عمرو شوقي يكتب : مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (4)

صحافة «sexy»

لم أصدق نفسي حين فاجأني صديقي المهندس: “صحافة إيه وسلطة رابعة إيه يا عم؟ ده مواقعكوا بتعلن عن نفسها في مواقع السكس”.

-سكس؟
-آه.
-خضتني يا راجل.. بحسبك قلت سكس!

بالطبع كانت محاولة فاشلة مني للتهريج، للتغطية على محاولة منه للحديث بجدية، في موضوع سينتهي قطعًا بإدانتي. أينعم كنت دائم التحدث إليه عن الصحافة وأمجادها وأيضًا عوَأها وأوغادها، لكني كنت أركز دائمًا على دورها في بناء العقول، على عكس “الهندسة بتاعته دي” التي يقتصر دورها فقط على بناء البيوت!

كنت أحكي له عن ناظر الحربية محمود سامي البارودي، حين استقبل الصحفي المتصعلك عبد الله النديم، بحفاوة، وسط ذهول موظفي الوزارة، قائلًا: “أين كنت يا رجل، نحن في أشد الحاجة إليك”، ليصبح بعدها المتحدث الإعلامي باسم الثورة العرابية.

كنت أحكي له عن نفي الملك فؤاد للشاعر الساخر والصحفي الثائر بيرم التونسي، الذي ذاق مرارة الجوع بالأيام في مدينة مارسيليا الفرنسية، وكيف كان يقف أمام واجهات محلات الحلويات يتفرج بحسرة المُفلِس على الفطائر المنقوشة، ثم يخشى أن يراه الناس وينكشف أمره فينصرف خجلًا!

كنت أحكي له عن السيدة فاطمة اليوسف التي باعت سيارتها في الأربعينيات وقررت أن تذهب إلى الشغل “مشي” لتنفق على جريدتها “روزاليوسف” بعد تضييقات حكومة الوفد بقيادة جوز الست “زينب الوكيل”.

كنت أحكي له عن الأستاذ هيكل والنقلة الكبيرة لجريدة “لأهرام” على يديه في الستينيات “وما أدراك ما الستينيات”، وكيف جعلها ضمن أفضل 10 صحف في العالم!

حكيت له عن ذلك وأكثر.. لكن ما حكاه يبقى هو الأحقر.

أعطاني رابط موقع البورنو، وقال “ادخل عليه هتلاقيه فتحلك تلقائيًا نافذتين لموقعين صحفيين”.
ثم سأل:

-تراهن؟
-أراهن.

ودّعني مداعبًا “تدخل تشوف اللي قلت لك عليه وتخرج تاني.. بلاش شقاوة، متبقاش عامل زي مهنتك”! وأخذ يتباعد هو وضحكاته الشريرة المتقطعة.

ذهبت وفتحت الموقع وأنا متخبط وحائر، داعيًا الله أن أخرج منه بأقل الخسائر!

بمجرد أن فتح ظهرت بالفعل نافذتان، وإذا بهما موقعان صحفيان.. وخسرت الرهان.
بدون ذكر أسماء، الموقع الأول يبدأ بحرف الـ”ص”، “البلد” كلها عارفاه! والموقع الثاني يبدأ بحرف الـ”ف”، بمجرد رؤيتي له عرفت أن “الحكاية فيها إنة”!

بحثت عن موقع البورنو فوجدته ضمن أول 20 موقع تحقق زيارات في مصر على موقع “أليكسا”. هنا عرفت السر والسبب، وإذا عرف السر بطل السحر، وإذا عُرف السبب بطل العجب. تستغل تلك المواقع الزيارات المهولة لموقع البورنو الأول في مصر، لتحقق “ترافيك” وهمي، فكل من يزورون الموقع إياه يُفتح لهم -تلقائيًا- الموقعان الصحفيان، وبالطبع الزائر وقتها “مش هيكون فاضي” لتصفح موقع صحفي، وإن كان محتوى بعض المواقع الصحفية يصلح أحيانًا لممارسة العادة السرية..

نسيت صاحبي المهندس ورهانه، وتساءلت: هل لم تجد تلك المواقع سوى نظيرتها “البورنو” لتعلن فيها عن نفسها؟ وماذا عن “الترافيك” الوهمي الذي يؤكد أن تلك المواقع لا تهتم بأن يزورها القاريء بقدر ما تهتم بأن يبدو وكأنه يزورها؟!

هنا تذكرت موقفًا يعود لعشرينيات القرن الماضي، جمع بين الكاتب والشاعر إبراهيم عبد القادر المازني،وبين رائد صحافة المبدأ والعقيدة”أمين الرافعي”.

ذات مرة كان المازني بحاجة إلى 60 قرشًا في وقت عمله بجريدة “الأخبار” لصاحبها وصاحبه الرافعي. حتى خزينة الجريدة خلت من تلك الـ60 قرشًا! لكن يبدو أن الفرج قريب، إذ حل معلن يريد نشر إعلان مقابل60.. لا قرشًا بل جنيهًا!

لكن فجأة قال الرافعي: “لن أنشر الإعلان”. سأله المازني: “لماذا؟ أنا في حاجة لـ60 قرشًا”. فرد الأول بهدوء وتؤدة: “الإعلان به إشارة إلى الخمر”!

لم يفلح المازني “المحتاج” في إقناع صديقه، رئيس تحرير “الأخبار” الفقيرة، بالموافقة على نشر الإعلان. عادي جدًا فتلك هي الضريبة المتوقعة لرجل كان يؤمن بأن الصحافة رسالة وليست تجارة. اللي مش عادي هو ما سيصيبك عندما تقارنبين المشهدين. حين كان يأتي إلينا المعلن بخزيه فنرده بخيبته، وحين أصبحنا نحن المعلن الذي يذهب للخزي ناشدًا جنته!

للتواصل مع الكاتب عبر “فيسبوك”

للتواصل مع الكاتب عبر “تويتر”

اقرأ أيضًا:

عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (3)

عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (2)

عمرو شوقي يكتب : مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (1)

عمرو شوقي يكتب: مؤامرة CNN لهدم «نظريةالمؤامرة»

عمرو شوقى يكتب: هل يكره الزملكاوية حسن شحاتة؟

عمرو شوقي يكتب: هل حصل “عفيفي” على مكافأة الدوري؟!

عمرو شوقي يكتب: أغنية “التالتة يمين” التي أزعجت نادي القرن

عمرو شوقي يكتب: انبهرت بإعلانات رمضان.. والنتيجة؟؟

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا