أحمد فرغلي رضوان يكتب: Phantom thread.. يليق باعتزال "السير"

ربما تكون جائزة أوسكار التمثيل هذ العام هي الأصعب في السنوات الأخيرة فالمنافسة بين اثنان من الكبار جاري أولدمان و”السير” دانيال دي لويس “محتدمة” كلاهما قدم أداءً رائعًا وإن مالت الكفة لصالح أولدمان والذي وصل إتقانه للدور بأنهم قالوا “مثل دور تشرشل أفضل من تشرشل نفسه”.

شاهدت مؤخرا phantom thread وأعترف أنني توقعت مستوى فنيًا أفضل، خاصة إن بطله هو دانيال دي لويس ولكن رغم أن العمل ليس مميزا ولن يبهرك وإن ترشح لست جوائز أوسكار، لكن هو حالة فنية خاصة بعالمها الذي اتقنه المخرج بول توماس اندرسون خاصة في التصوير والأزياء والديكور والألوان والموسيقى التي كانت جزء من السرد في لحظات كثيرة، ربما أكبر عيوبه الريتم الهادئ جدا للأحداث والذي يصل أحيانا لحد “الملل”، ولكن في لحظة ما تبدأ تستمع بتحولات العلاقة وتبدل أدوار الهيمنه بين وودكوك “دي لويس” وألما “فيكي كريبس” الشخصية المزعجة له بتصرفاتها وثالثتهما شقيقته التي تعيش في نفس المنزل بنظراتها المعبرة أكثر من حوارها الممثلة القديرة “ليسلي مانفيل”.

معاني إنسانية كثيرة بالفيلم من خلال شخصية “مصمم أزياء” إنجليزي شهير في الخمسينيات يدعى “وودكوك” يتعامل مع الناس بأنه فنان عبقري، يعتز بشخصيته جدا، تشعر أحيانا أنه مغرور، يُجبر الجميع على تقديره وأصبح النساء يحلمن بأن يصمم لهن فستانا واحدا، بعد أن أصبح مصمم الأميرات والمشاهير، أحيانا يشعرك بأنه فنان يرسم أو موسيقي يعزف وليس “خياط” يأخذ المقاسات من فوق جسد الموديل! بالطبع هنا أداء المبدع دي لويس يسيطر على المشاهدين، وتكتشف منذ البداية ان شخصية البطل “معقدة” وغريبة الأطوار ربما من ماضي مؤلم عاشه!

وكعادة أي فنان يظل يبحث كل فترة عن ملهمة جديدة له تشعل إبداعه، وبالفعل يجد فتاة تعمل في أحد المطاعم بالريف الإنجليزي فيأخذها لمنزله وتصبح عارضة أزياءه الأولى وملهمته ولكن تظل العلاقة متوترة فالفجوة الاجتماعية والثقافية كبيرة بينهما ولكن اللافت علاقة الحب بينهما كلاهما أحب الأخر، ونكتشف أن الحب الحقيقي يظهر عندما يبدأ التنازل بين الطرفين عندما يحب عيوبها التي كرهها في البداية، فالتنازل جزء لا يتجزء من الحب.

وداع يليق

ربما يتشابه الممثل مع لاعب الكرة في انه هناك وقت للتألق والنجومية “يخفت” بعد فترة ويكون حتميا على لاعب الكرة الإعتزال اما الممثل فحسب قدرته على التكيف مع الزمن والوضع المتجدد وبالطبع هم ندرة من يكملوا سنوات طويلة بنفس التألق والنجومية.

دانيال دي لويس وبدون سابق إنذار أعلن الاعتزال قبل عدة اسابيع من بداية عرض فيلمه الأخير عبر بيان من متحدثته الإعلامية قالت ” لن يعمل دانيال داي لويس بعد الآن ممثلا إنه ممتن جداً لكل من تعاونوا معه، ولجمهوره طوال السنوات الطويلة الماضية إنه قرار شخصي خاص، ولن يكون له أو لأي شخص آخر يمثله أي تعليقات أخرى على هذا الأمر “، وسبق وكرمه الأمير وليام بمنحه لقب “سير” في 2014 .

بكل تأكيد سيكون خسارة للسينما العالمية وجمهورها فهو وحسب الصحافة العالمية واحدا من أفضل الممثلين في تاريخ السينما العالمية “ترشح للاوسكار خمس مرات فاز بثلاث جوائز منها” بفضل وصوله للحد الأقصى الممكن بدنيا ونفسيا للشخصيات التي يجسدها وقليلين من يصلوا لهذا المستوى من الأداء، مثلا حينما كان يؤدي دور كاتب مصاب بشلل دماغي في فيلم “قدمي اليسرى”، كان يجلس طوال الوقت على الكرسي، وكان فريق العمل يتولى إطعامه! وعرضته معايشته لشخصياته لمشكلات فمثلا كان ينزل الشارع في روما اثناء تصوير فيلم عصابات نيويورك ويفتعل “الشجار” مع الغرباء!

بالطبع بينه وبين نفسه ينتظر “السير” دي لويس وداعا يليق بموهبته وداعا يحمل في طياته تقديرا من صناعة السينما التي أخلص لها وعشقها، رغم أنه كره الأضواء وابتعد عنها، فهل يحصل على الأوسكار الرابع يوم الأحد عندما يتم الإعلان عن الجوائز؟