سيمون.. الموهوبة التي لم يستفد منها المخرجون

ولاء جمال

إذا لم تقترب منها يوما ما لن تستطع أن تشعر بما أقوله لك، ولكنها مجرد محاولة لأضع يدكم معي علي كل هذه التفاصيل الإنسانية والفنية والروحية التي حرمنا منها مخرجو ومنتجو السينما والدراما.

نرشح لك:
كواليس ظهور نعيم عيسى أحد أبطال “ريا وسكينة”

وأنا أعلم تماما مدى موهبة سيمون، التي لم نستمتع بها حتى الآن، وبعد ثلاثين عاما من دخولها الفن بداية من إحداث تغيير جذري في الأغنية التي نجحت من خلالها باجتذاب الشباب والبنات حولها بعد أن كانوا بعيدين عن الاستماع إلى أغاني غربية في فترة من الفترات فاحتضنتهم هي بأغاني مصرية حديثة لُحنت بألحان غربية، فكانت أهم مغنية على مستوى الوطن العربي.

كما كانت أول مطربة قدمت أول فيديو في الوطن العربي، وحتى عندما دخلت التمثيل لأول مرة أمام فاتن حمامة في فيلم “يوم مر يوم حلو” أبهرت فاتن حمامة، سيدة الشاشة العربية وعندما دخلت فيما بعد المسرح كانت أقوي من وقف أمام الفنان محمد صبحي، في تجربة رائدة بثلاث مسرحيات مختلفة تقدم أسبوعيا هي “كارمن” و”لعبة الست” و”سكة السلامة”.
ولكم أن تتخيلوا كم هذا مرعب ومرهق وصعب بل غنت قصائد باللغة العربية الفصحى على عكس ما قدمت من قبل من أغاني منها “بتكلم جد” و”مش نظرة وابتسامة” التي أصبحت علامة للأجيال الجديدة من المطربين الشباب الآن وغيرها من هذه النوعية، التضاد تماما ولكن هذه هي موهبة سيمون، المرعبة في تنوعها سينما، ومسرح، وتلفزيون.

كما وقفت أمام عمالقة الفن مثل صلاح السعدني، ومحمود ياسين، ومحمود مرسي، وجميل راتب، وغيرهم وغيرهم الكثير، إذ نحن شاهدنا كل ألوان الفنون وبمنتهى المتعة والصدق والتلقائية حتى قدمت “الست صباح” في “بين السرايات”، تلك المرأة الجدعة من الطبقة الشعبية التي تشبه مصريات كثيرات.. هي سيمون التي قدمت العكس تماما من أدوار أرستقراطية مثل “الكونتيس سجريس” في “فارس بلا جواد” وهي أيضا سيمون المثقفة التي تتكلم بثلاث لغات بطلاقة، إذن نحن أمام فنانة متفردة في تنوعها الواعي المثقف الذي يوصل أيضا قيم ورسائل معينة لمجتمعها إلي جانب المتعة من الفن.

وأرى أنه من المهم أن يكُن الفنان واعيًا بما يقدمه، فماذا تبقي لمخرجي مصر ومنتجيها لإثبات موهبتها المتفجرة المعجونة بالفن ليقدموها لنا في الكثير من الأعمال؟ ولماذا تركوا موهبتها بدون أن يستفيدوا من كنزها؟ عقلية وموهبة بذكاء سيمون، كان لا بد أن يكتب لها الكثير من السيناريوهات.

فهي تستحق أن نكتب عنها الكثير، لأنه حقها وحقنا الأدبي، وأنا أري أنها لم تأخذه حتى الآن لا على قدر مستواها الفني ولا الإنساني، هذين الجناحين السليمين عندها، وقلما يتواجد لدي فنان جناح الفن وجناح الإنسانية في سلامة لم يخربشهما الزمن أو يمس أحدهما، فنانة ما زالت تمتهن مهنة الفن ولا تمتهنها.

عملها الإنساني جعلها أكثر قربا من الأرض، ومن الناس، فكانت أول سفيرة عربية للنماء الإنساني، وإذا كانت سيمون حالة فنية خاصة فهي حالة إنسانية متميزة، أو ببساطة هي حالة إنسانية أيضا فبشهادة كل من اقترب منها هي ممرضة إنسانية ناجحة في تطييب النفوس والأرواح.

الفن من وجهة نظري هو رسالة، وحالة من التعبير البالغ الخصوصية تؤديها سيمون ولا تتخلى عنها أبدا.

فالمدهش وأنا كاتبة أن تصبح مسئولية الكتابة عن فنها الذي تقدمه حساسة جدا بقدر حساسيتها هي الفنية، والإنسانية، ففنانة بحجم موهبتها التي وصلنا منها الكثير من القليل، الذي قدمته بسبب قصر رؤية بعض المخرجين، الذين لم  يكشفوا لنا هذه الكنوز الفنية الكامنة في موهبتها، والتي قالت عنها الفنانة الكبيرة شادية: “هذه فنانة لديها طاقات فنية كبيرة لم يستطع أن يكتشفها أحد حتى الآن”.

فأنت تفاجأ في كل عمل هي تجسده سواء غناء أو تمثيل بأنه شيء مختلف عن السائد، حتي أنها في الجزء الثاني من “الكبريت الأحمر” قدمت شخصية “عيشة قنديشة” تلك الجنية المغربية التي أرعبت الوطن العربي بمجرد بلغة عيونها التي كانت تتكلم بها طوال الوقت فكانت البوابة السحرية وهذا أصعب أنواع التعبير.



وسيمون بقدر المتاح تقترب وتعمل، وعندما تختار أن تبتعد، تبتعد لأنها تشعر بأن المناخ لا يناسبها هي أو أي ممثل جاد فتفضل الابتعاد مؤقتا لتعُد بعد سنوات لتكُن أقوى وأنضج وأرفع مستوى في الأداء وسط هذا المناخ الضاغط الساحب لأسفل، وهي لا تتنازل أبدا عن ما تحبه وترضاه، ولأنها تربت في كنف فاتن حمامة، وهو بيت أصول لفن يحترم جمهوره، هي مدرسة فاتن حمامة بكل التزامها وبهائها والثبات على المبادئ، وهي عملات نادرة وأحجار كريمة لا يقدرها إلا كل ما هو جواهرجي رفيع المستوى، وليس تاجر سوقي لا يعرف قيمة الأشياء، فهي دائمة الاكتشاف حتى الآن، وقد نجحت في أن تجعل من تاريخها الفني والإنساني سيمفونية تستحق التذوق والاستماع.