مينا فريد يكتب: لو أننا لم نفترق

قد حان الوقت لأن أعترف بعدم نضوجي الفكري و العاطفي التام …

رغم كل الإحباطات بسبب الإضطرابات الحادثة في وطني.. لازلت أجد فرحة و تعويض و أمل بأشياء بسيطة و قد تعتبرونها تافهة…

لازلت أتأثر بأغنية وطنية من إنتاج الشئون المعنوية للقوات المسلحة .. هكذا صراحة يكتبوها في تتر الكليب بوجود لوجو لها.. يقولوا عزيزي المصري إسمع هذه لرفع روحك المعنوية .. و أنا أصدق و أحب و أسعد.. و أرفع روحي المعنوية…

لازلت أتجاهل السلبيات و أنظر لنقطة أمل .. سعادة بوجوه مبتسمة من سني تحيط بالرئيس .. سعادة بشكل حوار إيجابي .. أمل بمشاريع و خير قادم…

لازلت أتجاهل المحبطات أو المقلقات غالبا.. و أستسلم لها أحيانا.. كما العاشق الذي يحب حبا مطلقا بدون حسابات لكرامة بينه و بين من يحبها.. يتجاهلها أحيانا .. يبعد عنها بعض الوقت .. يفكر في الهجر النهائي.. يفكر في أن يتجاهل إرتباطه بها و أيامهما السعيدة معا… و يفشل مع أول رسالة قصيرة حتى و لو كانت باردة…

كما  العاشق الذي يحاط به من كل صوب من يقول أنها لفظتك.. إنها لا تحب سوى قلة قليلة لوجود مصالح متبادلة…
أصدقهم…

يملأ قلبي و روحي اليأس…

أتأثر .. اثور … أسخر.. أهاجم .. و كالطفل الذي يتوقف بكاؤه بعد ضرب أمه عندما تعطيه لعبة ملونة.. أجدني نسيت كل شئ و أي شئ مع أغنية .. مع مقطع إعلاني  جميل يقول هذه مصر… مع تقرير دولي بإرتفاع مؤشر ما….

هل أنا حقا تافه ؟

أم لازلت عديم الخبرة ؟

هل المشكلات التي يتحدث عنها اليائسون وهمية ؟

لا ليست وهمية.. السجون مليئة بالمظلومين .. و بالمتحمسين و بالمعارضين و الصادقين .. مع الإرهابيين و المنافقين و المنتفعين..

هل ألوم أبي من علمني سياسة الرضا… ؟ أم هل ألوم من علموني حب الوطن ؟ ألوم ربع قرن من التربية على أن وطننا هو الأعظم.. حلقة الوصل… وطن السلام .. جيش الرجل … أمل الغد… هي أشياء زرعت فينا كما يزرع في قلوبنا الإيمان بالله… الكفر صعب.. و اليأس من الوطن أصعب..

لازلت متفائل و أملك أمل … و لازلت في مرحلة من التيه و تشويش الرؤى… لازالت أفكاري مرحلية كما السذج… و إنقلابات أحاسيسي كما الأطفال.. و دموعي سريعة كالمنكسرين… و لكنني على الأقل صادق .. لا أتاجر بها و لا أبيع ما أشعر به و لا أفكر فيه في مقابل مال أو تأييد … هل فعلا هناك أمل ؟ أم ان الوطن قد أصبح مجلد مواقف يومية مختصرة في “كوميك” أو “نكته” أو “سبة” أو “كاريكاتير” ؟

كيف لي أن أتوقف عن الأمل ؟ لنتفق أن هذه الأيام باللون الرصاصي الأقرب للسواد لنتفق لبعض الوقت .. لن أسودها  بيأس.. و لن ألونها بالأحمر أو الأسود لتغييرها بثورة …. و لن أفعل شيئا سوى أن أحاول التمسك بتلابيب الأمل .. منكسرا متشائما سأظل ممسكا بها .. تافها غير مقدرا للوضع سأظل ممسكا به .. عاقلا سأظل ممسكا بها… مغتربا سأظل ممسكا بها….

لا يوجد حلول بديلة سوى الأمل و الإنتظار .. على الأقل بالنسبة لي…

لا يوجد حل سوى خلق منطقة أمنة من الأحلام .. مبنية على وقائع و مؤشرات … غير متجاهلة آلام الغير و مواقف ظلمه محاولة قول لا لأي ظلم .. لا حقيقية صادقة محبة … و هي تختلف عن لا شامتة و منتظرة السقوط…

و سأظل رغما عني … متمسكا بكل أغنية و كل قصيدة و كل رواية و كل ذكرى تجعلني أتذكر أن هناك حب لا ينتهي لوطني.

” رغم الرحيل .. رغم ما فعلت بنا الأيام .. قلبي لم يزل .. يحيا وحيدا بالأمل .. “

من قصيدة قديمة لفاروق جويدة

ولكنني أجبرت على هذا الفراق .. بسببك و ليس بسببي…

مهما بعدنا ستظل مصر لنا وردة طبيعية قد بدأت في الذبول … ولكنها لازلت بها رائحة طيبة… أما الباقي فمهما كان جميلا فهو ورد بلاستيكي بألوان زاهية و نظيف نزين به حياتنا …. و لكنه لن يستمر .. للأبد.