أحمد فرغلي رضوان يكتب: دمشق حلب.. يحقق حلم دريد لحام

“أحلامي الكبيرة انتهت”.. هكذا علّق النجم السوري القدير دريد لحام على آخر أعماله السينمائية “دمشق _حلب”، الذي عرض في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي مؤخرًا، أعترف أنّني ذهبت لمشاهدة الفيلم وأنا متخيل ما سأتعرض له وما يثيره الفيلم في نفسي من ألم مما حدث في سوريا خلال السنوات الماضية، وهو ما تعرض له بشكل أو بآخر كل إنتاج السينما السورية في الداخل والخارج خلال السنوات الأخيرة.

وكما يقولون “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، فالجميع تسابق لعرض وجهة نظره في الحرب الدائرة هناك من خلال شاشة السينما، الفيلم من بطولة دريد لحام ومعه مجموعة من النجوم السوريين مختلفي الأجيال، مثل صباح الجزائري، كندا حنا، سلمى المصري، عبدالمنعم عمايري، وغيرهم، ومن تأليف تليد الخطيب، وإخراج باسل الخطيب.

يعود بهذا الفيلم دريد لحام بعد غياب نحو 10 سنوات منذ فيلمه الأخير “سيلينا”، وهذه المرة بعمل ربما كان صعبًا عليه، فهو في أوضاع لم يعرفها من قبل وبعيدة عن الكوميديا التي عشقها، إذ تدور أحداث الفيلم هذه المرة حول تداعيات الحرب وما خلّفته على المواطنين، وعن ذنب الملايين في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، من ظلّ منهم داخل وطنه ولم يرحل عاش مهددًا، ومن خرج أصبح لاجئًا، بسبب الحرب “العالمية” التي دارت فوق أرض سوريا، ودمرتها وخربت اقتصادها.

يحسب للفيلم عدم تعرّضه للمعارك بشكل مباشر، فالأبطال أشخاص عاديين تأثروا بها بشكل أو بآخر، نشاهدهم خلال رحلتهم بالباص من دمشق إلى حلب، عدد من الشخصيات يتعرفون على بعضهم البعض خلال تلك الرحلة، حيث يذهب المذيع المعروف عيسى عبد الله لزيارة ابنته هناك، وتنشأ بينه وبينهم علاقة إنسانية “أبويّة” من خلال عدة مواقف، فنجد شباب الفرقة الموسيقية الذين ما زالوا يعزفون ويغنون، والعروس التي تحاول اللحاق بموعد عرسها، والمريضة التي تريد أن تموت على أرضها، وعيسى الذي يتذكر حبيبته القديمة ويذهب لزيارتها، مواقف كثيرة صنعها السيناريو بشكل جيد.

نجح دريد بأدائه الهادئ الذي لم يخل من خفة الظل، في قيادة مجموعة الممثلين لتقديم مشاهد إنسانية رائعة حتى نهاية الرحلة، في محاولة للتخفيف عن بعض رفقاء تلك الرحلة، وربما وجد البعض أنّ بعض تلك المشاهد تحمل “مثالية” زائدة!.

أيضًا إيقاع الأحداث كان بطيئًا نوعًا ما، لكن ظروف عمل الفيلم بالطبع لا تسمح بأكثر من ذلك، فهو في النهاية يوجّه رسالة معينة ووجهة نظر مما يدور هناك، وأيضًا يوجّه اللوم أحيانًا للعالم العربي على ما حدث، وتركهم لسوريا في تلك الأزمة، فنجد المذيع المتقاعد يتذكر داخل غرفته في الإذاعة الرسمية، ويقول “هنا القاهرة وبغداد.. من دمشق”، متذكرًا فكرة القومية العربية.

يحمل الفيلم العديد من الإسقاطات السياسية التي تحاكي الوضع الراهن في سوريا، من خلال القصص الإنسانية التي يتناولها، والتي تحمل العديد من المفارقات والتناقضات الاجتماعية والفكرية، ومن بينها قصة ابنته التي تعيش في حلب، لكنها تستيقظ في أحد الأيام لتجد أن الحي كله زُرِّع بالألغام وأصبح من الصعب السير فيه، وتبقى الفتاة عالقة مع ابنها في منزلها بعد أنّ فقدت زوجها، وبعد أن اكتشفت وجود ألغام أمام منزلها!.

وفي مشهد يحبس أنفاس المشاهدين، جسّده ببراعة دريد لحام وكندا حنا، يجازف الأب بعد وصوله لابنته وحفيده بالعبور فوق منطقة الألغام، وتقف الابنة تبكي وهي خائفة على الطرف الآخر من الشارع، لكن نهاية تلك الحكاية هو رسالة الفيلم بأنّ الحرب وصلت لمحطتها الأخيرة وكل شيء سينتهي قريبًا.

أتذكر هنا لقائي وعدد من الزملاء الإعلاميين مع وليد المعلم في العام 2015 بمقر وزارة الخرجية السورية، عندما قال “نحن في الربع ساعة الأخيرة من المعركة”، حينها تعجبت من ثقة الرجل والحرب دائرة. أسمع صوت قذائف الهاون وأنا نائم داخل غرفتي في الفندق بدمشق!، لكن الآن بالفعل انتهت تقريبًا المعركة، والذي دفع الثمن ملايين من إخواننا السوريين، من بقيّ منهم ومن خرج إلى بلاد العالم!، هم ضحايا ألاعيب السياسة القذرة التي كانت تستهدف سوريا منذ سنوات، عندما وقّع بوش على قانون ما يعرف باسم “محاسبة سوريا”!.

أحمد فرغلي رضوان يكتب: يوم الدين.. عن قسوة مجتمع