أحمد فرغلي رضوان يكتب: تراب الماس..عن مجتمع فقد براءته

نعيش تبعات ذلك القرار .. جملة نسمعها بصوت الراوي في بداية الأحداث لفيلم “تراب الماس” والذي بدأ بثورة يوليو 1952 والتي اطلق عليها صناع الفيلم “إنقلاب عسكري على الملك” ثم جاء ذلك القرار الذي عشنا تبعاته إلى اليوم! وهو إزاحة الضباط الأحرار للواء محمد نجيب وتولي جمال عبدالناصر للسلطة مكانه.

ولم يكتف السيناريو بذلك فيذكر في وقت لاحق على لسان الإعلامي شريف مراد جملة “لو كان محمد نجيب..سبق بخطوة واحدة كان الحال تغير” وهنا الربط سيتم حتما بين أرباب السياسة عندما يشاهدوا الفيلم! للحديث عن خطوات أخرى لو تمت في السنوات الأخيرة كان الحال تغير!

هكذا تكتشف منذ البداية أن فيلم “تراب الماس” به جرعة سياسية وآراء جريئة وإسقاطات على شخصيات كثيرة طوال الـ 65 سنة الماضية وهو ما يحسب للرقابة، ثم ينتقل السيناريو “البطيء” في الجزء الأول من الأحداث إلى كشف لغز “تراب الماس” الأداة التي أستخدمها أبطال العمل كوسيلة للإنتقام أولا من الفاسدين في المجتمع ولاحقا للإنتقام الشخصي! حتى كاد أن يموت جميع الأبطال بتناول تراب الماس!  ولكن يظل الخط السياسي حاضرا منذ الإسقاط على أحد رجال القانون المشهورين في عصر مبارك “محروس برجاس” ثم رجل الأمن وليد سلطان وعلاقته بالإنتخابات مع رجل الأعمال “هاني بيرجاس” وعالم البلطجية الذي يمثلهم “سرفيس”.

بريق سينمائي ولكن!

بدون شك نسعد بأن يكون لدينا عمل سينمائي بين فترة وأخرى مثل “تراب الماس” خاصة في ظل سيطرة السينما التجارية على سوق الإنتاج وعدم تحمس شركات الإنتاج لمثل هذه الإنتاجات الكبيرة والمغايرة والتي بها مخاطرة جماهيرية ولذلك مهما كانت هناك ملاحظات فنية تجاه الفيلم يبقى إنه بمثابة “قبلة حياة” للسينما في 2018 تحتاجها بشدة صناعة السينما المصرية العريقة هو لوحة سينمائية جميلة تشاهدها ولكن تفاصيلها قد تزعجك! خاصة من قراء الرواية الذين انحازوا أكثر للنص الروائي عن الفيلم! وبالمناسبة حدث ذلك أيضا مع عمارة يعقوبيان! هي مشكلة تلاحق دائما الأعمال السينماية المأخوذة عن نص أدبي ولكن يكون جماهيريا مفيد لاهتمام جمهور الرواية بالفيلم ولذلك الايرادات الجيدة لتراب الماس وراءها هذا الجمهور.

تستطيع القول أن المخرج مروان حامد منذ فيلمه الحدث “عمارة يعقوبيان” تحديدا وهو يلفت الأنظار بمستوى عال جدا في التكنيك السينمائي يحسب له وظهر بشكل لافت أكثر في فيلمه “إبراهيم الابيض” الصورة وحركة الكاميرا ولوكشن التصوير هي شغله الشاغل ولكن دائما ما يأتي ذلك على حساب الاحساس بالشخصيات والتأثر بها والتفاعل معها فتخرج من “تراب الماس” غير متعاطف مع أيا من شخصيات العمل! تشعر أن مشاهد الفيلم “قص ولزق” بدون “روح” ولذلك ممكن القول أن تراب الماس ينقصه عذوبة المشاعر والاحاسيس! وكذلك ضعف الحوار كان واضح بين الشخصيات، هو فيلم صادم عن “وطن بيغرق براحة” كما جاء في حوار العمل! تراب الماس حكاية طويلة لمصر خلال 65 سنة، كان الأفضل تقديمها على جزءين بتفاصيل وشخصيات أكثر، ولذلك هي جرعة قاسية على المشاهدين يزيدها “كآبة” الجو العام للأحداث التي تدور حول “قتل_ إغتصاب_ شذوذ” وشخصياته الغير سوية وتبرير القتل كحل وحيد لدى الجميع! ما الذي يريد أن يطرحه الفيلم هنا، تبرير القتل؟! وغياب العقاب عن الجناة!

الفيلم يقترب زمنه من ثلاث ساعات وهو وقت كثير جدا وكان يمكن الاستغناء عن مشاهد فلاش باك كثيرة مثل مشاهد “تونا” ملاك الرحمة بالجيش الإسرائيلي! التي ذهبت وعادت وكانت أول وآخر حب لوالد طه الزهار وكذلك شخصية شريف مراد كانت ضعيفة دراميا “حشو” ولو تم حذفها لن تفقد الدراما شيئا سوى نموذج الإنحراف الجنسي الذي يمثله! أو التركيز على شخصية محروس بيرجاس ترزي قانون السلطة لعشرات السنين خاصة في ظل مقدمة الفيلم وأبعادها السياسية كان سيكون افضل لدراما الاحداث.

عنصر التمثيل في الفيلم تفاوت بين طاقم العمل الكبير ويعتبر ماجد الكدواني صاحب أفضل أداء بالعمل هو الضابط الفاسد وليد سلطان بتفاصيل للشخصية مدهشة وردود أفعال ممثل محترف، بدون شك من أفضل الممثلين في مصر حاليا وكل شخصية يقدمها يقنعنا بها ومعه محمد ممدوح في شخصية “سرفيس” كان موفق جدا وقدمها بشكل رائع، وآسر ياسين، ومنه شلبي قدما أداءا جيدا باحتراف ولكن تشعر إنه مكرر أحيانا! وربما أفضل المشاهد الإنسانية لآسر ياسين والتي مست مشاعر الجمهور عندما أفاق طه من الغيبوبة واكتشف إن والده مات” ولكن عليهما التركيز أكثر في تفاصيل شخصياتهما القادمة، ومن مفاجأت الفيلم الفنان أحمد كمال، أما الفنان أياد نصار فقدم أداء “مقبول” لشخصية الإعلامي “المنحرف جنسيا” ورغم تجسيده لأحد مشاهد الفيلم “المهمة” مشهد إغتصاب صديقته إلا انه ظهر بأداء “عادي” مما انعكس على جمهور العرض وتسمع ضحكات أثناء المشهد العنيف المؤذي !!

عادل كرم في أول ظهور له مع السينما المصرية في دور مثير للجدل ممكن القول إنه نجح في التواجد وسط هذه المجموعة من النجوم بأداء “جيد” لشخصية هاني برجاس رجل الأعمال الشاذ جنسيا، ويبقى ضرورة الاشادة بفريق عمل الفيلم  أحمد المرسي وأحمد حافظ وهشام نزيه أضافوا كثيرا لبريق تراب الماس السينمائي.

ينتهي الفيلم وتبقى أسئلة هل “تراب الماس” هو الحل الوحيد ؟ هل ما حدث طوال الأحداث من تبعات قرار ناصر ورفاقه ضد محمد نجيب؟

أحمد فرغلي رضوان يكتب: عزت العلايلي.. فلاح السينما الفصيح