محمد صلاح البدري يكتب: الأستاذ.. حين تعيش قرناً من الزمان!

لا أذكر أول كتاب بدأت في قرائته عقب تلك المرحلة التي كنا لا نقرأ فيها سوي “روايات مصرية للجيب” !..و لكنني متأكد.. أن كتبه كانت من أوائل الكتب التي ضمتها مكتبتي الصغيرة وقتها..

ربما كان ذلك في بداية المرحلة الاعدادية.. لم أكن أفهم كل ما كنت أقرأه بعد.. لقد كانت كتبه ذات الأغلفة الفخمة السميكة تثير شغفي ..و حديثه -الذي يدل علي انه كان قريباً للغاية من قرارات و أحداث نستذكرها في كتاب التاريخ المدرسي -يبهرني بالفعل!!

ربما كان الحديث عن الاستاذ ” موضة” في الايام الأخيرة.. فالكل ينعي و يأبن .. و البعض يحكي ذكرياته الشخصية معه والتي لا تزيد في الأغلب عن لقاء واحد أو اثنين!.. أو ربما اتصال تليفوني!!…

الكل يتحدث عن قيمته الأدبية و السياسية .. و كيف أثر في التاريخ المصري الحديث بأكمله!

سوف يصبح الأمر مبتذلاً لو حاولت  الدخول الي هذا العالم ..فحديثي عنه  ينقصه  شيئاً جوهرياً .. فلم أحظي بشرف مقابلته طيلة حياتي مثل كل من تحدثوا عنه.. و لهذا تظل شهادتي مجروحة منقوصة مهما حاولت الاجادة!

كل ما سأستطيع قوله عنه هو كلام مكرر محفوظ.. فالأستاذ كان تاريخاً يمشي علي قدمين بالفعل.. يبدو اننا سنحتاج أن نؤرخ للصحافة العربية “بما قبل هيكل”.. او ما بعده!

فقط ربما يمكنني الحديث عنه كقارئ مخلص .. أو كطفل منبهر بهذا الذي تمكن أن يظل صامداً شاهداً لقرن كامل من الزمان!

حين ولدت قبل ما يقرب من أربعين عاماً أو ينقص قليلاً.. كان الأستاذ قد قارب علي الستين من عمره!.. إنه ذلك العمر الذي تشعر فيه أنك قد أديت رسالتك .. و أنه قد آن الأوان لتستريح أمام المدفأة و أنت تقرأ كتاباً مسلياً…ولكنه لم يفعل!

والثابت أن  الأستاذ قد عاش حياة كاملة بالفعل قبل هذا التاريخ.. بحلوها و مرارتها و انكساراتها و انتصاراتها الشخصية و العامة.. فقد سمحت له الظروف أن يقترب من دوائر صناعة القرار طوال حياته المهنية في الأهرام و ما بعده.. مما جعله يشكل معالم تلك الأسطورة التي تحول اليها فيما بعد!

ولكن الطريف ..أنه قد عاش حياة اخري كاملة بعد هذا التاريخ.. و سطر إنجازات جديدة لم يسبقه اليها أحد.. حتي أن المقارنات بينه وبين الاخرين تبدو سخيفة!.. فكل ما عاصرته له كان بعد أن أتم الستين من عمره بالفعل.. و لهذا أعتقد أنه قد إستحق لقبه الذي لم و لن يحمله غيره لفترة طويلة..إنه الاستاذ.. فمن هم؟!

سوف تتفق معه أو تختلف.. سوف تحبه أو تكرهه.. وربما حتي تسبه بكل ما يحلو لك من سباب.. و لكنك لن تستطيع أن تنكر  أنك تملك إغفال ما قال أو كتب طوال عمره.. و حتي اللحظات الاخيرة!.

حين تعيش قرناً من الزمان.. سيمكنك أن تعاصر تاريخاً كاملاً.. سوف تعاصر ثلاث ثورات.. و خمسة حروب.. و ملكاً و ستة رؤساء بخلاف الفترات الانتقالية..! .. سوف تعيش حياة فريدة!.. و سوف تظل مختلفاً !

حين تعيش قرناً من الزمان.. ستحتاج أن تتوقف عن الإنبهار.. و تكف عن حديث الذكريات الذي ربما يثير الملل

لدي البعض..!

حين تعيش قرناً من الزمان.. و بحياة مثل التي عاشها الاستاذ هيكل..سوف تستحق اللقب الذي إستحقه.. سوف تصير استاذاً..!

حين سئل الموسيقار محمد عبد الوهاب عما سيحدث عندما يموت كل تلك الرموز والقامات التي حولنا .. قال.. لا شيئ.. فقط سيستريح التاريخ قليلاً.. !

رحم الله الأستاذ..

اقـرأ أيـضـًا:

محمد صلاح البدري يكتب : كما قال الأستاذ! 

محمد صلاح البدري يكتب : كلام جرايد.. !!

محمد صلاح البدري يكتب : عن فن إساءة الأدب!

محمد صلاح البدري يكتب : حين يرهقنا التظاهر بالحياد!

محمد صلاح البدري يكتب : في الروضة.. حيث ترى الحقيقة!

محمد صلاح البدري يكتب:مغامرات ميكروفون الجزيرة!!

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا