصاب.

لكن دوام الحال من المحال، خرج خطاب دار الإفتاء المصرية اليوم، في إشارة واضحة وإن كانت غير معلنة، للقصة الأشهر حاليا في تريندات السوشيال ميديا، والخاصة بالشاب المصري المتهم من قِبَل فتيات مصريات باغتصابهن والاعتداء عليهن وابتزازهن، وحدث أن تكاتفت الفتيات وحاربنه بسلاح العصر: حملة على إنستجرام، ويشاء العلي القدير أن يتحول الأمر إلى “تريند” على تويتر في عدة ساعات لا أكثر، وتتحرك عدة جهات في الدولة: المجلس القومي للمرأة والنيابة العامة، في محاولات لإعادة الحق إلى صاحباته، ثم تخرج الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية، لتطلق هاشتاج: #التحرشكبيرةوجريمةتستحقأشد_العقاب

ولتعلن بشكلٍ واضح أن: “التحرش الجنسي جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب وفعل من أفعال المنافقين، وقد أعلن الإسلام عليه الحرب، وتوعد فاعليه بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، وأوجب على كل مؤسسات الدولة المختصة أن يتصدوا لمظاهره المُشينة بكل حزم وحسم، وأن يأخذوا بقوة على يد كل من تُسَوِّل له نفسُه التلطخَ بعاره، وهذه الأفعال هي من الفحش والتفحُّش الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه عز وجل بُغضَه تعالى لصاحبه، وخروجه من دائرة الإيمان الكامل بمُلابسته وممارسته، وصدر بشأنه الوعيد الشديد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم”.

نرشح لك: محمد الباز يعرض أدلة جديدة في قضية أحمد بسام زكي


هذا نصرٌ كبير، وبغض النظر عن التعليقات المحبطة على البيان الرائع لدار الإفتاء، فإن المنطق يقول بأنه لا خطاب إعلامي بعد الآن  يُحَمل المرأة وزر جرائم التحرش والاغتصاب والاعتداءات الجنسية بأنواعها، على اعتبار أن ملابسها وسلوكها هما السبب!

نعم.. يبدو أن الغد الذي يبدو لناظره قريب قد أتى، وحمل معه دعوة لخطاب إعلامي ديني أو غير ديني، يحترم النساء ويدين المجرم المعتدي. خطاب إعلامي يعكس التحرك السريع والإيجابي من المجلس القومي للمرأة ورئيسته الهُمامة، ويعكس التحرك الفوري من النيابة العامة ورئيسها المحترم، خطاب يتم تنقيته من كل ما يسئ إلى النساء ويقلل من شأنهن ويحرض على انتهاكهن، حتى وإن جاء من باب “الفكاهة”، خطاب إعلامي يعكس دعم واحترام الدولة المصرية للنساء. 

لقد استطاعت الشابات الضحايا توظيف السوشيال ميديا لاسترداد حقوقهن، والمعركة طويلة وستكون شرسة، هي واحدة من المرات غير الكثيرة التي تلعب فيها تريندات السوشيال ميديا دور المُعَبر  الحقيقي عن قضية حساسة، لكنها فعلت وانتصرت.