يوسف زيدان.. قليل من التأثير كثير من الجدل

طاهر عبد الرحمن

لم تعد صناعة الجدل، أو ما يمكن تسميته  بـ”التريند” كما شاع في السنوات القليلة الماضية، مسألة صعبة أو حكرا على فئة بعينها، بل أصبحت مشاعا للجميع، ويكفي جدا تصريحا أو رأيا ما على مواقع التواصل الاجتماعي أو برامج التوك شو، أو حتى مقطع فيديو أو صورة لينشغل الناس بها لساعات وأيام، كل حسب الوسيلة التي يستخدمها، وفق مدى غرابة التصريح أو الفيديو وصدامه مع التقاليد والعادات الاجتماعية، أو على المستويات السياسية وحتى الدينية.

وفي الفترة الأخيرة فإن قائمة تضم أسماء بعينها إتخذت، بقصد أو بدون قصد، تلك الطريقة في التعبير عن آرائها وتوجهاتها، وبأي شكل من الأشكال فإن اسم يوسف زيدان يحتل مكانا متقدما في تلك القائمة في إثارة الجدل، سواء صرح أو كتب شيئا.

المتابع الجيد لكل ما يقوله د. زيدان يستطيع ملاحظة أنه يتعمد ذلك، فهو لا يترك أية فرصة إلا ويخرج علينا برأي أو تصريح مثير، حتى وإن لم تكن هناك مناسبة تستدعي مثل ذلك الرأي أو التصريح، فالمهم – على ما يبدو – عنده هو أن يكون في دائرة الضوء – سلبا أو إيجابا – لأطول فترة ممكنة.

في الغالب يبدأ الأمر هكذا: يكتب أو يصرح بشيء خارج السياق أو صادم، فتشتعل السوشيال ميديا، رفضا أو قبولا لما قاله، وبعد عدة أيام يعود بمنشور يعلق فيه على التعليقات بأسلوب وكلمات أقرب إلى تحقير وتسفيه رأي معارضيه، فتشتعل السوشيال ميديا مرة أخرى، وهكذا مع كل رأي أو تصريح.

بالطبع من حق أي إنسان إبداء رأيه في كل أو معظم القضايا على اختلافها، لكن مشكلة زيدان الكبرى أنه لا يكتفي بمجرد طرح آرائه أو وجهة نظره باعتبارها اجتهادا منه قد يقبل الخطأ أو الصواب والنقاش المجتمعي المقبول والمعروف، وإنما يطرحها بمنطق “احتكار الحقيقة”، وبالتالي فإنه يبدو ضيق الأفق بأي آراء تخالفه ولا يقبل أبدا النقاش حولها، مهما كانت مكانة أو تخصص من يعارضه.

نرشح لك: بعد حديثه عن الصيام والمؤسسات الدينية.. يوسف زيدان يسخر من منتقديه

أكثر من ذلك فإنه في الغالب يظهر منفردا في كل البرامج، يصول ويجول دون حد ويقول ما يشاء، ومن النادر جدا أن يقبل وجود من يحاوره أو يناقشه.

يحب دكتور يوسف زيدان تقديم نفسه بثلاث صفات (مؤرخ ومفكر وأديب)، وفي الحقيقة أنه محقق تراث مشهود له بالكفاءة والدقة العلمية، خصوصا في تحقيقه لكثير من مخطوطات التصوف والصوفية والطب والكيمياء، وهي المهنة التي قضى سنوات طويلة من حياته فيها في مكتبة الإسكندرية، وعلى ما يبدو فإنه تأثر بقصص حياة السابقين، حيث كان الواحد منهم – نظرا لطبيعة الزمن المختلفة – يمتهن أكثر من مهنة، كأن يكون طبيبا وفيلسوفا وأديبا مثلا، ويكتب في كل تلك المجالات أكثر من كتاب، وهو ما يحاول أن يفعله زيدان من سنوات، لكن على الأقل كان هؤلاء العلماء على قدر كبير من التواضع والإخلاص للعلم فقط، ولم يكن هدفهم من العلم الحصول على الشهرة، أو التكسُب منه ماديا.

لا يمكن فصل أي وجه من الوجوه التي يقدم د. زيدان نفسه بها، فهي مختلطة ومُركبة، والتعامل مع كل واحد منها على حدة، وهنا المشكلة الكبرى، فعلى سبيل المثال نلاحظ أن ما أثاره مؤخرا – كباحث ومفكر – عن موضوعي الصيام والجماع في زمن الوباء مرتبط بشكل ما بما حدث قبلها بساعات عندما أُعلنت جائزة الرواية العربية، البوكر، وفاز بها غيره.

السؤال بشكل مباشر: لو فاز “الروائي” يوسف زيدان بالجائزة هل كان “المفكر” يوسف زيدان قد صرح بما صرح؟! لقد فاز بالجائزة من قبل عام 2009 وبالطبع كان يتمنى لو فاز بها مرة أخرى.

إن رواية “عزازيل” تمثل حالة خاصة جدا في تاريخ الدكتور الباحث والمؤرخ، فكانت بمثابة شهادة القبول التي حازها للدخول في عالم الأدب، على الرغم من كل الخلط الذي أحاط بها كرواية وردود فعل الكنيسة على ما أثارته، وكذلك الاتهامات بسرقتها أو “اقتباسها” من رواية قديمة.

بعدها اقتصرت إصداراته الجديدة على الرواية والقصص القصيرة، (هناك أيضا بعض الكتب والتي جمع فيها بعض مقالاته التي سبق ونشرها في الصحف، مثل كتابي فقه الثورة ومتاهات الوهم) لكن لم تلقى رواياته (على سبيل المثال روايتي “جوانتانامو” و”محال” ومجموعته القصصية “حل وترحال” وأيضا روايته الأخيرة “فردقان” والتي اختيرت في القائمة القصيرة لجائزة البوكر!) الصدى والترحيب النقدي والجماهيري المطلوب، (ينبغي علينا ذكر أنه لم يفز بأي جائزة أدبية بعد البوكر عام 2009) وهنا – كان حتما عليه العودة إلى “دفاتره” القديمة.. وتحديدا دفتري التاريخ والدين!!

هناك الكثير مما يمكن الاتفاق عليه مع ما يطرحه الدكتور يوسف زيدان، خصوصا في بعض المعلومات التاريخية التي وصلتنا مغلوطة أو مشوشة، لكن الاختلاف – كل الاختلاف – على طريقة العرض والتقديم، وأيضا اختيار التوقيت، وأكثر من ذلك اختيار اللفظ والكلمات، كل تلك عوامل تضمن وصول رأيك ووجهة نظرك لأكبر قطاع ممكن من المتابعين، وأيضا تضمن لك الكثير من المؤيدين، وهو ما يفقده – ربما عن عمد – الباحث والمؤرخ والأديب.. الكبير!

لنسأل مرة أخرى؛ لماذا لا يكتب يوسف زيدان – مثلا – رواية يُضمّن فيها رأيه في “صلاح الدين الأيوبي” أو تاريخ “المسجد الأقصى”، كما فعل في روايته عزازيل، وأن يرحمنا قليلا من إطلالته المتكررة على شاشات التلفزيون، ومن ناحيتي – إن فعلها وكتب – أضمن له “البوكر” مرة ثانية وثالثة، وإن كنت أشك في ذلك، لأن إدمان “التريند” أقوى بكثير من أية أنواع إدمان أخرى، خصوصا وأن الطريقة أصبحت سهلة ومُجربة!!

نرشح لك: القائمة الكاملة لأبرز قذائف يوسف زيدان التاريخية