أحمد عنتر يكتب: غربة "الزيبق"

الغربة ليست موحشة دائما، ليست متوحشة أو فاحشة، لكنها دائما ما تسرق قليلا من نخوة المهاجر وبعضا من مروءة المغترب لو لم يكن قد تربى في وطنه على الولاء والأخوة.. المغترب أحيانا يشعر بالتعالي بغربته ويستشعر في نفسه الفروسية وكأنه خرج من بلده محاربا دون سلاح.

للغربة تفصيل ومعان عبرت عنها بعض الأقاويل العبقرية التي شدتني في مسلسل “الزيبق”، لبطله كريم عبدالعزيز، فالمسلسل بني على غربة، شقيق هاجر من أجل نفسه ونسى أهله حتى أكلت الغربة من نخوته، وآخر خرج مفارقا أمه وأخته وابنه من أجل وطنه.

أحمد عنتر

مسلسل الزيبق رغم سذاجة بعض التراكيب الحوارية فيه، “زي مثلا إنه بيعلم الناس العادية، إن لو حد وقف في الشارع ووطى عشان يربط رباط الجزمة يبقى عميل للمخابرات وش واتعلم الحركة دي من اللي دربه عشان يقفش بيها اللي ماشي وراه بيراقبه”، حديث ضابط المخابرات لم يكن كله ذكيا، بل بدا بعضه ساذجا كلاسيكيا، إلا أن هناك تكوينات حوارية أخرى أظهرت فلسفة اجتماعية خاصة، ظهرت خصوصا في حديث البطل مع أخته أو مع ابنه الصغير، أو شقيقه الأكبر.

المسلسل حوى عدة جمل عبقرية عن الغربة.. أحدها صدرت من أخت كريم عبدالعزيز في حديثها لأخيها “اللي مش شبههم خالص” بعد أن عايرهم بسفره:  “الغربة دي إنت اللي اخترتها ومحدش جبرك عليها.. اتغربت عشان نفسك، عشان تعيش مبسوط، ما اتغربتش عشان حد ولا عشان تسند حد بغربتك اللي بتعايرنا بيها”، هناك جملة أخرى  قالها كريم عبدالعزيز لنفس الأخ، مستشعرا ما سقط من نخوة شقيقه الأكبر: “بلاش بعد كدا تستخدم نغمة الكبير دي عشان نغمة نشاز ومش لايقة عليك”.

الأخ الذي عاش في غربته 7 سنوات وعاد ناسيا لفضل الجميع ومتذكرا نفسه واجهته جملة أخرى من أخيه الأصغر، بعدما جمع الأخير حاجياته واستعد للسفر، جاء فيها: “أنا رايح أجرب الغربة وسايبك في حضن أمك وأختك اللي انت عايرتني بيه لما كنت متغرب، عيش شوية لأهلك”.