أماني زيان تكتب: الخالة والدة (2).. هات لنا من قلبك حبة حرية

النهارده يوسف -الباسم دائمًا أبدًا- كان عندي بيطمن عليا، وخدنا الكلام كالعادة حتى وصلنا لرغبته في القراءة، فعرضت عليه أن يأخذ ما يحب من المكتبة بشرط إعادته فورًا.

أخرجت له كتاب الأيام لـ طه حسين فرد عليا فورا “لا مابحبوش”.. فضحكت وقلت له “صعب قوي صح؟”، فهز كتفه غير مبالٍ “أنا ما قرتش له حاجة أصلًا”.. فنظرت له في دهشة “أمال ما بتحبوش ازاي يا زفت؟”، فضحك وقال “بيقولوا إنّه راجل مش تمام”، فأصابتني الدهشة في مقتل هذه المرة، “ليه هو كان متقدم لخالتك وسألت عليه؟!” فحاول أنّ يدافع عن رأيه بأن هناك أصدقاء له قرأوا وأثبتوا له أنّ هذا الرجل وعباس العقاد أيضًا “مش تمام”. “مش تمام ازاي يعني”، هم “بيتفلسفوا في الدين”!.

نرشح لك: أماني زيان تكتب: الخالة والدة(1).. أولاد إخواتي الأعزاء.. شكرا

كدت أنّ أنفعل عليه وأنزل عليه بوابل من الشتائم والاتهام بالجهل، لكني كظمت غيظي وقلت له بهدوء “ماتحكمش إلا لما تقرا بنفسك أنا مابحبش اقرأ لعباس العقاد فعلًا لأنّه صعب جدًا، وكأنّه بيكتب ليثبت لنفسه حاجة مش للناس، لكن ده حكمي أنا مش اللي بيقولوا”، هز رأسه باسمًا كعادته يأخذني على قد عقلي، وبالطبع لم يقرأ له.

ظللت حزينة على الجيل الذي أصبح يأخذ معلوماته وأحكامه سماعي، ويرفض كل الرموز بمجرد قراءته بوست على “فيس بوك”! يشكّكون في أي شيء له قيمة، لماذا؟ لا أعلم، لكن بعد يومين كتب يوسف بوست على “فيس بوك” يتكلم فيه عن الحرية، وأنّه سعيد جدًا لتحويله كلية تجارة عربي!!

صدّمة بالنسبة لي، لقد كان عندي وسألته عن أخبار الصيني، اللغة التي يدرسها في جامعته وأشار لي بيده وبابتسامته الواسعة أنّ كله تمام!.

الجدير بالذكر ولتفسير سبب إخفائه الحقيقة عني، أنّ يوسف رفض يدخل حربية أو شرطة رغم توفر كل المواصفات والإمكانيات والقدرة أيضا على تذليل كل العقبات له، لتسهيل دخوله وقبوله بأي من تلك الكليات.. كان تبرير رفضه بالنسبة لي قاتل بل قاسٍ، لا اعلم لماذا؟ كل ما قاله لي وقتها “مش عايز ابدأ حياتي بواسطة”، فوعدته بعدم التدخل منا أو من العائلة، وكان طبعًا وعدًا في الهواء.. من منّا يستطيع الاستغناء عن الواسطة! “مجنون ده ولا إيه”.. فرد عليا “طيب ما أنا لما هكبر هبقى واسطة، وده هيخليني أعطي فرصة لمن لا يستحق ودي مصيبة بلدنا”!

وقتها كان مُصرّ يدخل تجارة عربي لأنّه يخطط للعمل ولا ينوي تضييع وقت في الدراسة، ونحن معترضون لأنّه متعلم في مدارس لغات وبأموال طائلة وأشياء من هذا القبيل.. وأختي كانت في حالة شبه انهيار، فنهرته ليرضي والدته حتى لو على حساب نفسه، فرفض التنازل ثم دخل ألسن صيني، وبعد سنتين حوّل لكلية تجارة عربي، وهو مقتنع تمامًا أنّ المستقبل ليس بالشهادة، ورغم قناعتي برأيه لكنني كنت من أشدّ الرافضين، فهل يستطيع حقًا تحديد خطواته ووضع خطة لمستقبله؟

ببساطة، الحرية بالنسبة ليوسف أنّ يفعل فقط ما يقتنع به، طالما أنّ الأمر يخصه، لكن الغريب في الأمر أنّني أجد هذا غريبا، ففي جيلي كانت الحرية أنّ أفعل ما يحلو لي طالما أنّ هذا لا يعارضه أبي وأمي وإخوتي وخالاتي وعماتي والجيران!! وكان ذلك صعبًا، فكنت أكتفي في عصري بإرضاء الأسرة الصغيرة فقط وعلى استحياء كمتمردة، وكأني أتصرف في مستقبلي أنا مثلًا!

كنت أتمنى دخول كلية الفنون الجميلة، وبعد نجاحي في القدرات أمي رفضت لأن الكلية بعيدة جدًا عن المنزل، ثم ختمت الجملة “اعملي اللي انتِ عايزاه”، وكان معناه بالنسبة لي في ذاك الوقت.. إياكي ثم إياكي! أو كلمة “أنتِ حرة”، كانت تعني عكس الكلمة تمامًا، ويليها قلبي وربي وكل اللي نعرفهم في مصر والوطن العربي غضبانين عليكي!!.

نرشح لك: محمود فوزي السيد يكتب: ما فعلته شيرين في شيرين

الحرية اختلفت كثيرًا.. ربما أنا لم أتذوق يومًا طعم الحرية بهذا الشكل.. أوَليست الحرية أنّ نغضب ممن حولنا؟! ثم يجلسوا ليشاهدوا النتيجة فيندمون على كل لحظة تنازلوا فيها عن استنشاق هوائهم الخاص؟!!

بوست يوسف عن الحرية كان معناه كبيرًا بكلمات صغيرة.. يختلف عمن يكتبون كلمات كبيرة بمعانٍ شديدة الصغر تكاد لا تُرى ولا تُحس…

نقدم لك| أبرز 7 تصريحات مثيرة للجدل للكاتب يوسف زيدان