طارق الشناوي يكتب: سمير فريد ومتعة الخلاف

نقلًا عن المصري اليوم

اسمه عند كثيرين ممن يمارسون النقد السينمائى فى العالم العربى صار مرادفاً للمهنة، أحد أهم النقاد فى الساحة ممن يتعاطون مع الكلمة المطبوعة على مدار خمسة عقود من الزمان وبغزارة ودأب وإصرار وتحد، لم يكتف بهذا القدر بل كان فاعلاً فى الحياة السينمائية، من خلال مشاركته فى اللجان ورئاسته لبعضها وإقامته عدداً من المهرجانات، كما أنه، وهذا هو المفتاح الذى تطل منه عليه، دائما ستجده يقف فى أول الصف مدافعا شرسا عن الحرية والتى يراها ينبغى أن تمنح للجميع، وليس فقط ممن يتوافقون معه فكريا أو سياسيا، لم أضبطه يوما صامتا أمام أى اعتداء لكبت الآراء يمارس على الفنانين أو الكتاب والصحفيين. لا أنكر أننا لا نتفق كثيرا وليس فقط قليلا فى تناول العمل الفنى أو فى الدفاع عن توجه ما أو قرار يتحمس له أو جائزة يمنحها، وغيرها من أمور تجرى فى حياتنا الثقافية، ولكن لم يحدث، وهذه كلمة حق، موثقة بالعديد من المواقف، أن امتد الاختلاف فى وجهات النظر إلى خلاف شخصى، على العكس تماما عندما نلتقى، خاصة خارج مصر، لأن اللقاء فى مصر نادر، بمجرد أن ألتقيه لا يتبقى سوى الدفء، فى اللجان التى تجمعنا أحيانا أتحمس لرأى يقف على الجانب الآخر تماما من رأيه، ولكن المشاعر الإنسانية كانت ولاتزال لا تعرف سوى الحب. عندما بدأت ممارسة مهنة النقد السينمائى فى منتصف الثمانينيات كان قد سبقنى عشرات من الأسماء التى حققت لمعاناً وشهرة وحضوراً، وكان لها خصوصية فى الكتابة، أذكر منهم سامى السلامونى ورؤوف توفيق ومصطفى درويش ورفيق الصبان وكمال رمزى وعلى أبوشادى وإيريس نظمى وأحمد صالح وخيرية البشلاوى ويوسف شريف رزق الله وأحمد رأفت بهجت وآخرين، كل منهم كان له مذاق خاص، ولكن وجدت أن أكثر ناقدين يقفان كطرفى نقيض فى المنهج والأسلوب وأيضا فى تفاصيل التعامل مع الحياة، هما سامى السلامونى وسمير فريد. السلامونى نموذج للكاتب والناقد الذى لا يعنيه سوى المهنة وما يكتبه على الورق، ولا أتذكر أننا رأيناه يوما يرتدى بدلة وكرافت مهما كانت خصوصية المناسبة، بينما سمير متأنق فى ملبسه وأسلوبه، فهو يحرص على الصورة الذهنية للناقد.

وكثيرا ما كان يصلنا عن خلافات وصراعات بينهما، ولكن اكتشفت بعدها كم كان كل منهما يقدر الآخر، وأن خلاف المنهج لم يؤثر أبدا على الجزء الدافئ فى العلاقة الإنسانية، بل كانت هناك زيارات متعددة من سمير للسلامونى بحكم أن السلامونى كان رافضا لمبدأ الزواج، فكان بيته مقصدا لعدد كبير من الأصدقاء، وعند وداع سامى قبل ربع قرن فى قرية لسلامون) بالدقهلية، كان سمير هناك قد سبقنا إليه مشاركا فى وداعه، وعلمت بعد ذلك أيضا أنه قبل رحيله بأيام عندما علم بمرضه كان فى زيارة منزلية
له.

سمير بين النقاد هو الأكثر إخلاصا للمهنة، ولم يضبط يوما وهو متوجها نحو الشاشة الصغيرة فى رمضان، مثل أغلب النقاد، وأنا منهم، نهجر السينما تمشيا مع رغبات القراء فى هذا الشهر الكريم، وهكذا نتحول إلى كائنات تليفزيونية نتابع الدراما ونملأ المساحات المتاحة بتلك المادة التليفزيونية المطلوبة صحفيا. ولكن سمير يظل على العهد ويعتبر هذا الشهر فرصة لكى يلتقط أنفاسه ويعيد شحن بطارية أفكاره، ليظل محتفظا بإيقاعه السينمائى، ولا يمارس فعل الخيانة مع التليفزيون.

سمير بقدر ما هو مخلص للسينما أيضا فهو مخلص للقراءة مباشرة للصحف والكتب وهو لا يتعامل مع الوسائط الحديثة إلا فى الضرورة، رغم أنه مارس أيضا الكتابة النقدية فى عدد من المواقع، إلا أنه يفضل التعامل الورقى. ينتمى تاريخيا إلى جريدة (الجمهورية)، وأنا أنتمى إلى مجلة (روزاليوسف)، إلا أننا قبل نحو عام ونصف العام تزاملنا على صفحات أكثر الصحف الخاصة توزيعا (المصرى اليوم)، وأكثر من مرة نتابع الرسائل من المهرجانات معا مثل (برلين) و(كان)، وهذا التواجد زاد من مساحة الاقتراب. أتذكر الفيلم اللبنانى (ربيع)، كان معروضا فى (كان) مايو الماضى بقسم (أسبوع النقاد)، كان سمير قد سبقنى فى الدخول لدار العرض، كما أنه يحمل الكارنيه (الأبيض)، وهو الناقد العربى الوحيد الذى يحمله، والذى يوفر له التواجد فى كل الأفلام، مهما كانت موجات الازدحام، رغم ذلك وجدته ينتظرنى على الباب، حتى نشاهد الفيلم معاً، ونتجاذب الحديث. هذه الدورة فى برلين التقينا قبل أيام، فى الفيلم البلجيكى (انسرياتيد) الذى كان معروضا فى سينما (ماكس7)، وبالصدفة نُشر المقالان معا الثلاثاء الماضى، وكانت معه السيدة الرائعة زوجته منى غويبة، وقبلته مهنئاً بالجائزة، ويقينى أن (كاميرا البرينالى) فى مهرجان برلين، التى حصل عليها الأربعاء الماضى، بداية لرحلة عطاء قادمة رائعة يملؤها بقلمه إبداعاً.